كان حسام يحلم بالزواج من امرأة تصغره بخمس سنوات، وانجاب طفلة يسميها على اسم والدته المتوفاة، وبمنزل صغير. ما زال المستقبل أمامه، أو هذا ما كان يظنه. تغيّر كل شيء لدى معرفته أنه مصاب بفيروس نقص المناعة المكتسبة (الإيدز). صباح أحد الأيام، أخبره صديقه أن جارته بحاجة ماسة إلى دم، فاتخذ قرار المساعدة. توجّه إلى أحد المستشفيات في العاصمة اللبنانية بيروت للتبرع بالدم، وقد شعر بالارتياح لقيامه بهذا الواجب الإنساني.
بعد قليل رن هاتفه الخليوي، وطلبت منه إحدى العاملات في المستشفى الحضور فوراً. أربكه الأمر، إلا أنه توجّه إليها سريعاً، لتخبره أنه مصاب بالإيدز. في تلك اللحظة، شعر أنه سيصير وحشاً يخافه الناس ويتجنبون الاقتراب منه. هذا كل ما كان يعرفه عن المرض. عاد إلى المنزل وعزل نفسه في غرفته. يقول لـ"العربي الجديد"، إن الفحوصات المخبرية أكدت "إصابتي بالفيروس منذ ثلاث سنوات، وأن المرض انتشر بنسبة 50% في جسمي. شعرت بالإحراج لدى تذكري أنني أقمت علاقة مع إحدى الفتيات"، وخصوصاً أنه ينتمي إلى عائلة محافظة ومتديّنة. يتابع: "أخبرت زميلي في العمل في أحد المطاعم الذي أتولّى فيه إيصال الطلبات إلى المنازل. في اليوم التالي، فاجأني مدير المطعم بطلبه مني الخضوع لفحوصات مخبرية، فعرفت أن صديقي أفشى السر".
يضيف حسام أنه استقال بعدما هدّده صاحب العمل بإبلاغ أهله. يقول: "عشتُ أياماً صعبة للغاية. أحببت العزلة وكرهت نفسي، وندمت لأنني قررت اختبار العلاقات الجنسية على غرار أصدقائي. بات الانتحار خياري الوحيد للهرب من شفقة المجتمع. ولأنني كنت بحاجة إلى دعم والدي، أخبرته بالأمر. كان قاسياً في البداية وخاف على صورته أمام أقاربه ومعارفه. لكنه عاد واحتضنني بعدما شعر بالخوف من فقدان ابنه الوحيد. أخذني إلى الطبيب لأبدأ العلاج بسرية تامة".
يقول حسام إنه لم يلجأ إلى طبيب نفسي أثناء العلاج، لافتاً إلى أن "والدي هو سندي الوحيد في هذه الحياة. لم يخذلني، بل وقف إلى جانبي ومدّني بطاقة إيجابية لمواجهة الآلام النفسية والجسدية". في بعض الأحيان، كان يلوم نفسه، قائلاً: "كان يجب أن أحذّرك من مخاطر العلاقات الجنسية وكيفية الوقاية من الأمراض. طلب مني السماح. حتى أنه صار يقرأ كثيراً عن المرض وطمأنني أنني لن أموت ما دمت أتلقى العلاج الصحيح، وأن وزارة الصحة تتكفّل بتغطية تكاليف العلاج". ويرى حسام أن "المجتمعات العربية بحاجة إلى توعية حول هذا الفيروس. فنحن لسن وحوشاً وملامستنا لن تؤدي إلى وفاتهم". يضيف: "حين يحضنني والدي أشعر أنني بأمان. لكن عند خروجي إلى الشارع، ينتابني الخوف".
اقرأ أيضاً: كوبا تقضي على انتقال الإيدز من الأم لمولودها
بدوره، يقول الطبيب عبدالرحمن البزري، لـ"العربي الجديد"، إن "الإيدز هو فيروس يهاجم خلايا جهاز المناعة المسؤول عن الدفاع عن الجسم ضد أنواع العدوى المختلفة، وبالتالي يفقد الإنسان قدرته على مقاومة الجراثيم المعدية وأمراض السرطان". ويشرح أن المرض يمر بفترة حضانة، وهي المدة الفاصلة بين حدوث العدوى وظهور الأعراض المؤكدة للمرض، علماً أنه لا يمكن تحديد هذه المدة التي تراوح ما بين ستة أشهر وسنوات. إلا أن معدلها لدى الأطفال هو سنة، وخمس سنوات لدى البالغين. وتنتقل العدوى إما بالاتصال الجنسي بشخص مصاب، أو من خلال نقل الدم، وهي الطريقة التي اكتشف حسام مرضه من خلالها، أو من خلال زراعة الأعضاء من متبرّع مصاب، أو استخدام أدوات ملوثة، أو من خلال الأم إلى الجنين أثناء الحمل، أو إلى مولودها أثناء الرضاعة.
وعن العلاج، يؤكد البزري أنه لا يوجد حتى الآن علاج يؤدي إلى الشفاء من الفيروس نهائياً. لذلك يبقى في الجسم مدى الحياة. يضيف أنه لدى لبنان إمكانيات كبيرة في هذا المجال، بدعم مباشر من وزارة الصحة العامة من خلال البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز، بالتعاون مع المؤسسات الدولية والشراكة مع المجتمع المدني والجسم الطبي. ويلفت إلى أن العلاج متوفر ومؤمّن لجميع المصابين بالفيروس بشكل مجاني، موضحاً أنه "يمكن للمصابين بالفيروس أن يعيشوا حياة عادية شرط الالتزام بالعلاج بشكل دائم ومنتظم".
من جهته، يشير مدير البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز، مصطفى النقيب، إلى أن علاج الإيدز في لبنان أظهر فاعلية، وخصوصاً لناحية إعادة تقوية جهاز المناعة لدى المرضى، ما جعلهم يتمتعون بصحة جيدة ويقاومون أمراضاً أخرى. يضيف أن تغطية وزارة الصحة شملت مرضى الإيدز اللبنانيين الذين يستفيدون من خدمات الوزارة، بالإضافة إلى اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في لبنان، بالإضافة إلى اللاجئين من جنسيات أخرى، وخصوصاً السوريين، بالاتفاق مع المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة.
وتجدر الإشارة إلى أن إحصائيات عام 2014 أظهرت أن عدد الإصابات الجديدة بالفيروس المسجلة حتى نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2014 بلغ 109 حالات، أضيفت إلى 1780 مريضاً.
اقرأ أيضاً: الأمم المتحدة: يمكن القضاء على الإيدز بحلول 2030