مساءلات لـ "موازين المغرب": سنة أخرى من الجدل

23 مايو 2015
من الدورة السابقة (تصوير: سيف الأمين)
+ الخط -

مع الأيام الأولى للصيف، ينطلق "مهرجان موازين" (29 أيار/مايو حتى 6 حزيران/ يونيو) بحرارته، سواء الناجمة عن الأجواء التي يخلقها في أحياء العاصمة المغربية، أو عن الجدل الذي يبدأ وينتهي به كل سنة.

يسمونه في المغرب "الغول" لأنه يلتهم المهرجانات الأخرى، إذ يحظى بأكبر ميزانية وبقدر هائل من الدعم المالي والإعلامي، ويسمونه أيضاً "مهرجان الملك" لأنه يكون تحت رعايته الفعلية، ولأن رئيسه هو سكرتير الملك ومدير كتابته الخاصة.

يعتبر "موازين" أكبر مهرجان غنائي في أفريقيا والعالم العربي، هذا ما تقوله جميع الأرقام المتعلقة به، فهو يستقطب سنوياً من مختلف جهات العالم أشهر الفنانين وأغلاهم أجراً، ويجمع حوله مئات الإعلاميين من داخل وخارج المغرب، ويحضر سهراته المباشرة في كل دورة ما يقارب ثلاثة ملايين متفرج.

لكنه، بالمقابل، المهرجان الأكثر إثارة للنقاش في الصحافة الوطنية وعلى مواقع التواصل، بل في الأوساط الاجتماعية عموماً في المغرب، ويرتبط هذا النقاش بجدوى المهرجان وتوقيته وميزانيته الضخمة.

استطلعت "العربي الجديد" آراء بعض المثقفين حول المهرجان والجدل الدائر حوله، إذ يرى الناقد والروائي إبراهيم الحجري أن للمهرجان أهدافاً ترفيهية لا يمكن إغفالها، لكنه بالمقابل "يحمل ما يحمل من خطابات التدجين والإفراغ من القيم الإيجابية".

ثم يتساءل: "أي نوع من الترفيه يحظى به الجمهور؟ ومن هو هذا الجمهور الذي ينعم بهذه الفرجة؟ وماذا يستفيد المجتمع من هاته الضجة؟ علماً بأن الفنان المغربي يظل بعيداً عن اهتمام المنظمين، والفن المغربي الأصيل يظل خارج أجندة الجهات المحتضنة التي تراكم أرصدتها من جيوب المواطنين".

يضيف الحجري: "صحيح أن المهرجانات الفنية تساهم في امتصاص القلق والغضب، لكن هذا يجب أن يكون منسجماً مع خصوصيات الفن المغربي وذائقة الشعب اللذين تظل اختيارات المنظمين بعيدة عنهما كلياً".

ويقول الشاعر والناشط الحقوقي، محمد مقصيدي، إنه ليس مع "موازين" ولا ضده، لأنه أصلاً لا يعنيه، فـ"النقاش الدائر حول المهرجان سياسي أكثر مما هو فني. الحديث عن (موازين) يقتضي أن نناقش كذلك أزمة الفن والثقافة في المغرب من الألف إلى الياء، وليس فقط كل صيف مع قدوم وقت المهرجان.

فلننظر مثلاً إلى برامج التلفزيون ووزارة الإعلام، إلى أزمة القراءة ووزارة الثقافة، إلى تشجيع كل ما هو مبتذل مكان ما يرقى بالفن في المؤسسات العمومية بما فيها وزارة التعليم. لا يدهشني أن يكون زوار المهرجان بالملايين، هذا ما يريده الناس. لماذا لا نريد أن نصدق ذلك؟ حتى بعض الذين ينددون بالمهرجان يحضرونه".

يضيف مقصيدي: "عموماً، لا بأس أن يسمع الفقراء القليل من الموسيقى في الشارع، حتى ولو صنّفناها أو صنّفها بعضنا بالموسيقى التجارية أو موسيقى تخدير الشعوب. يسعدني أيضاً أن أرى ثقافة الحياة هي ما يحضر عوض ثقافة الموت التي بدأت تتغلغل في المنطقة بأسرها".

أما الشاعر والقاص، سعيد السوقايلي، فالمهرجان بالنسبة له هو بمثابة "ملتقى فني وثقافي دولي، يسعى من ورائه المغرب إلى تلميع صورته وتصديرها إلى الخارج كبلد تلتقي فيه الثقافات وتتعايش".

وبالرغم من خلفيته السياحية والاقتصادية، إلا أنه يأتي في زمان ومكان حسّاسين، يشهد فيهما المغرب رهانات أخرى صعبة، كقطاعات التربية والتعليم والصحة وغيرها، وما يتداعى عنها من فقر وهشاشة تنوء بثقلهما قاعدة بشرية كبيرة تتوق إلى تنمية شاملة".

ويبدو للسوقايلي أن الدعم المادي والإعلامي الهائل الذي يخصص لهذا المهرجان "أكبر من رمزيته وحضوره الثقافي، في وقت تشهد فيه تظاهرات ثقافية أخرى، أدبية على الخصوص، اهتماماً هزيلاً، لا لشيء سوى حرص جهات بعينها على تسليع الفن، والنظر إلى الثقافة بمنظور تجاري، كما لو أن المسألة الثقافية مجرد مقاولة تعود بالريع الوفير على الجيوب. إنها رؤية قاصرة من لدن داعمين ورجال أعمال لا يريدون أن يصدقوا أن الثقافة هي من أهم روافد الإصلاح والنهضة الحضاريين".

ويرى الناقد السينمائي، فؤاد زويريق، أن "موازين" يلعب دوراً مهماً في "إعادة تدوير" الموسيقى وتفعيلها، وجعلها مناسبة سنوية تستأثر باهتمام كبير من الإعلام الوطني والأجنبي أيضاً، كما أنه يعتبره فرصة مهمة لتحريك عدة قطاعات مرتبطة به؛ كالقطاع السياحي على سبيل المثال.

ويضيف زويريق: "لا يجب أن ننسى أنه تظاهرة فعالة لها جمهورها العريض، وهذه حقيقة لا جدال فيها، فالفن عموماً يلعب دوراً مهماً في تشكيل المجتمعات ثقافياً وفكرياً وإنسانياً، بل هو نواتها وواجهتها، ومن هذا المنطلق نشجع هذا المهرجان، كونه يتميز أولاً باحترافيته التنظيمية وثانياً بقيمته الفنية، نشجعه في إطاره الفني المجرد، بعيداً عما يُتداول من فساد وإفساد".

ويستطرد فؤاد زويريق : "لكن ما نلمسه على أرض الواقع، ويعيبه فعلاً، هو تهميش الفنان المغربي على حساب الأجنبي، وسوء برمجته زمنياً".

دلالات
المساهمون