أقلّ من شهرين يفصلان السعوديّين عن موعد التصويت في الانتخابات البلدية. مع ذلك، ما من شيء يوحي بأن هناك انتخابات حقيقية، على الرغم من أنها الوحيدة في البلاد. فقد تضاءل الاهتمام الشعبي بالانتخابات في دورتها الثالثة بشكل كبير، من دون أن تفلح محاولات وزارة الشؤون البلدية والقروية، التي عملت على الترويج للانتخابات. ولم يسجل في الدورة الجديدة إلا 553 ألف ناخب فقط، على الرغم من فتح باب التسجيل للنساء هذه المرة، ليبقى العدد أقل من الناخبين المسجلين في الدورة الأولى، وأكثر من المسجلين في الدورة الثانية.
وبلغ عدد الناخبين في الدورة الأولى 791411 ناخباً، فيما تجاوز عدد الناخبين في الدورة الثانية 405783 ناخباً. وبعد مرور ثلاث دورات انتخابية، لم يزد إجمالي عدد الناخبين الذين يحق لهم التصويت في يوم الاقتراع، في الثاني عشر من ديسمبر/كانون الأول المقبل، أكثر من 1750149 ناخباً وناخبة، يشكلون نحو 8.5 في المائة فقط من السعوديين.
في السياق، كشفت دراسة أعدّها أمير محمد العلوان، من معهد الإدارة العامة، أن 57 في المائة من السعوديين لا يعرفون شيئاً عن الانتخابات البلدية. وتلفت إلى أن 58.1 في المائة من العينة غير راضين عن الآلية التي اختير من خلالها أعضاء المجلس، فيما كان 64.4 في المائة منهم غير راضين عن آلية التواصل مع الأعضاء. ورأى 9.1 في المائة فقط أن المجلس البلدي نجح في تطوير العمل البلدي في مدينتهم.
في هذا السياق، يؤكد الناشط الحقوقي فهد الزيد أن هذه اللامبالاة ترتبط بعدم تحقيق أي فائدة مرجوة من المجالس البلدية، التي تمنح أعضاءها فقط وجاهة اجتماعية وراتباً إضافياً. لكن على أرض الواقع، لم تقدم ما يشجع المواطن على التصويت. ويقول لـ"العربي الجديد" إنه خلال الدورتين الماضيتين، لم نلمس أي عمل للمجالس البلدية. وطالما أن عدداً كبيراً من الأعضاء يعيّنون من قبل الوزارة، سيكون صوت المجلس ضعيفاً. أيضاً لا يملك المجلس أي صلاحيات حتى لو أراد التغيير، إذ إن دوره يبقى رقابياً وإرشادياً لا أكثر. ويلفت إلى أن الدور الرئيسي يبقى محصوراً في يد رئيس البلدية (يعيّن من قبل وزارة الشؤون البلدية والقروية)، والأمانة (يعيّن من إمارة المنطقة). لذلك، ما من شيء يدفع المواطن للتصويت على أمر يعرف أنه لن يكون له أي تأثير حقيقي على أرض الواقع.
من جهته، يؤكد الكاتب في جريدة "عكاظ" السعودية، عبداللطيف الضويحي، أن تجربة المجالس البلدية ما زالت محبطة، سواء للذين خاضوا التجربة كمرشحين أو ناخبين. يضيف: "هناك خيبة أمل كبيرة بين أوساط مجتمعية كانت تعوّل على المجالس لتجعل من الناس شركاء فعليين في القرارات البلدية التي بقيت حكراً على الجهاز البلدي من دون مشاركة من المستفيدين المباشرين". ويلفت إلى أن "المشكلة تكمن في أن سقف صلاحيات المجلس ما زال منخفضاً"، مضيفاً أنه "يجب أن يكون من ضمن صلاحيات المجلس التفكير خارج الصندوق، وليس تحت سقف معايير البلدية، علماً أننا نعرف التخبط الذي تعانيه وزارة الشؤون البلدية". ويرى أن نجاح التجربة يرتبط بفصلها عن وزارة الشؤون البلدية والقروية تماماً، متسائلاً: "كيف يؤدي الجهاز الرقابي دوره، علماً أنه يعتمد في ميزانيته ومرجعيّته على الوزارة التي يراقب أداءها؟".
صلاحيات أكبر
إلى ذلك، حاولت وزارة الشؤون البلدية والقروية، المسؤولة عن تنظيم هذه الانتخابات، تفعيل دور المجلس بشكل أكبر في دورته الثالثة، من خلال جعله شخصية اعتبارية ومنحه استقلالاً مالياً وإدارياً.
يقول الوزير عبداللطيف آل الشيخ، إن النظام الجديد سيضمن ألا يكون الأمين العام أو رئيس البلدية رئيساً أو نائباً لرئيس المجلس البلدي. كما تقرر زيادة عدد أعضاء المجالس البلدية، ورفع نسبة الأعضاء المنتخبين من النصف إلى الثلثين، وخفض سن الناخبين ليصبح ثمانية عشر عاماً. إلا أن هذه القرارات لم تؤد إلى تغيير حقيقي، وما زال دور المجلس رقابياً لا أكثر. كما أنه لا يحق للمجلس مراجعة المشاريع، أو محاسبة المقاولين، أو مراجعة الميزانيات، أو إصدار أي قرار لا يوافق عليه من أمانة المدينة.
اقرأ أيضاً: المرأة السعودية... لم يبق الا "القيادة"
في هذا السياق، يقول الناشط فهد الزيد: "نحتاج إلى مجلس بلدي يكون مشرفاً على المشاريع التي تنفذها البلديات، بالإضافة إلى كل ما يتعلق بمهام البلدية، على أن يكون من صلاحية الرئيس محاسبة المقصرين في أداء أدوارهم في خدمة السكان. هذا فقط ما سيشجع الناس على الخروج من منازلهم للتصويت".
مرشحون مجهولون
ومع مشاركة النساء كمرشحات وقادرات على التصويت في هذه الدورة، ظهرت معوقات جديدة. إذ بات ممنوعاً على المرشحين وضع صورهم في الإعلانات، كما لا يسمح لهم باستخدام تقنية الرسائل القصيرة أو مواقع الإنترنت للترويج لأنفسهم، كما لا يسمح للنساء بإقامة مجمعات انتخابية للرجال. وفي حال المخالفة، يعاقب المرشح بدفع غرامة مالية، على غرار استخدام المساجد والمرافق العامة والمنشآت الحكومية ودور العلم والجمعيات الخيرية وجمعيات النفع العام وغيرها من الإدارات والهيئات والأندية الرياضية والثقافية لأغراض الحملة الانتخابية للمرشح.
كذلك، منعت اللائحة استخدام وسائل الإعلام المرئي، سواء القنوات الحكومية أم الخاصة، في الحملات الإعلانية، واستخدام المقار الانتخابية لتنظيم الحفلات والأمسيات الثقافية والمسابقات، ما جعل المرشحين مجهولين. وقالت اللجنة العليا للانتخابات في بيان إنه "لا حاجة لاستخدام الصور الشخصية في الحملات الانتخابية للرجال والنساء، وتخصيص أقسام مستقلة في مقرات الحملات الانتخابية للرجال والنساء وفق الضوابط الشرعية وغيرها".
في السياق، يرى الناشط الاجتماعي وليد العيسى، أن هذه القيود، بالإضافة إلى ضعف الدور، جعل السعوديين غير مهتمين بالانتخابات المقبلة. ويتساءل في حديث لـ"العربي الجديد: "كيف أنتخب شخصاً لا أعرفه ولا أعرف مؤهلاته، ولا قيمة لبرنامجه الانتخابي لأنه لا يملك أي صلاحيات؟". يضيف أنه في دورات سابقة، "خدعنا كثير من المرشحين من خلال طرح برامج انتخابية مهمة. لكن بعدما فشلوا في تنفيذها، فوجئنا بأنهم من الأساس لا يملكون الصلاحية لتنفيذ أي من وعودهم، فالقرار يبقى في يد الأمين العام ورئيس البلدية". يتابع أنه "في ظل الممنوعات الكثيرة، يبدو أن الشعار الأنسب هو الصمت حكمة، خصوصاً أننا مطالبون باختيار أعضاء لا نعرف عنهم شيئاً".
اقرأ أيضاً: لأوّل مرّة.. المرأة السعودية ناخبة ومرشحة