13 نوفمبر 2024
مرشح ألمانيا في الإليزيه
لا أحد يبدو أشد سعادةً وأكثر احتفاءً بفوز إيمانويل ماكرون برئاسة فرنسا (بعد ماكرون نفسه طبعاً) إلا المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي استقبلت سيد الإليزيه الجديد في برلين في اليوم التالي لتنصيبه رئيساً. لا يرتبط مقدار الاهتمام الألماني فقط بتأثر حظوظ المستشارة التي تستعد لخوض انتخابات عامة حاسمة هذا العام في مواجهة قوى يمينية تزداد قوة، بنتائج الانتخابات الفرنسية، بل يتجاوز ذلك إلى مستقبل القارة الأوروبية، واشتداد التنافس الروسي-الألماني على حكم فرنسا، فماكرون كان، وبكل وضوح، مرشح ألمانيا في هذه الانتخابات، مثلما كانت مارين لوبان مرشحة روسيا، حيث محضها الكرملين كل دعمه، بما في ذلك "قرصنة" رسائل بريد إلكتروني لحملة ماكرون، بغرض التأثير في نتائج الانتخابات، كما حصل في الولايات المتحدة قبل بضعة أشهر.
واقع الحال أن ماكرون ولوبان لا يمثلان مشروعين مختلفين في رؤيتهما دور فرنسا الدولي وسياساتها الداخلية والخارجية وحسب، بل يمثلان أيضاً صراعاً بين مشروعين، روسي وألماني، لتحديد مصير أوروبا، من البوابة الفرنسية.
ومع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وحسم خيارها باتجاه الأطلنطي، ومع قلة اكتراث الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بمستقبل المشروع الأوروبي، عادت اللعبة القديمة في أوروبا سيرتها الأولى، لتنحصر بين الثنائي الروسي-الألماني، روسيا باعتبارها أكبر قوةٍ عسكرية في أوروبا ومصدر طاقتها الرئيس، وألمانيا باعتبارها أكبر قوة اقتصادية أوروبية ورائدة التكنولوجيا والصناعة فيها.
ترى روسيا في الاتحاد الأوروبي، كما حلف شمال الأطلسي (الناتو)، تهديداً استراتيجياً لأمنها ونموذجها الأوتوقراطي المتلبرل. لذلك، هي تسعى إلى تفكيكه، مستغلةً مخاوف مجتمعاته وتعارض مصالح دوله، والاحتفاظ، فوق ذلك، بهيمنتها المطلقة على سوق الطاقة فيه، لإبقائه تحت رحمتها وإخضاعه كلياً لإرادتها، وذلك بديلاً عن سيطرتها العسكرية والسياسية التي كانت سائدة في شرق القارة الأوروبية أيام الاتحاد السوفييتي. لذلك تجدها تدعم قوى اليمين القومي في أوروبا التي ترفض فكرة المشروع الأوروبي الفوق- قومي (Supra-national Union) وتحمل مؤسسات الاتحاد الأوروبي مسؤولية المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجهها دوله ومجتمعاته. وكانت روسيا تأمل في وصول زعيمة اليمين المتطرّف، مارين لوبان، إلى الحكم، وتنفيذ برنامجها القاضي بسحب فرنسا من الاتحاد الأوروبي، توجيه ضربة قاصمة للاتحاد، تجهز بها عليه، وهو لمّا يستوعب بعد صدمة انسحاب بريطانيا منه. عندها سينهار الاتحاد حتماً بخروج ثالث اقتصاد فيه (فرنسا) بعد خروج ثانيه (بريطانيا). لا بل إن صدمة خروج فرنسا سيكون لها أثر السكتة القلبية على الاتحاد، وسيكون انهياره أسرع، حتى من انهيار الاتحاد السوفييتي، ليس فقط لأن فرنسا عضو مؤسس فيه، بل لأن الاتحاد نفسه هو من بنات أفكارها، وظهر بغرض استيعاب طموحات ألمانيا بطرقٍ سلميةٍ وتجاريةٍ، بدل استمرار محاولاتها الهيمنة على القارة سياسياً وعسكرياً. لهذا السبب تحديداً، كانت ألمانيا مضطربةً إزاء احتمال فوز اليمين الفرنسي، لأن ذلك لم يكن يعني فقط عودة القارة الأوروبية ساحة صراع وتنافس، كما كانت خلال القرون الثلاثة الأخيرة، بل لأن انهيار الاتحاد الأوروبي كان سيمثل، فوق ذلك، ضربة قاصمة لألمانيا واقتصادها وموقعها في أوروبا والعالم. فالاتحاد الأوروبي الذي يبلغ عدد سكانه 500 مليون نسمة يمثل أكبر سوق للبضائع الألمانية. وتسيطر ألمانيا، من خلال مؤسسات الاتحاد الأوروبي في بروكسيل، على السياسات المالية والنقدية والاقتصادية في دول الاتحاد الأوروبي الـ 27. وقد بدت هذه السيطرة واضحةً خلال أزمة الديون اليونانية الأخيرة، حيث فرضت ألمانيا كل شروطها من خلال مؤسسات الاتحاد الأوروبي على اليونان، إلى درجة حدت ببعضهم إلى اتهامها بأنها تمارس سياسات هيمنةٍ اقتصادية، بديلاً لسياسات الهيمنة العسكرية التي حاولتها خلال الحرب العالمية الثانية.
خسرت روسيا هذه الجولة، وانتصرت ألمانيا بوصول مرشح شركات المال والأعمال الفرنسية المرتبطة بقوة بالاقتصاد الألماني. لكن هذا الانتصار أبعد عن أن يكون نهائياً، خصوصا أن لوبان حصدت ما يقرب من 35% من أصوات الفرنسيين، ما يعني احتمال فوزها في انتخابات 2022. حتى ذلك الوقت، سيستمر الصراع بين المشروعين، الألماني والروسي، الساعي إلى الانتقام من تفكيك الاتحاد السوفييتي.
واقع الحال أن ماكرون ولوبان لا يمثلان مشروعين مختلفين في رؤيتهما دور فرنسا الدولي وسياساتها الداخلية والخارجية وحسب، بل يمثلان أيضاً صراعاً بين مشروعين، روسي وألماني، لتحديد مصير أوروبا، من البوابة الفرنسية.
ومع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وحسم خيارها باتجاه الأطلنطي، ومع قلة اكتراث الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بمستقبل المشروع الأوروبي، عادت اللعبة القديمة في أوروبا سيرتها الأولى، لتنحصر بين الثنائي الروسي-الألماني، روسيا باعتبارها أكبر قوةٍ عسكرية في أوروبا ومصدر طاقتها الرئيس، وألمانيا باعتبارها أكبر قوة اقتصادية أوروبية ورائدة التكنولوجيا والصناعة فيها.
ترى روسيا في الاتحاد الأوروبي، كما حلف شمال الأطلسي (الناتو)، تهديداً استراتيجياً لأمنها ونموذجها الأوتوقراطي المتلبرل. لذلك، هي تسعى إلى تفكيكه، مستغلةً مخاوف مجتمعاته وتعارض مصالح دوله، والاحتفاظ، فوق ذلك، بهيمنتها المطلقة على سوق الطاقة فيه، لإبقائه تحت رحمتها وإخضاعه كلياً لإرادتها، وذلك بديلاً عن سيطرتها العسكرية والسياسية التي كانت سائدة في شرق القارة الأوروبية أيام الاتحاد السوفييتي. لذلك تجدها تدعم قوى اليمين القومي في أوروبا التي ترفض فكرة المشروع الأوروبي الفوق- قومي (Supra-national Union) وتحمل مؤسسات الاتحاد الأوروبي مسؤولية المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجهها دوله ومجتمعاته. وكانت روسيا تأمل في وصول زعيمة اليمين المتطرّف، مارين لوبان، إلى الحكم، وتنفيذ برنامجها القاضي بسحب فرنسا من الاتحاد الأوروبي، توجيه ضربة قاصمة للاتحاد، تجهز بها عليه، وهو لمّا يستوعب بعد صدمة انسحاب بريطانيا منه. عندها سينهار الاتحاد حتماً بخروج ثالث اقتصاد فيه (فرنسا) بعد خروج ثانيه (بريطانيا). لا بل إن صدمة خروج فرنسا سيكون لها أثر السكتة القلبية على الاتحاد، وسيكون انهياره أسرع، حتى من انهيار الاتحاد السوفييتي، ليس فقط لأن فرنسا عضو مؤسس فيه، بل لأن الاتحاد نفسه هو من بنات أفكارها، وظهر بغرض استيعاب طموحات ألمانيا بطرقٍ سلميةٍ وتجاريةٍ، بدل استمرار محاولاتها الهيمنة على القارة سياسياً وعسكرياً. لهذا السبب تحديداً، كانت ألمانيا مضطربةً إزاء احتمال فوز اليمين الفرنسي، لأن ذلك لم يكن يعني فقط عودة القارة الأوروبية ساحة صراع وتنافس، كما كانت خلال القرون الثلاثة الأخيرة، بل لأن انهيار الاتحاد الأوروبي كان سيمثل، فوق ذلك، ضربة قاصمة لألمانيا واقتصادها وموقعها في أوروبا والعالم. فالاتحاد الأوروبي الذي يبلغ عدد سكانه 500 مليون نسمة يمثل أكبر سوق للبضائع الألمانية. وتسيطر ألمانيا، من خلال مؤسسات الاتحاد الأوروبي في بروكسيل، على السياسات المالية والنقدية والاقتصادية في دول الاتحاد الأوروبي الـ 27. وقد بدت هذه السيطرة واضحةً خلال أزمة الديون اليونانية الأخيرة، حيث فرضت ألمانيا كل شروطها من خلال مؤسسات الاتحاد الأوروبي على اليونان، إلى درجة حدت ببعضهم إلى اتهامها بأنها تمارس سياسات هيمنةٍ اقتصادية، بديلاً لسياسات الهيمنة العسكرية التي حاولتها خلال الحرب العالمية الثانية.
خسرت روسيا هذه الجولة، وانتصرت ألمانيا بوصول مرشح شركات المال والأعمال الفرنسية المرتبطة بقوة بالاقتصاد الألماني. لكن هذا الانتصار أبعد عن أن يكون نهائياً، خصوصا أن لوبان حصدت ما يقرب من 35% من أصوات الفرنسيين، ما يعني احتمال فوزها في انتخابات 2022. حتى ذلك الوقت، سيستمر الصراع بين المشروعين، الألماني والروسي، الساعي إلى الانتقام من تفكيك الاتحاد السوفييتي.