مساعٍ تونسية لكسر الجليد مع الإمارات سياسياً واقتصادياً

24 سبتمبر 2015
رسائل عدة من زيارة السبسي لدبي (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
حملت زيارة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، التي قام بها، يوم الأحد، إلى دبي لتقديم واجب العزاء إلى نائب رئيس دولة الإمارات حاكم دبي، محمد بن راشد آل مكتوم، في وفاة نجله راشد بن محمد بن راشد آل مكتوم، رسائل عدّة، أهمها قيام الرئيس التونسي بخطوة نحو السعي إلى بث شيء من الحرارة في علاقات البلدين، التي شهدت حالة من البرودة الشديدة خلال الأشهر الماضية، وتأجلت بسببها زيارة السبسي إلى الإمارات وعدد من دول الخليج أكثر من مرة.

وبلغت ذروة البرودة في علاقة البلدين، في الفترة الأخيرة، مع عدم إعطاء تأشيرات دخول إلى الإمارات لعدد كبير من رجال الأعمال والتجار والمواطنين التونسيين، وهو ما خلق استياءً كبيراً في صفوف التونسيين، حتى المقيمين والعاملين في الإمارات. موجة الاستياء التونسية دفعت وزير الخارجية، الطيب البكوش، إلى التدخّل في الموضوع، فاستقبل السفير الإماراتي الذي أورد أن سبب المنع يعود إلى التخوّف والاحتياط من الشباب التونسي الذي أصبح مرتبطاً بالإرهاب.

واعتبر البكوش أن التفسير الإماراتي لأزمة التأشيرات غير مقنع، ودعا في تصريحات صحافية إلى "عدم إقحام المواطنين في هذه الخلافات التي ينبغي حلها بالحوار". كما قال إن "أحزاباً سياسية قد تكون وراء الأزمة، ولكن لا أتهم أحداً"، معرباً عن أسفه "لارتكاب أخطاء كهذه، لأنها لم تراعِ المصلحة التونسية الوطنية".

ولمحاولة إيجاد حل لهذه الأزمة، قام الأمين العام لحركة "نداء تونس"، محسن مرزوق (المقرب من الإمارات)، الأربعاء الماضي، بزيارة إلى السفير الإماراتي في تونس، سالم عيسى القطام الزعابي، وُصفت بزيارة مجاملة، وتمحورت، حسب بيان لـ"نداء تونس"، حول العلاقات الثنائية وأوضاع الجالية التونسية في الإمارات.

غير أن الخلافات الإماراتية التونسية، لها أسباب سياسية وأخرى اقتصادية، فالإمارات التي دعمت السبسي خلال الانتخابات الرئاسية الماضية، كانت في الواقع تقف ضد "توسّع تيار الإسلام السياسي" في المنطقة، ولم تكن ترغب في صعود حركة "النهضة" التونسية الإسلامية مرة أخرى إلى الحكم.

وكانت كل الحملة الانتخابية لـ"نداء تونس" في الانتخابات التشريعية، وحملة السبسي في الانتخابات الرئاسية، مبنية على إقصاء "النهضة"، كما كان خطاب "النهضة" أيضاً مبنياً على شيطنة "نداء تونس" واتهامه بالفساد وعودة النظام القديم.

غير أن الانتخابات أفرزت ما لم يتوقعه أو يتمناه لا "النداء" ولا "النهضة"، وحكمَ التونسيون على الطرفين بالاشتراك في الحكم، وأدت العقلانية التونسية إلى التفاهم السريع، إذ أكد السبسي أنه يستحيل الحكم من دون "النهضة"، وتخلّت الأخيرة عن اتهاماتها وقدّمت كل التنازلات الموجعة للتآلف حكومياً، من باب المصلحة أيضاً.

اقرأ أيضاً: تونس.. حراك دبلوماسي دولي حول ليبيا

هذه الواقعية السياسية التونسية دفعت السبسي أيضاً إلى تغيير سياسة بلاده تجاه ليبيا، فبعد أن كانت حكومة الترويكا (المكوّنة من أحزاب النهضة والمؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل الديمقراطية) تميل إلى دعم حكومة طرابلس، وبعد أن كانت الحكومة الانتقالية الموالية لمهدي جمعة تميل إلى دعم حكومة طبرق، قرر السبسي مد اليد إلى الطرفين، والالتزام بالحياد بينهما، بناء على المصلحة التونسية الصرفة، لأنه من غير المعقول معاداة طرابلس المتاخمة لتونس، والتي يقيم ويعمل فيها آلاف التونسيين، والتي تشكّل الحاجز الأخير الفاصل بين تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وجنوب تونس.

هذا الموقف الجديد لتونس زاد من غضب الإماراتيين، غير أن السبسي، وفق ما تؤكد مصادر لـ"العربي الجديد"، معروف برفضه أي تدخل في القرار السيادي لتونس، مهما كلفه ذلك، على الرغم من تراجع الدعم الإماراتي وتوقّفه بالكامل، وعلى الرغم من ضغط الساحة الداخلية ومحدودية الموارد وحاجة الحكومة التونسية إلى ضخ أموال في الخزينة.

غير أن السبسي، "الدبلوماسي المحنك"، بحسب تعبير المصادر، ظل يتابع هذه التطورات، بهدوء وصمت، وأرجأ زيارته الخليجية بسبب هذه الأزمة، إلى أن جاءت هذه الفرصة ليزور بنفسه الإمارات ولا يكتفي بإرسال مبعوث عنه، حتى "لا يزيد من اتساع الجدار الفاصل بين البلدين"، ويحمل رسالة إلى الإماراتيين بأن ما يجمع أكبر بكثير مما يفرِّق.

ولكن للأزمة وجه آخر، لا يقل أهمية عن السياسي، وهو البعد الاقتصادي، فالمشاريع الإماراتية في تونس معطّلة منذ سنوات، وهي مشاريع عملاقة ذات قدرة تشغيلية عالية، ولذلك قررت الحكومة التونسية منذ أيام عقد مجلس وزاري خاص، للنظر في بعض المشاريع الكبرى المعطلة والعالقة، ومن بينها مشروع "سماء دبي"، ومشروع "المدينة الرياضية أبو خاطر"، وفق ما أكده وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي، ياسين إبراهيم.

وأكد إبراهيم، في تصريح لوكالة الأنباء التونسية، أن الحكومة الحالية حرصت منذ تشكيلها على التصرف في المشاريع، التي أُسند إنجازها إلى شركات خليجية قبل الثورة، ومتابعتها من أجل إيجاد الحلول الإدارية والقانونية لتنفيذها.

غير أن المشاريع المعطلة منذ الثورة ليست إماراتية فحسب، بل هي أيضاً سعودية وقطرية وبحرينية وأوروبية، وتعود أسباب تعطلها إلى الاضطرابات التي عرفتها تونس، وتداول عدة حكومات على إدارتها، بالإضافة إلى مشاكلها القانونية والاستثمارية، ولكن بدأت أغلب هذه المشاكل تجد طريقها إلى الحل في الآونة الأخيرة.

يقول مصدر لـ"العربي الجديد" إن "تونس تعوّل على تفهّم الإماراتيين للظروف التونسية، واقتناعهم تدريجياً بالتجربة التي أدت إلى الاستقرار في تونس"، وهي بحسب نظره، الطريقة الوحيدة لإدارة كل الاختلافات في المنطقة، بما فيها مصر، مؤكداً أن "السبسي يعمل على إقناع نظيره المصري بوجهة النظر هذه، لأن الخلافات لن تُحسم بالقوة، ولأن كل المعطيات الجيوسياسية تغيّرت في المنطقة، وهو ما فهمته الولايات المتحدة وأوروبا بكل اختلافاتها، وما ينبغي على العرب أن يدركوه بسرعة، للحد من التكاليف الباهظة التي تدفعها المنطقة العربية بأسرها".

اقرأ أيضاً: الدبلوماسية التونسية مع السبسي: انفتاح على الجميع

المساهمون