مرض الليرة التركية السياسي

08 ديسمبر 2016
حملة تركية لاستبدال الدولار بالليرة(Getty)
+ الخط -


عطست السياسة التركية أيام الانقلاب الفاشل في تموز الفائت، فأصيبت الليرة التركية بالزكام، ولم تزل، رغم حالات التسكين والمعالجة، إن عبر تحريك أسعار الفائدة المتردد اتخاذها منذ نيف وعامين، أو الجرعات النفسية، التي لا يتوانى المسؤولون الأتراك، عن ضخها يومياً، في جسد الأسواق والمستثمرين وحتى صغار المدخرين.

لكن الواقع على ما يبدو، والسياسي منه خاصة، بعد غوص تركيا بحروب الجوار واتساع المواجهة مع "الأكراد" وتأفف أوروبا من إدخالها ضمن اتحادها، مشفوعاً بعوامل داخلية، يقودها مناهضو التحول للنظام الرئاسي، أوقع الليرة التركية بفخ التراجع لتخسر أكثر من 20% من قيمتها هذا العام، في واقع لا ينبئ بلجم جنوح الدولار والعملات الرئيسية.

بدأ المسؤولون الأتراك وفي خطوات يمكن وصفها بـ"الشعبية" أكدت جدواها خلال محاولة الانقلاب الفاشل، لمحاوطة تراجع سعر الصرف، فدعا رئيس الدولة، رجب طيب أردوغان، المواطنين لتبديل مدخراتهم الدولارية بالعملة التركية، لتكون بورصة إسطنبول، أول المستجيبين، فحوّلت جميع الودائع النقدية للعملة المحلية، قبل أن تتسع الدعوة والتلبية اليوم، لتطاول صندوق تأمين الودائع والادخار ورئاسة الشؤون الدينية، وتطاول حملة تبديل الدولار بالعملة التركية، الاتحادات المهنية وغرف التجارة التي أعلنت عن مكافأة عينية "سلع" لكل مواطن يأتي بقسيمة بنكية تؤكد أنه حول أكثر من 300 دولار أميركي لليرة التركية.

وأخذت بعض إجراءات الحكومة التركية، جوانب ردع للمضاربين بالداخل التركي، الذين وصفتهم "بالعملاء" للتيار الموازي، أو حتى التلويح بالتعامل بالليرة التركية، بمعاملاتها التجارية الخارجية، مع روسيا وإيران والصين، أو حتى الإعلان عن مناقصات المشروعات الاستثمارية، بالعملة المحلية.

قصارى القول: هل يمكن مواجهة مرض التضخم الذي بدأ يتفشى في جسد الليرة التركية، عبر حالات استنهاض الشارع والشعب التركي، كما حصل خلال الانقلاب الفاشل، على اعتبار أن العملة الوطنية، لها علاقة بالسيادة، وفي مصلحة الأتراك، بمختلف انتماءاتهم السياسية، الذين بدأوا يدفعون ثمن تراجع صرف عملتهم وارتفاع أسعار السلع، والمستوردة منها على وجه التحديد، أن يقفوا بوجه تهاوي الليرة أم أن محاولة القفز على الأسباب الاقتصادية، من تراجع الاستثمارات الأجنبية والسياحة هذا العام، بأكثر من 40% والسياسية، التي لها علاقة بتوجه تركيا نحو النظام الرئاسي، أو تلك المتعلقة بآثار دخول تركيا بحرب ضد "الأكراد" وفي المعارك المندلعة بسورية والعراق، يعتبر هروباً من توصيف الداء؟

نهاية القول: الأرجح أن يتم تحويط تهاوي سعر صرف الليرة التركية، عبر إجراءات تسكينيه، يقوم بها "الشعب" أو القطاعات الاقتصادية المحلية، لكن تلك الإجراءات لن تضمن استقراراً لسعر صرف الليرة التركية، أو عودتها إلى سابق عزها وقت لم يزد سعر صرف الدولار عن 1،75 ليرة عام 2012.

ببساطة، لأن الأسباب السياسية والاقتصادية ما زالت ماثلة، ولأن زيادة الرواتب، الأجور المنتظرة بعد نحو شهر، التي ستشمل 12 مليون متقاعد ونحو 3.5 ملايين موظف حكومي، ستؤدي لضخ كتل نقدية بالليرة التركية بالسوق، يمكن أن تأتي على جل المساعي التي تقوم بها الحكومة الآن.

لذا، يبدو أن الليرة التركية أصيبت بمرض السياسة واستهداف تركيا، سواء رداً على بطشها بالانقلابيين ومن دعمهم بأوروبا والولايات المتحدة وعلى مواقفها من الثورات ودول الربيع العربي، أو إعاقة لمشروعها المنتظر بحلول مائوية تأسيس الدولة عام 2023...

إلا إن رأينا تبدلاً سياسياً يعيد تركيا لمناخ استثماري مفضل ويعيد لليرتها الثقة، أو حدث انقلاب نقدي تركي، كإلغاء التعاملات بالدولار، ووقتها سنكون أمام تداعيات أخرى في بلد صناعي يستورد بالدولار، كل ما تتطلبه منشآته ولا توجد دول تحالفه الحرب على الدولار.



المساهمون