مركب ثمل في خليج إزمير

07 مايو 2015
رسم لمرفأ إزمير (1883)
+ الخط -

يخبرنا بعضُ أصحابنا المستأجرين في حيِّ كاديفه كالي، المبنيّ كيفما اتّفق أسفلَ قلعة إزمير، شمالاً، بأن القلعة مراقبةٌ بكاميراتٍ مدسوسة داخلَ فجوات الجدران، ولأجل منع شبّانٍ ممن يلوذون بالمكان تعاطياً ومتاجرةً بالمخدّرات؛ أُطلقَت كلابٌ مدرَّبةٌ على الكشف وتتبُّعِ روائح الممنوعات.

القلعةُ بناها الإسكندر المقدوني سنة 334 ق. م فوق جبل باغوس المطلِّ على مياه إيجه، وقد مرّ عليها الرومان لاحقاً. وفي العصور الوسطى، دُمِّرت على يد تيمور لنك. ويُقالُ بأنَّ هوميروس ولدَ في هذه المدينة.

تقطعُ طريقٌ متعرّجة، معبّدةٌ بالبازلت، أرضَ قلعة إزمير. تبدأ من بوّابة مخلوعة المصراعين؛ وتنتهي بمساحاتٍ منفرجةٍ على الجانبين، زائلةِ السور. صمدت أقواسٌ متفرّقةٌ هناك محمولة على أعمدة رومانيّة ثخينة. عندما رأينا سيّارات تعبرُ على الطريق التاريخي، دُهشنا قليلاً، وكانت غربانٌ سوداءُ رماديّة تجنحُ بالتدريج، مخليةً السبيل لعجلاتٍ تقتربُ مسرعة.

لم يبقَ من القلعة سوى خمسةِ أبراج في الجانب الغربي وبضعة أقواس، وقناطر بُنيَت في العهد البيزنطي، أمّا السورُ الذي أحاطَ بالقلعة وملحقاتها على امتداد ستةِ كيلومتر، فالمتبقي منه الآن عشراتُ أمتارٍ فقط، في جهة الجنوب. لربمّا كان المسرحُ الكبيرُ هنا قبلَ أن يُهدَّمَ، مدرّجاتُه الهللينية وسعت 16 ألفاً من المتفرّجين أوان إنجازها.

ثمة أسرٌ جاءت بطعام غدائها إلى أفياء أشجار الصنوبر، حيث تتوزّعُ طاولاتٌ مثبّتة. يتزاحم الأطفالُ على مجموعتَي ألعاب منصوبة، وبعضُهم يحاول إطلاق طائرات نايلون في الهواء، بعد أن ربطوها إلى أصابعهم بخيوطٍ طويلة، وقد طُبعَت فوقها شعاراتُ فرقِ الكرة التي يشجعونها.

في منتصف القلعة، داخلَ رقعةٍ مسيّجةٍ بأسلاكٍ ليّنة بها خروقٌ تسمحُ بالمرور، يتمدّدُ  كهولٌ، من لاعبي ورق الشدّة، تنحدرُ أصولهم غالباً من جنوب شرق تركيا. تظهرُ فجأةً جماعةٌ من أصولٍ شرق آسيويّة، أربعُ فتيات وشابّ. تتهادى الجماعةُ مرحةً نحو البوّابة مروراً بناسٍ منهمكين بالإعداد للخروج. يعدو الشابُّ بضعَ خطواتٍ خلفَ هرّةٍ داكنةٍ صادَفها، ثمّ يرجعُ ضاحكاً.

وإذا نظرنا غرباً رأينا سوراً معدنيّاً محكماً يلفُّ ما نعتقده أطلالَ قصرٍ، ورأينا قناطرَ رقيقة يُخشى أن يطأها أحدٌ، فتنهارَ من تحته، حيث يجلسُ رجلٌ على مقعدٍ لصقَ السور، مستكيناً، وإلى جواره غرابٌ رماديٌّ أسود.

جنوب الطريق، بالقرب من سوقٍ بسيطةٍ جدّاً؛ تجمّعت صخورٌ من بازلت عبارة عن حبلين يُمدّان متوازيين، ويعقدان إلى جذوع شجرٍ على جانبي أحد الممرّات، وعلى الحبال تعلّق السلعُ من سجّادٍ خفيف وإشاربات وحقائب صوف يدويّة، وتُعرضُ فوقَ مناضدَ صغيرة نقوشٌ مزيّفةٌ وقلائد. معظم الباعة هم من نساء كاديفه كالي. يضافُ إلى تلك السلع خبزُ التنّور الذي ينضجُ في تنانيرَ منتشرة بالحواشي. وقريباً من مدخل السوق، تربضُ كلابٌ توحي بالشراسة، فلا يُستأمنُ جانبُها.

ليلاً نتحدّرُ عبر البوّابة، فنشرفُ على بحر إيجه. مركبٌ يضيءُ مياه خليجِ إزمير، مسقطِ رأس سفيريس. "إنه احتفالٌ شخصي". يفكّر أحدُنا. أصابُعنا لا تني تقذفُ بحُبيباتٍ مالحةٍ لذيذة إلى أسناننا.

دلالات
المساهمون