مرضى السرطان الفلسطينيون إلى الأردن

17 يوليو 2019
خطوة تسهم في الانعتاق من الاحتلال (محمد عابد/فرانس برس)
+ الخط -

استبدلت وزارة الصحة الفلسطينية، المستشفيات الإسرائيلية بالمستشفيات الأردنية، لتحويل مرضى السرطان إليها، وهو ما يضع المرضى أمام رحلة جديدة يرحب بها بعضهم ويعترض آخرون

لأبو أيمن، من نابلس، شمالي الضفة الغربية، في فلسطين المحتلة، وهو مريض بسرطان الدم، صولات وجولات في المستشفيات الحكومية الفلسطينية التي خضع فيها إلى علاجات متعددة، قبل أن يحصل منذ عامين على تحويلة للعلاج في إسرائيل. لكنّ القلق ينتابه منذ توقيع وزارة الصحة الفلسطينية اتفاقية علاج المرضى في الأردن في مطلع يوليو/ تموز الجاري. يقول أبو أيمن لـ"العربي الجديد": "لا شك في أنّهم هنا لا يقصّرون، لكنّ الخبرة والمعدات في مستشفيات الاحتلال تلعب دوراً في تحسن حالة المريض". وبالفعل شارف الرجل الخمسيني على الشفاء، حتى وقوع ما يصفها بالكارثة عليه.




في المستشفى الوطني الحكومي في مدينة نابلس خلال مراجعة له، يقول أبو أيمن لـ"العربي الجديد": "كغيري، توقف ذهابي إلى مستشفيات الاحتلال، وعدت لارتياد المستشفيات الفلسطينية، وأبلغوني بإمكانية سفري قريباً إلى الأردن، ولا أخفيك ينتابني شعور بالخوف لأنّني ذاهب إلى المجهول".

أما سائدة (33 عاماً) فتحمل شعوراً مخالفاً تماماً، إذ استبشرت خيراً عندما علمت بتوقيع الاتفاقية الطبية مع الأردن: "على الأقل يتكلمون العربية، وهم من لحمنا ودمنا" تقولها بمحكيتها والابتسامة على وجهها. تصف سائدة رحلتها العلاجية التي استمرت نحو 10 أشهر في مستشفيات إسرائيلية بأنّها "مؤلمة نفسياً". تشرح: "كنت أذهب مع أمي، ولا نعرف كيف نتعامل معهم، فكلّ شيء بالعبرية، بالإضافة إلى شعوري بأنّي غريبة". لكن في حال سافرت سائدة إلى العاصمة الأردنية عمّان ستعيش في بيت خالها: "هكذا خططت مع أمي في حال تمت التحويلة، كما أنّ خالي تحدث معي مطولاً قبل ليلتين عن تطور السياحة العلاجية عندهم، وأنّ مرضى من كلّ دول العالم يأتون إلى الأردن للعلاج".

بتوقيعها اتفاقاً مع مستشفى الأردن ومركز الحسين للسرطان في العاصمة الأردنية عمان، تكون وزارة الصحة الفلسطينية قد طبقت توصيات السلطة الفلسطينية بوقف تحويل المرضى لمستشفيات الداخل المحتل، وإيجاد بديل عربي عن ذلك. وهكذا تباينت ردود الأفعال على هذه الخطوة، ففي الوقت الذي ترى فيه وزارة الصحة الفلسطينية تصحيحاً لوضع كان مختلاً لسنوات طويلة، واستنزف مئات ملايين الدولارات من خزينة السلطة الفلسطينية، يعبّر مرضى عن مخاوفهم من عقبات قد تعترض طريق علاجهم ومشاكل فنية قد تسبب لهم ولمرافقيهم صعوبات هم في غنى عنها.

وكانت وزارة الصحة الفلسطينية قد أوقفت في مارس/ آذار 2019، التحويلات الطبية إلى المستشفيات الإسرائيلية، رداً على قرار الاحتلال اقتطاع جزء من أموال الضرائب (المقاصة) الفلسطينية، إذ صرح الناطق باسم وزارة الصحة الفلسطينية، أسامة النجار، حينها، أنّ فاتورة التحويلات الطبية إلى المستشفيات الإسرائيلية، تقدر قيمتها بـ100 مليون دولار أميركي سنوياً.
في الثامن من يوليو/ تموز الجاري، وقعت وزيرة الصحة الفلسطينية مي الكيلة، في عمّان اتفاقية شراء خدمة مع مركز الحسين للسرطان، وذلك لتحويل مرضى السرطان الذين لا يتوفر لهم علاج في المستشفيات الفلسطينية، إلى المركز. وأوضحت الكيلة، أنّ الاتفاقية تنص على أن يقدم المركز خدمات تشخيصية وعلاجية في ما يتعلق بالفحص السريري والمخبري والشعاعي وعيادات الاختصاص الجراحية والأدوية والمستلزمات والمستهلكات الطبية وغيرها من احتياجات المعالجة لأمراض السرطان.

في هذا الإطار، يثمّن رئيس اتحاد المستشفيات الخاصة والأهلية الفلسطينية، ياسر أبو صفية، في حديثه إلى "العربي الجديد"، هذه الخطوة، مشدداً على أنّها تسهم في الانعتاق من الاحتلال. ويوضح أبو صفية أنّ كلفة العلاج في مستشفيات إسرائيلية كانت باهظة جداً، وتفوق أيّ دولة مجاورة، كما أنّ إسرائيل تخصم مستحقاتها من أموال المقاصة من دون حسيب أو رقيب، بالإضافة إلى غياب المحاسبة والرقابة الداخلية الفلسطينية على الفواتير التي تفرضها إدارة المستشفيات الإسرائيلية.

من المعروف أنّ علاج مرض السرطان باهظ الكلفة ويشكل عبئاً كبيراً، في وقت تزداد فيه أعداد المرضى الفلسطينيين، إذ يوضح أبو صفية أنّه لذلك كان لا بدّ من بديل بعد قرار وقف التحويلات لإسرائيل: "لا شك في أنّ الأردن خيار جيد، فالتطور العلاجي هناك مشهود له، حتى على صعيد العلاقات الاجتماعية، فهناك علاقات نسب ومصاهرة ممتدة بين الشعبين الفلسطيني والأردني، وبالتالي لن يشعر المريض أو مرافقه بالغربة، كما أنّ تكاليف المعيشة - في حال تطلّب العلاج مدة زمنية أطول- أقلّ بكثير من إسرائيل".




أبو صفية يشغل أيضاً منصب عضوية مجلس إدارة المستشفى الاستشاري في مدينة رام الله، حيث افتتح الرئيس محمود عباس قبل ثلاثة أشهر قسماً خاصاً لعلاج أمراض الدم والسرطان، لكنّ وزارة الصحة لم توافق، حتى اللحظة، على اعتماده بديلاً للتحويلات المرضية. وعن ذلك يقول: "وفرنا كلّ ما طلبته وزارة الصحة منذ أشهر، ولدينا الجهوزية التامة على صعيد الكادر الطبي والمعدات، لكنّنا نجهل أسباب عدم موافقة الوزارة على اعتمادنا للتحويلات الطبية لمرضى السرطان، خصوصاً نخاع العظم". وبحسب المعلومات التي حصلت عليها "العربي الجديد" من مصادر مطلعة، فالتحويلات لأمراض السرطان يذهب نحو 65 في المائة منها إلى مستشفى النجاح الجامعي في نابلس ومستشفى المُطلع في القدس المحتلة. وفي حال جرت الموافقة على اعتماد المستشفى الاستشاري ستزيد هذه النسبة، بدلاً من إرسال المريض إلى الأردن.
المساهمون