مسارات متشعبة للحل الليبي... واندلاع احتجاجات شرقاً

11 سبتمبر 2020
المناصب السيادية رحى الصراع الليبي (فاضل سنا/ فرانس برس)
+ الخط -

في الوقت التي تجرى فيه مشاورات على أكثر من صعيد لإنهاء الانقسام وإيجاد حل في ليبيا، يتسع نطاق الاحتجاجات الشعبية المنددة بسوء الظروف المعيشية لتشمل المدينتين في شرق البلاد، بنغازي والبيضاء، اللتين شهدتا ليل البارحة الخميس خروج المواطنين بكثافة.
ورغم الرسالة العاجلة التي وجهها رئيس مجلس النواب المنعقد في طبرق، عقيلة صالح، للحكومة الموازية في شرق البلاد حول "ضرورة الاجتماع لمناقشة مطالب المحتجين"، إلا أن نشطاء نادوا بضرورة مواصلة الاحتجاجات داعين أبناء المدن الأخرى في شرق ليبيا للمشاركة بالاحتجاجات.
وفي تعليقه على ذلك، اعتبر الناشط السياسي الليبي، عقيلة الأطرش، أن أهم مكسب للمظاهرات يتمثل في كسر حاجز الخوف والقبضة الحديدية لأجهزة أمن اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر ومليشياته، مشيرا إلى أن انحسار سلطة حفتر بسبب تخلي الكثير من حلفائه عنه، ومنهم صالح، كان عاملا مساعدا للشارع على إعلاء صوته للتعبير عن مطالبه.
ورفع المتظاهرون شعارات تماهت مع مطالب المحتجين في طرابلس ومدن غرب وجنوب ليبيا، منها ضرورة حل أزمة الكهرباء والماء وشح السيولة النقدية، وضرورة مكافحة الفساد بمحاسبة المسؤولين بالأجهزة الحكومية.
وجاء في بيان مرئي للمحتجين في بنغازي، تناقلته صفحات التواصل الاجتماعي بشكل واسع: "في ظل الغياب التام لكافة مؤسسات الدولة وأبنائها المرموقين، وتحقيقا لطموح الشباب وثأرا للشهداء، لا نمتلك إلا طلبا وحيدا وهو سقوط جميع أجسام الدولة التي عجزت عن خدمة المواطنين".


ويأتي توسع دائرة الاحتجاجات الشعبية في البلاد مع ترحيب دولي وأممي واسع بنتائج مشاورات ممثلي مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، التي احتضنها المغرب، والتئام شخصيات ليبية، لم يكشف عن أسمائها، في سويسرا. وانتهت مشاورات بوزنيقة بالمغرب إلى الاتفاق على توزيع مناطقي للمناصب السيادية، فيما اتفقت الثانية على تمديد عمل المجلس الرئاسي لمدة عام وتشكيل حكومة خدمية موحدة، في الوقت الذي طالبت فيه مجلسي النواب والدولة بضرورة التوافق على قاعدة دستورية لإطلاق انتخابات رئاسية وبرلمانية.
من جهة أخرى، يسود اعتراض واسع في طرابلس وغرب ليبيا على قرار رئيس المجلس الرئاسي لحكومة "الوفاق"، فايز السراج، بشأن تأسيس المؤسسة الليبية للإعلام وتكليف محمد عمر بعيو، المسؤول السابق في نظام حكم العقيد الراحل معمر القذافي، برئاستها، ما قد يهدد مخرجات مشاورات المغرب بشأن اختيار الشخصيات الشاغلة للمناصب السيادية، بحسب عقيلة الأطرش في حديث لـ"العربي الجديد".
وصباح اليوم أكد "آمر القوة الضاربة" في قوات بركان الغضب عبدالله بادش، في تصريحات له، رفضه "كل قرارات السراج التي من شأنها ترسيخ المحاصصة وعودة الفاسدين لسدة الحكم"، وذلك بعد ساعات من دعوة وجهها عضو المجلس الرئاسي محمد العماري زايد لأعضاء المجلس لإعادة النظر في قرار السراج، الصادر مساء الأمس، تعيين بعيو رئيسا للمؤسسة الليبية للإعلام المعنية بمراقبة التلفزيونات ووسائل الإعلام المملوكة للدولة.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

وهدد إعلاميون ومدونون، في بيان مشترك صدر في وقت متأخر من ليل البارحة، بـ"عصيان مدني يقفل الشاشات والإذاعات" في حال استمر الرئاسي في قراراته المتعلقة بالإعلام.
وأوضح الأطرش أن الموقف من قرار السراج قد يكون مؤشرا لرفض مشاركة شخصيات من النظام السابق في المشاورات التي استضافتها سويسرا، والتي لم يعلن عن نتائجها حتى الآن بشكل رسمي، مضيفا أن "بياني السفارة الأميركية والبعثة الأممية كانا النافذتين فقط لمعرفة نتائج هذه المشاورات، التي لم يعلن عن بدايتها ولا نهايتها، كما لم يعلن عن المشاركين فيها باستثناء انتماءاتهم للأطياف الليبية".

لقاءات بوزنيقة اقتربت فعليا من الخلاف الأساسي في ليبيا وتحديدا الصراع حول المناصب السيادية وكأن الوزير المغربي يريد القول إن التفاهم حول تلك المناصب سينهي الاقتتال

ورغم أن البيان الأميركي يشير الى وقوف واشنطن وراء هذه المشاورات، إلا أن الأطرش يصف بيان البعثة الأممية بشأن هذه المشاورات بـ"الحذر"، وتأكيدها على أنه ستنظم لقاءات رسمية بين ممثلي مجلسي النواب والدولة في وقت لاحق "يعني إخلاء مسؤوليتها من نتائجها التي قد تكون غير مرضية لشرائح ليبية أخرى".
ومقابل تأكيد وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، أن هدف لقاءات بوزنيقة يتمثل في "الحفاظ على وقف دائم لإطلاق النار"، يرى المحلل السياسي الليبي مروان ذويب أنها "لقاءات اقتربت فعليا من الخلاف الأساسي في ليبيا، وتحديدا الصراع حول المناصب السيادية، وكأن الوزير المغربي يريد القول إن التفاهم حول تلك المناصب سينهي الاقتتال".
وكانت مصادر ليبية، تحدثت لـ"العربي الجديد" في وقت سابق، أوضحت أن اتفاق ممثلي مجلسي نواب طبرق والدولة، خلال مشاورات المغرب، على منح المنطقة الشرقية منصبي البنك المركزي والرقابة الإدارية، فيما مناصب مفوضية الانتخابات ومكتب النائب العام وديوان المحاسبة تقرر منحها للمنطقة الغربية. أما المنطقة الجنوبية فسيكون من نصيبها منصبا المحكمة العليا وهيئة مكافحة الفساد.

بروز صوت الشارع الذي كسر حاجز الخوف يمكن أن يشكل عاملا ضاغطا جديدا سواء إذا تصاعدت مطالب المحتجين بشكل حقيقي أو ذهبت أطراف الى استغلال صوت الشارع لصالح مكاسبها السياسية

من جهة أخرى، لفت ذويب إلى أن صمت الدول المعنية بالملف الليبي والمتنفذة فيه حيال نتائج لقاءات المغرب ومشاورات سويسرا "قد يفهم منه عدم رضا من جانبها"، مستحضراً دعواتها إلى ضرورة إشراكها في أي حل سياسي في ليبيا.
وأشار إلى أن الرئيس التونسي قيس سعيد دعا رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بالإنابة، ستيفاني وليامز، أثناء زيارتها الأخيرة لتونس، لضرورة "التنسيق والتشاور مع دول الجوار الليبي"، وكذلك تشديد وزير الخارجية الإيطالي، لويجي دي مايو، خلال زيارته الأخيرة إلى ليبيا على أنه "من الضروري إشراك الدول الصديقة لليبيا في مشاورات الحل السياسي"، والذي أوضح أنه "من دون الفاعلين المعنيين مباشرة بليبيا من الصعب الوصول الى تسوية".
كما لفت ذويب إلى أن عدم وضوح موقف البعثة الأممية بشأن كل هذه المسارات المتشعبة، يأتي في وقت لا تزال فيه البعثة عاجزة فيما يبدو على إقناع طرفي الصراع في ليبيا بحل منزوع السلاح في سرت والجفرة ضمن مباحثات اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5 التي لا تزال مجرياتها غامضة أيضا.

من جهته، اعتبر الأطرش أن بروز صوت الشارع الذي كسر حاجز الخوف يمكن أن يشكل عاملا ضاغطا جديدا، سواء إذا تصاعدت مطالب المحتجين بشكل حقيقي أو ذهبت أطراف إلى استغلال صوت الشارع لصالح مكاسبها السياسية.
وفي ظل هذه التطورات، يرى ذويب أن "المشوار ما يزال طويلا جدا ليصل المجتمع الدولي والنافذون في مشهد ليبيا السياسي إلى اتفاقات حقيقية، خصوصا مع استمرار خطر حفتر ومليشياته التي يمكن أن تقوض كل تلك المساعي إذا تم فعليا إقصاء اللواء الليبي المتقاعد"، معتبراً أن "غياب منصب رئيس المؤسسة العسكرية عن لقاءات المغرب دليل على هذا الاتجاه".

المساهمون