على وقع المواجهات المسلحة بين قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر وبين مسلحين رفضوا المغادرة، يعاني أهالي مدينة مرزق، جنوبي ليبيا، من أوضاع إنسانية صعبة. ويؤكد عدد من شهود العيان أنّ المدينة التي تمكنت قوات حفتر من الدخول إليها، تعيش فوضى أمنية عارمة، تتوسطها عمليات تصفية واغتيالات، بحسب مصدر طبي من داخلها.
يشير المصدر، الذي طلب من "العربي الجديد" عدم التعريف بهويته بسبب الأوضاع الأمنية، إلى أنّ الجثث التي يجري نقلها من داخل الأحياء إلى مستشفى المدينة العام، عددها بالعشرات، مؤكداً أنّ وصولها لم يتوقف حتى نهاية الأسبوع الماضي. يتابع المصدر أنّ "بلاغاً وصل إلى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية العاملة في ليبيا، لطلب المساعدة العاجلة، من أجل وقف الانتهاكات بحق الأهالي"، لافتاً إلى أنّ مستشفى المدينة رفض دفن الجثث قبل أن تُعرض على طبيب شرعي، بالرغم من أنّ آثار الرصاص واضحة عليها، ما يدل على وقوع أصحابها ضحية تصفيات بالرصاص من قبل "مجهولين". في هذا الإطار، حصلت "العربي الجديد" على مقطع فيديو خاص، يظهر عشرات الجثث في المستشفى، رفقة تعليق صوتي من مصدر طبي، يؤكد أنّ هذه الجثث ذهبت ضحية عمليات تصفية، من تنفيذ قوات حفتر التي تسيطر على أحياء عديدة في المدينة.
من جهة أخرى، ما زالت موجة النزوح من المدينة مستمرة. وبالرغم من أنّ تعداد سكانها غير كبير أساساً، فإنّ المنظمة الدولية للهجرة، أكدت، في بيان لها، منتصف الأسبوع الماضي، أنّ نزوحاً كبيراً تشهده المنطقة، إذ وصل عدد العائلات النازحة حتى ذلك الحين، إلى نحو 200 عائلة نزحت باتجاه بلدة القطرون فقط، بالإضافة إلى عدد آخر نزح باتجاه بلدات أخرى. كذلك، أكدت المنظمة أنّ المواجهات المسلحة في مرزق ومحيطها أدت إلى ازدياد حركة النزوح، مشيرة إلى أنّ العائلات النازحة تقيم مع أقاربها أو مع أسر مضيفة، وأنّها في حاجة إلى مساعدات عاجلة تشمل الإمدادات الطبية والمواد الغذائية وغير الغذائية.
في هذا الإطار، يتجه عدد من المنظمات والجهات الدولية إلى بحث معاناة المنطقة جراء المعارك التي تشهدها، وكانت بعثة الاتحاد الأوروبي قد أعلنت أنّ سفيرها في ليبيا، آلن بوجيا، بحث مع أعضاء مجلس النواب، وعميد بلدية الجفرة (وسط ليبيا)، وناشطي منظمات المجتمع المدني في جنوب ليبيا "الظروف المعيشية الصعبة التي تعيشها المنطقة". وبحسب بيان الاتحاد، فإنّ اللقاء تناول الأوضاع الإنسانية واحتياجات السكان المحليين، بالإضافة إلى الاستجابة الضرورية للاحتياجات الإنسانية العاجلة.
ويشير شهود عيان من المدينة إلى أنّها تعاني فقراً شديداً في المؤن والمواد الأساسية، بسبب إقفال متاجرها، ونزوح عدد كبير من سكانها، كما أنّ المستشفى العام، وهو المركز الطبي الوحيد العامل في المنطقة، يعاني غياباً شبه كامل في كوادره الطبية، ونقصاً في الأدوية والمعدات. يقول أحد الشهود لـ"العربي الجديد" إنّ المستشفى يستقبل في الغالب جرحى ومصابي المواجهات، ما جعله يتحول إلى أشبه بالمستشفى الميداني لجنود في قلب المعارك. يضيف أنّ "من بقي من الأهالي، يعتاش من مخزون المؤن في بيته، المهدد بالنفاد تدريجياً"، مشيراً إلى أنّ أغلب الطرقات بات المرور فيها صعباً بسبب مضايقات المسلحين على حواجز التفتيش. يتابع: "يمكننا المرور إلى بلدات أخرى للتبضع، لكنّ الأمر بات صعباً الآن، ويتوجب تقديم المساعدات الإنسانية للأهالي"، مؤكداً وقوع حالات اغتيال وتصفية بحق المدنيين "في مشهد يرقى إلى مستوى جرائم الحرب". ويحذّر الشهود من وجود أسر عالقة داخل بيوتها، لا تستطيع الخروج منها، مخافة عمليات التصفية أو الاعتداء على النساء، مؤكدة أنّ المعلومات مغيبة تماماً بسبب ضعف الاتصالات.
تجدر الإشارة إلى أنّ عشرات من مقاطع الفيديو والصور التي نشرها ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أظهرت مشاهد لعمليات انتقامية يشنها مسلحون تابعون لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، في مدينة مرزق، بحق الأهالي. وكشفت معظم المقاطع عن عمليات حرق وهدم للبيوت، بينما أظهر بعضها نساء يصرخن، ويقول ناشطون إنّ المسلحين اعتدوا عليهن.