مساومات العفو العراقي: تعديلات للإفراج عن متورطين بالفساد والسرقة

21 اغسطس 2016
قانون العفو يحمل "صكوك غفران" لسجناء بتهم مختلفة(كريس هوندروز/Getty)
+ الخط -
لم ينجح البرلمان العراقي في تمرير قانون العفو العام خلال جلسات عدة، إذ يبدو أنّ دائرة التوافقات السياسية لا تزال تحكم السلطة التشريعية في البلاد، فقد فشلت جميع محاولات رئيسها سليم الجبوري للتخلص من تلك القوى النافذة التي تعرقل عملها وتفتح باب المساومة على القوانين، مقابل تحقيق نصاب التصويت عليها. ولم يكن قانون العفو العام بمنأى عن تلك المساومات، إذ امتد الخلاف بين كتل التحالف الوطني الحاكم طوال فترة قراءة القانون ومحاولات إقراره، ليعطله بشكل كامل ويغلق كافة الأبواب أمام تشريعه.

وخلال اليومين الأخيرين، بدأ القانون يخرج من عنق زجاجة الخلاف السياسي إلى فضاء المساومات السياسية، ويبدو أنّ نواب ائتلاف دولة القانون بزعامة نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي المعترضين على القانون مع بعض كتل التحالف الوطني حصلوا على مبتغاهم، إذ استطاعوا أن يضمّنوا القانون فقرة تنصّ على إطلاق سراح سارقي المال العام والمتورطين بملفات الفساد، ليشمل أتباعهم، مقابل الموافقة على فقرات أخرى تخصّ الأبرياء والمجرمين.

هكذا بدأت فصول القانون تبصر النور مجتمعة، ليخرج قانون العفو حاملاً "صكوك غفران" لسجناء العراق من الأبرياء والمجرمين والسارقين، وليمثّل القانون صنوف القائمين على الحكم في البلاد، بحسب مراقبين.

ويعدّ قانون العفو من أبرز القوانين المعطّلة والمثيرة للجدل، إذ يتعلّق بمصير آلاف السجناء؛ كثير منهم اعتقلوا بتهم كيدية وبدوافع طائفية، بحسب اعترافات مسؤولين عراقيين، ومنهم مجرمون متورطون بدماء العراقيين، فضلاً عن أعداد كبيرة من المتهمين بملفات فساد. لذلك، فإنّ المساومة في هذا القانون تحتاج إلى عقد صفقات كبيرة تنتشل السجناء المرتبطين بكتل سياسية من تهمهم، وفقاً لمتابعين.

في هذا السياق، يكشف نائب في التحالف الوطني، لـ"العربي الجديد"، عن أنّ "ائتلاف دولة القانون وبعض كتل التحالف الوطني أصرّت طوال الفترة السابقة على عدم تمرير قانون العفو العام في البرلمان، ليستمرّ الخلاف عليه ويعطّل في أروقة البرلمان"، مبيناً أنّ "الحوارات السياسية التي جرت بين التيار الصدري وتحالف القوى من جهة وبين دولة القانون والكتل المعترضة من جهة أخرى أعادت القانون إلى زاوية المساومات السياسية". ويوضح أنّ "تلك المساومات والاجتماعات أفضت بالنتيجة إلى توافق بشأن القانون، بعدما تمّ تضمينه فقرة تشمل سارقي المال العام والمتورطين بملفات فساد، وفقاً لما يريده ائتلاف دولة القانون".






ويشير إلى أنّ "الكتل الأخرى لم تجد أمامها مخرجاً آخر سوى الموافقة، لأنّها تسعى لإخراج أتباعها من السجون، ولا سبيل أمامها سوى التوافق مع الجميع بغض النظر عن النتائج". ويؤكد أنّ "القانون سيذهب بهذه الصيغة إلى اللجنة القانونية البرلمانية، ومن ثم يعرض على التصويت"، مرجّحاً "إقراره خلال الجلسة المقبلة".

من جهته، يرى النائب عن التحالف الوطني، عبد الهادي السعداوي، أنّ "تعديل التحالف الوطني على نسخة قانون العفو العام جعل من النسخة المعدلة هي الأفضل، ولولا هذا التعديل لما كان القانون سيشرّع مطلقاً". وقال السعداوي، في تصريح صحافي، إنّ "النص المعدّل أكد على تدقيق أوراق الإرهابيين الجنائية، وليس إعادة التحقيق بشكل كامل"، لافتاً إلى أنّ "هذا التعديل سيكون صمام أمان يحول دون خروج المحكومين بالإرهاب". وشدّد على أنّ "التحالف الوطني وافق على هذه الصيغة ولن يوافق على أخرى غيرها".

في المقابل، دعا رئيس لجنة حقوق الإنسان البرلمانية، أرشد الصالحي، إلى "إشراك قانونيين وقضاة باجتماعات الكتل السياسية التي تتداول بشأن قانون العفو العام". ويقول الصالحي، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، إنّ "قانون العفو من القوانين المهمة المطروحة في البرلمان، ويجب أن يصاغ قانونياً كي لا يظلم أحداً". ويؤكد أنّه "في الوقت الذي يعدّ فيه توافق وقبول جميع الأطراف بالقانون مهماً من أجل إقراره، فإنّ الأهم هو إشراف ذوي الاختصاص من القانونيين والقضاة على وضع فقراته كي لا تتعارض مع القانون".

وطغى صوت المساومات على صوت هيئة النزاهة التي دعت إلى رفض الفقرة التي شملت المتورطين بملفات السرقة والفساد. وقالت الهيئة، في بيان صحافي، إنّ "شمول بعض أو معظم جرائم الفساد بقانون العفو العام يُعد هدراً للجهود المضنية والحثيثة المبذولة من قبل الأجهزة الرقابيّة الوطنية في مكافحة الفساد، ولربما سيُفضي إلى اليأس والإحباط لدى المعنيّين بمكافحة الفساد، نظراً لأنّ القضايا التي كانوا قد بذلوا فيها جهوداً لسنوات عدة قد تم إطلاق سراح مرتكبيها".

وأضافت الهيئة في بيانها أنّ "شمول هذه الجرائم بقانون العفو سيولد جرأة لدى الفاسدين على تكرار التجاوز على المال العام وارتكاب جرائم الفساد، لعلمهم بوجود نيّات مستمرة تُفضي إلى شمولهم بقانون العفو". وأكدت أنّ "قوانين العفو تستند إلى فلسفة تشريعية نابعة من ظروف المجتمع والمصلحة العامة. وهنا لا نجد أية حكمة أو فلسفة تسوغ إقحام جرائم الفساد في قانون العفو في الظرف الراهن، إذ إنّ الظرف الذي يمرُ فيه المجتمع العراقي وحاجاته تدعو إلى محاربة الفساد بوصفها من أولويات المجتمع، وإطلاق سراح بعض أو معظم مرتكبي جرائم الفساد سيكون بمثابة ضربة قاضية لتطلعات المجتمع، وهدر لكل الأصوات المطالبة بمحاربة الفساد".

وأشارت إلى أنّ "كل دول العالم التي مرّت بظروف مشابهة لتلك التي يعيشها العراق، المتمثلة بتنامي ظاهرة الفساد، اتخذت إجراءات صارمة إزاء هذه الظاهرة تمثلت بإيقاع أقصى العقوبات بحق مرتكبي جرائم الفساد وتشديدها حتى تصل في قوانين بعض الدول إلى الإعدام، وليس اللجوء إلى إصدار عفوٍ عن مرتكبي هذه الجرائم". وأضافت أنّه "استناداً إلى هذه المُسوّغات والمسبّبات القانونية والاجتماعية، فإنّ الهيئة، وبقدر تعلق الأمر بها، ترفض فكرة شمول جرائم الفساد بقانون العفو العام".