مرصد العدالة الاجتماعية: إقصاء الكفاءات الشابة بالمحسوبية والرشوة

02 مارس 2015
المحسوبيات تدفع الشباب الى الهجرة (إيسوف سانوغو/فرانس برس)
+ الخط -
تفشت ظاهرة التعيين فى الوظائف بواسطة القرابة، خلال العقود الماضية في موريتانيا. وأصبحت هذه الطريقة السبيل الوحيد في ‏الحصول على عمل في المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية. لا بل أصبحت سياسة التوظيف في الحكومات الموريتانية المتعاقبة، تقوم على ‏منح المؤسسات ذات القيمة الاقتصادية الكبرى لبعض النافذين اجتماعياً وقبلياً، على أن يستخدمها هؤلاء كوسيلة لتعزيز مكانتهم الاجتماعية.

الزبائنية والقرابة مفتاح الوظيفة
ورغم محاولات الحكومة الموريتانية الحالية التغلب على هذه السياسة التوظيفية، وذلك عبر منع التوظيف من غير ‏طريق المسابقات الرسمية (الاكتتاب). فإن محدودية الوظائف التي يعلن عن دخولها عبر الاكتتاب، جعلت سياسة ‏التوظيف من خلال الزبائنية والقرابة تتواصل وتستمر، وإن كان بشكل أقل مما كان موجوداً خلال العقود الماضية.
ودأبت وزارة التشغيل على تنظيم معرض سنوي للتشغيل. وكانت نسخته لهذه العام، تحت شعار "تشجيع التشغيل"، وذلك من خلال تعبئة المؤسسات والشركات والفاعلين ‏الاقتصاديين، وحملهم على خلق فرص عمل للشباب، "ليس بهدف الكسب وحسابات الربح والخسارة، ‏وإنما لخدمة البعد الإنساني للتشغيل"، وذلك حسب تصريحات لوزير التشغيل والتكوين المهني مختار ملل. ولدى ‏افتتاحه المعرض أوضح ملل قائلاً: "إن التشغيل يعتبر حقا إنسانياً أساسياً، كونه الوسيلة التي تمكن ‏الفرد من تأمين احتياجاته، وخلق مكانة لنفسه كعنصر فاعل في المجتمع"‏‎.‎
كما نشطت الوكالة الوطنية لترقية وتشغيل الشباب، خلال الأعوام الأخيرة، وذلك في محاولة للتصدي للبطالة. وقدمت ‏الوكالة بعض القروض الصغيرة لبعض حملة الشهادات، إضافة إلى تمويل مشاريع زراعية لبعض حملة الشهادات ‏والعاطلين. كما نظمت وزارة الوظيفة العمومية مسابقتين، خلال الأعوام الخمسة الماضية، وذلك لاختيار نحو ألف موظف في مختلف التخصصات.

قلة عروض التوظيف
وأكّد خريج إحدى الدفعات الجامعية محمد يعقوب، لـ"العربي الجديد"، أن هذا العدد الضئيل من المكتتبين، ‏هو أمر كاف لنعرف حجم البطالة فى موريتانيا. وتساءل يعقوب عما يعني توظيف ألف شخص فقط، من عشرات الآلاف من العاطلين من ‏العمل. ومع ذلك، أضاف يعقوب أنه حتى هؤلاء الذين تم اكتتابهم، مجبرون في أن يمروا في طريق إجباري مدته ثلاث سنوات كي يتم تثبيتهم، "وهذا يعني مرحلة جامعية جديدة، إنه حقاً أمر فظيع"، قال يعقوب.
وقد دفع غياب العدالة الاجتماعية، بخاصة في مجال التوظيف والحصول على العمل، قطاعات واسعة من الشباب ‏الموريتاني إلى تنظيم فعاليات ومظاهرات شعبية. وتم تنظيم هذه الاحتجاجات على شكل مبادرات فردية، أو بتخطيط من تشكيلات نقابية، وذلك بغية الضغط على الحكومة ‏للحصول على وظائف. ‏
وقد شهدت الأيام الماضية عودة تجمعات شبابية للعاطلين من العمل، إلى الشارع للمطالبة بانتشالهم من أزمة ‏البطالة. وأكد حملة الشهادات العاطلون من العمل، أنهم يعانون من التهميش والإقصاء ‏واللامبالاة من الجهات الحكومية.‏ وجرت الاحتجاجات أمام مقر الوكالة الوطنية لترقية وتشغيل الشباب، وذلك بعد أيام قليلة من تنظيم "صالون الشغل"، الذي يهدف كما ‏تقول وزارة التشغيل إلى الربط بين المشغلين وبين الباحثين عن العمل.

تحركات احتجاجية
وقال رئيس التجمع العام لحملة الشهادات العاطلين من العمل، عال ولد اندل، لـ"العربي الجديد": "لقد نظموا وقفات احتجاجية أمام بعض مؤسسات الدولة، وذلك للفت الأنظار إلى حالة البطالة المزرية التي يعيشونها". وأضاف ولد اندل: "إن الحكومة تغالط وتكذب حين تقول إن نسبة البطالة 10% فقط، لأن الصحيح أنها أكثر من 30%".‏
وقال الباحث الاجتماعي أحمد سالم زياد لـ"العربي الجديد": "شهدت الوظائف الحكومية في أغلب القطاعات تحسنًا ملحوظا في السنوات العشر الماضية، وذلك من ناحية الكيف، كتحسن الرواتب وأوضاع العمال، نسبياً، مقارنة بالحالة المزرية التي كانت في الحقبة الأخيرة من حكم الرئيس ‏معاوية، وليس مقارنة مع المفترض وحالة تضخم البطالة".
وتابع "طالب الكثير من الشباب بالتوظيف، إلا أن الوظائف من جهة الكم، لم تكن لتلبي حاجة الشباب العاطلين أو أشباه العاطلين. فكان آلاف الشباب ‏من مختلف التخصصات، يتقاطرون على مسابقات تجرى من أجل وظائف بسيطة ومحدودة العدد. فقد سمعنا عن ‏أربع وظائف تسابق من أجلها مئات العاطلين وأشباه العاطلين"‏.
وأضاف زياد: ‏‏"‎في بلد الشفافية فيه هشة، لا بد أن تتدخل الوساطة والمحسوبية، بل والرشوة‎ .‎ثم أن القطاع الخاص لم يسهم ‏ جدياً في امتصاص البطالة، بقدر ما كانت وقفة يلتقط عندها الخريج الجامعي أنفاسه، بحيث يستغل القطاع الخاص حاجته إلى وظيفة براتب زهيد، إلى ‏أن يوفق في الحصول على وظيفة أفضل. حتى إن شركات المعادن الأجنبية والتي تعاقدت في البداية مع آلاف ‏الشباب، تخلصت من الكثير منهم، وتنصلت من التزاماتها بعد أن تشربت قواعد اللعبة في السوق".‏
ورأى زياد أن "هناك مزايدات من الحكومة والنظام. فقد انتشرت معلومة عن أن نسبة البطالة في الشباب، لا تتجاوز 10%، وبكل ‏المقاييس، هذه المعلومة فجة، يكذّبها تزاحم الشباب من حملة الدكتوراة على وظائف بسيطة وزهيدة الرواتب، فضلا ‏عن نزيف هجرة الأدمغة والطاقات الشابة المستمر نحو الخارج".
وتابع:‎ "البطالة، حسب تصنيفي الخاص، إما بطالة ‏مدقعة، وهي كثيرة، أو شبه بطالة، وهي أكثر، حيث يرزح تحت نيرها آلاف الشباب من حملة الشهادات العلمية، الذين ‏ترغمهم الظروف على العمل في وظائف لا تتناسب مع الجهد والمال والوقت، الذي بذل من أجل الحصول على ‏تلك الشهادات"‏.
‏ وقال الباحث الاقتصادي خالد ولد محمد لـ"العربي الجديد"، إن هناك نوعين من التوظيف، توظيف يتم عن طريق مسابقة مفتوحة أمام الجميع، وتوظيف يتم عن طريق التعيين ‏مباشرة. وأشار خالد إلى أن النوع الثاني من التوظيف يعتمد بالدرجة الأولى على المحاباة الشخصية والمحسوبية. أما في ‏النوع الأول، فرغم أن المسابقات ترمي إلى اختيار الأكثر كفاءة، فإن هناك حالات عديدة لا يتم فيها الأمر على ذلك ‏النحو، حيث يتم حرمان شخص يمتلك الكفاءة لمصلحة شخص آخر لديه وساطة. وأضاف ولد محمد أنه بالرغم من ذلك فإن المسابقات تظل هي الطريق الوحيد للأشخاص الذين لا يمتلكون وسائط ‏للحصول على وظيفة.
المساهمون