في منطقة دير البلح الزراعية وسط قطاع غزة، نجح المزارع جمال أبو جميزة (57 عاماً) في تحويل البلح الطازج إلى رطب مجفف وعجوة خلال ساعات. كان هذا الرجل قد ابتكر فرناً لتحويل البلح إلى رطب وعجوة. استعان بأدوات بسيطة بالإضافة إلى الغاز والكهرباء. وفي حال انقطاع الكهرباء، يمكن للفرن أن يعمل على الحطب. وتستغرق عملية تحويل البلح إلى رطب داخل الفرن ثماني ساعات، وأربع ساعات إلى عجوة.
بعدها، يمكن أن يكون الرطب جاهزاً للتعبئة والبيع في الأسواق. أيضاً، يمكن للفرن تحويل الرطب الطازج إلى مجفف، علماً أنه يعد أكثر استهلاكاً في السوق. ويؤكد أبو جميزة أنه يمكنه إنتاج طن من العجوة في يوم واحد، ويستطيع من خلاله تلبية احتياجات السوق بدلاً من استيراده من الخارج، في ظل حاجة القطاع للعجوة (نحو ثلاثة آلاف طن سنوياً). يقول لـ "العربي الجديد" إن "هذا الابتكار جعلني قادراً على صناعة الدبس والمربى"، مشيراً إلى أنه بات قادراً على تغطية كل احتياجات غزة والتصدير إلى الخارج، علماً أن الكلفة بسيطة.
يشير إلى أن الفرن يتألف من رفوف حديدية وضعت على مسافة متساوية، وقد زوّد بمروحة لتوزيع الحرارة، ومخرج للتخلص من الرطوبة الزائدة. وتحصل عملية تحول البلح وإنتاج العجوة من خلال إدخال صواني البلح بمختلف أنواعه إلى الفرن. وبعد ثماني ساعات، يتحول البلح تحت تأثير الحرارة إلى رطب. إلا أنه يضعه ساعة إضافية لتعقيمه. بعدها، يعبأ في عبوات مخصصة بعد التأكد من نظافته، ويصير جاهزاً للبيع في الأسواق.
ويلفت أبو جميزة إلى أن السبب الرئيسي في ابتكاره هو استيراد قطاع غزة التمر والعجوة من الخارج، بعدما كان القطاع ينتج كميات كبيرة ويصدر إلى الخارج قبل نحو عشرة أعوام. من جهة أخرى، يشير إلى غياب الاهتمام بشجرة النخيل بسبب انخفاض أسعار التمر والعجوة، عدا عن معوقات الاحتلال التي تؤثر على عملية التصدير إلى أسواق الضفة الغربية. يضيف أنه لدى تجار البلح ثلاجات يضعون فيها المنتج تمهيداً لتصديره إلى الخارج، ويباع بلحاً أو رطباً أو يدخل في صناعة العجوة.
اقرأ أيضاً: نفايات غزة تتحول إلى "إسمنت"
يعمل لدى أبو جميزة 20 عاملاً. يلفت إلى أنهم قد يعملون بصورة يومية أو لثلاثة أيام في الأسبوع. وفي بعض الأحيان، قد يضطر إلى تشغيل مائة عامل أو أكثر لتأمين حاجة القطاع، والتي تختلف من فترة إلى أخرى. وقد بدأ في بيع البلح المجفف في الأسواق، لافتاً إلى أنه عادة ما تشتريه المحال التجارية والشركات.
ولا يستخدم أبو جميزة هذا الفرن لصناعة الرطب والعجوة والدبس والمربى فحسب، بل يذوب من خلاله نوى النخيل ويعيد تدويره، ويصنع القهوة من مخلفات النخيل. يستخرج النوى بعد نزع قشرتها، ثم يعمل على تحميصها وطحنها من خلال مطحنة صممها لهذا الغرض، وإضافة نسبة 20 في المائة من البن وبعض البهارات، فتصبح قهوة صالحة للشرب، وفيها فوائد كثيرة، بحسب ما يقول.
أيضاً، يستخدمُ نوى البلح كعلف للمواشي، وذلك من خلال طحنه، وخصوصاً بعدما أثبتت فحوصات أجريت في مختبرات وزارة الزراعة والجامعة الإسلامية، أنها تحتوي على نسب معينة من البروتينات التي تحتاجها المواشي، علماً أن هناك صعوبة في وصول الأعلاف من الأراضي المحتلة. أيضاً، يستخدم المطحنة التي صممها لتقطيع الجريد والفسائل، وتنعيمها وإزالة الشوك منها، لتكون جاهزة لتقدم إلى المواشي. ويلفت إلى أن مخلفات النخيل الخضراء غنية بالعناصر الغذائية الضرورية اللازمة لطعام الحيوان بالمقارنة مع الأعلاف المجففة الموجودة في السوق.
ويلفت إلى أن وزارة الزراعة ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "فاو" وجمعيات عدة قد أبدت إعجابها بالفرن الحراري. وأعربت وزارة الزراعة عن استعدادها لوقف الاستيراد من الخارج، على أن يتمكن من توفير الكمية المطلوبة واللازمة لإشباع القطاع. وينوي الاستعانة بعدد أكبر من العمال لزيادة إنتاجه، هو الذي يرى أنه لا ضرورة للاستيراد من الخارج. كذلك، فإن التقدير الذي يسمعه بين الحين والآخر يشجعه على الاستمرار وزيادة الإنتاج.
تجدر الإشارة إلى أن عدد أشجار النخيل المزروعة في القطاع يقدر بـ 250 ألف نخلة، منها مائة ألف في الوسطى، و85 ألفاً في خان يونس، و28 ألفاً في رفح، و20 ألفاً في منطقة الشمال، و17 ألفاً في غزة. ويبدأ موسم قطف البلح الذي تشتهر به العديد من المناطق الزراعية في محافظات القطاع، في أواخر شهر سبتمبر/أيلول من كل عام.
اقرأ أيضاً: جفت زيتون غزة يكسر الحصار