مسامير في البرلمان التركي

12 نوفمبر 2015

من جلسات البرلمان التركي السابق (30 يونيو/2015/Getty)

+ الخط -
ألتقي يومياً بعد العصر حجي في حديقة "أوسمان بخجة" الواسعة، الغنّاء، والخالية من الناس المنهمكين في كسب الرزق. حجي متقاعد يطمح إلى رعية يحكمها، وهو يكاد يعتقد أن الأشجار رعيته، وتقف باستعداد مهابة منه. أول سؤال طرحه عليّ هو عن الصحة، وبسبب "أبي عمرة"، وهي كنية المخمصة والمجاعة في العربية، أصبت بمرضٍ يخجل أهل الشمس من ذكره، لعلي أصبت به لسببين: الجلوس الطويل من غير حركة في البيت أمام فضائية الدنيا، التي تصيب متابعيها بالإسقربوط ومتلازمة البوط، والاقتصار على أكل الخبز مع الشاي الذي يصيب ضحاياه بالإمساك. سورية عانت من إمساك سياسي طويل، عمره خمس وأربعون سنة، لحرص الأسد على سد كل فتحة يكتشفها في سورية، كما قال باتريك سيل. تعفّنت أمعاء سورية الغليظة والدقيقة، وتحجّر الكبد، واحتشى القلب.. حالي كانت كحال لوحة علي فرزات الشهيرة عن الجوع: مؤخرة بنى العنكبوت عليها بيتاً.
صرت أتذكر أبطال مقامات الحريري الجوعى، وأشعب الطفيلي، وقصص جاك لندن، وما إن ذكرت مرض "المجلس"، وهي كناية كردية عن اسم المرض، حتى صاح: أبشر، عندي مراهم كثيرة. ذلك أن الحجي أصيب بالمرض نفسه، فنصف سكان هذه المدحية مصابون به، والبيات السياسي سبب مهم للمرض.
تحدثنا قليلاً عن عللِ الدستور التركي الذي سنّه المقبور أتاتورك، واتفقنا على ضرورة سنّ دستور جديد، وكان حديثُ المجلسِ مناسبةً يشتم فيها خصومه أتباع حزب صلاح الدين طاش ما طاش، فالحجي عضوٌ سابقٌ في حزب في النور، ولاقى من اليسار الويل. أخبرني أنه بقي محبوساً في بيته تسع سنوات، وتعرّض لمحاولات اغتيال كثيرة، ولم يكن يتجول إلا بالكلاش (الكلاشنكوف)، هرب إلى إسطنبول، وسلّم نفسه للسلطات التركية، فحبس بضعة أشهر، ثم استفاد من مراسيم العفو التي أصدرتها العدالة والتنمية، وهو الآن مواطن صالح، لا يقوم بأي عمل سوى الصلوات الخمس في البيت، فهو لا يعرف فضل الصلاة في المسجد التي تبلغ سبعاً وعشرين درجة، وهو بالكاد يعرف قراءة الفاتحة، لكنه يظنّ نفسه خليفة عمر بن الخطاب في حي أوسمان باشا. ازدادت رعيته، بعد لجوء الأقارب من سورية، ورعايته تتمثل في مرافقتهم للترجمة، واستئجار البيوت لهم.
فاز حزب "الشنكليشات" الديمقراطية بنسبة 13% في الانتخابات السابقة، بدعم من دولة إرم ذات العماد لصاحبها الولي السفيه، ودولة الولي الفقيه، وتحالف الأقليات المدعوم من الغرب، فانتفخ سحر طاش ما طاش، حتى خُشي من أن يستقبل على السجاد الأحمر في إيران وإرم ذات العماد. يزمجر الحجي، ويقول: هذا الغلام أحمق، إنهم يلعبون به، وليس أقتل من الغرور. دعاني لإعطائي مراهم "المجلس"، فغادرنا الحديقة، وعندي أمل في أن يدعوني للطعام. تركني جائعاً أسفل ناطحة السحاب ذات العماد، وصعد، ثم نزل ومعه صندوق من المراهم، تكفي لمعالجة بواسير البرلمان السوري المختوم بالمسامير.
شرح لي كيفية استعمال المراهم المختومة والجديدة، المزودة "بأصابع وسطى" مطاطية، تغني عن استعمال اليد. أحاول، أحياناً، أن أمزح مع الحجي، فأخفق، فهو وقور، ويؤمن أنّ المزاحة تذهبُ المهابةَ، ويعتقد أنه خليفة الفاروق عمر بن الخطاب في تركيا.
قلت: لا أريد سوى "عصّارة" واحدة. ما رأيك أن نرسل الباقي للبرلمان التركي (صار برلمان تسيير أعمال). فابتسم بوقار، كانت المرة الأولى التي يبتسم، وقال بحكمة: قرداش.. بواسير اليسار التركي، والكردي ليست في المجلس، وإنما في الرأس.
ودعته مسرعاً إلى البيت، وأنا أتجنب حكَّ مجلسي، خوفاً على الأمن والاستقرار وروح الأمة.
دلالات
أحمد عمر
أحمد عمر
أحمد عمر
كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."
أحمد عمر