أطلقت "غوغل"، منذ أيام، تطبيقاً لتقويم الأصوات وتجويد النطق بها لدى مُتعلمي الإنكليزية، في إطار تشجيع التعليم الآلي للغات والتدريب الفردي على امتلاك الكفاءات الشفوية وطاقات التعبير، دون الاعتماد على التدخل البشري. عدَّ المتابعون هذا الحدثَ مأثرةً أخرى من مآثر أتْمَمَة اللغات ورقْمَنَتها، ضمن خُطواتٍ عديدة تكرّس واقع التعليم عن بُعْدٍ، وتجعل منه القاعدة بدلَ أن يكون الاستثناء. فقد توالت التطبيقات الذاتية لاكتساب اللغات عبر الحاسوب وبرامجه، بعيداً عن توجيهات الأستاذ وإضافاته الثقافيّة، وليس كاللغة وعاءً لها.
ينطوي هذا التطوّر على بعدٍ خطيرٍ وهو مُفاقمة العزلة لدى مُتعلّمي اللغات الأجنبية وإلغاء الغاية التي من أجلها تُتعلم هذه اللغات. فلو أخذنا، مثلاً، نطقَ الأجانب في بلداننا لبعض الكلمات العربية المتشابهة وخطأهم فيها ثم إصلاحُها، لأدركنا ما في ذلك المسار، على عفويته، من "اللذة"، تحفّز على التعلم وتخلق جوّاً من الألفة بين المتكلمين. فيكفي أن يخطئ أحدهم في نُطق "جَمل" عوضاً عن "جَمال" أو العكس، لندرك ما في التدخل البشري من طرافة، عدا إظهار الفارق الدلالي بين الكلمتَيْن.
وحين يقتصر هذا النشاط على مجرد "التبادل" مع حاسوب/هاتفٍ أصمّ، تفقد عملية التعلم بُعدها البشري وغايتها، وهي التواصل، وتغدو وقتاً آخر مهدراً أمامَ آلة جافة. زادت الرقمنة من وحدة المتعلمين وآذتْهم.