مرحلة مواجهة في لبنان بعنوان الفراغ

06 نوفمبر 2017
لم يعد الحريري إلى بيروت بعد (حسين بيضون)
+ الخط -

أعادت المغامرة السعودية في لبنان باستقالة الرئيس سعد الحريري من رئاسة الحكومة البلاد إلى مربع الفراغ الرسمي، مع توالي اصطفاف المُرشحين الطبيعيين لموقع رئيس الحكومة خلف السعودية برفضهم خلافة الحريري ورئاسة حكومة يُشارك فيها "حزب الله" في مرحلة التصعيد السعودي الإقليمي، التي تتزامن مع الخطوات المُتسارعة داخل الأسرة الحاكمة في المملكة. بدورهما حافظ رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، على مسافة من التطورات إلى ما بعد الخطاب الذي ألقاه الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله، أمس الأحد.

وشهد اليوم التالي لاستقالة الحريري سلسلة لقاءات استضاف فيها مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، القائم بالأعمال السعودي والوزير المُكلف وليد البخاري، ورئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي. وبرزت فحوى اللقاءات من التصريحات اللاحقة، التي أمّنت الغطاء السني المطلوب لخطوة الحريري، مع إعلان المفتي أن "استقالة الرئيس سعد الحريري من الحكومة شكّلت صدمة ولم تأت من فراغ، ونحن نؤيده وندعمه ونتفهم هذه الاستقالة وينبغي أن نعالجها بالروية والحوار". وهو ما يعني عملياً وضع الطائفة السنية في لبنان خلف المملكة في رفض تولي شخصية سياسية موقع رئاسة الحكومة بمُشاركة "حزب الله". وسبق كلمة نصر الله التي وضحّت موقف الحزب بشكل رسمي، تسريب الحزب موقفاً لنصر الله أطلقه أمام المئات من عناصر "سرايا المقاومة" التابعة للحزب، اعتبر فيه أن "ما حدث هو جنون سعودي، وسننتظر الأيام المُقبلة ليُبنى على الحدث مقتضاه".

وأضاف نصر الله في اللقاء الداخلي أنه "لا يرى حرباً قريبة (مع إسرائيل)، ولكن الحرب القادمة ستكون مصيرية وحاسمة". ورغم أن موقف نصر الله حمل استيعاباً لموقف الحريري ولخطوته، إلا أن نوعية الحضور الذي تحدث نصر الله أمامه، عُدّ رسالة داخلية، ذلك لأن "سرايا المقاومة" التي لم تُفوّت حدثاً أمنياً داخلياً إلا وشاركت فيه، وقاتل عناصرها في الداخل اللبناني، لا تزال جاهزة لتأدية الأدوار الأمنية المطلوبة منها لإجبار القوى السياسية على المضي في خيارات الحزب الداخلية، كما حدث عند تكليف الرئيس نجيب ميقاتي في عام 2011، وقبلها في أحداث السابع من مايو/أيار 2008.

وإن بقيت الملابس السوداء التي انتشر فيها عناصر الحزب للضغط باتجاه تكليف ميقاتي تشكيل الحكومة موجودة، فإن الحزب يفتقد إرادة الشخصيات السنية الجاهزة لملء الفراغ الذي أحدثته استقالة الحريري. واللافت في هذا المجال هو غياب وزير الداخلية نهاد المشنوق، عن السمع. وهو الذي يجمع بين صفة "الصقر" في "تيار المستقبل" وبين شبكة علاقات قوية مع الشخصيات الأمنية والسياسية في "حزب الله" وعلى رأسهم مسؤول "وحدة التنسيق والارتباط" في الحزب وفيق صفا. وكان المشنوق سبّاقاً في وصف الخطوات المتتالية التي اتخذها "حزب الله" وحلفاؤه لجهة التطبيع مع النظام السوري وتسليم ملف الحدود اللبنانية السورية إلى الحزب، بـ"التجاوزات الكبيرة للتسوية السياسية" وهو ما مهّد لاستقالة الحريري.



"القرار للحزب والتنفيذ لعون"
ولم يكن المشنوق الغائب الوحيد عن السمع، فقد انضمت العديد من القوى والشخصيات إلى قائمة الصامتين ومنهم رئيس الجمهورية ميشال عون. فقد ضربت استقالة الحريري صورة "العهد المثالي" الذي حاول عون تقديم نفسه كرئيس فيه، وتركته في موقع المُنفذ لقرار حزب الله.

وقد "اشترى" عون الوقت لنفسه من خلال الإعلان عن "انتظار عودة الرئيس الحريري إلى بيروت للاطلاع على ظروف الاستقالة ليُبنى على الشيء مقتضاه". كما برز موقف مُتناقض لرئيس "حزب القوات اللبنانية" سمير جعجع، اعتبر فيه أنه "لم يكن مُمكناً لشخص يحترم نفسه أن يستمر في الحكومة" بعد انتهاك حزب الله لبنود التسوية. وهو موقف صدر عن جعجع المُمثل في الحكومة بـ3 وزراء، وسبق له أن عبّر عن جُملة اعتراضات سياسية وتقنية على إدارة الحكومة للملفات، لكن من دون أن يُقدم على الاستقالة منها.

ومع اصطفاف القوى السنية خلف الحريري وتريّث رئيس الجمهورية في حسم ملف الحكومة، قد تتجه الأمور إلى فراغ طويل تقوم الحكومة الحالية بتسيير الأعمال فيه من دون إمكانية البت في أي ملف مُهم كالانتخابات النيابية التي كان إجراؤها غير محسوم حتى قبل اسقالة الحريري أو كملف استثمار النفط والغاز. وقد أثبتت تجربة الفراغ الرئاسي بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان عام 2014 أن "حزب الله" مستفيد من غياب قيادة رسمية في لبنان، ما سمح له بمواصلة تنفيذ السياسات الإيرانية في المنطقة في ظل حد أدنى من الاعتراض الداخلي على تلك الخطوات. ويبقى الخوف من حدث أمني داخلي أو خارجي وارداً في ضوء التصعيد الإقليمي والدولي الكبير ضد الحزب. ويحصر غياب قوة عسكرية مُقابلة للحزب في الداخل، خيارات التصعيد الداخلي بتنفيذ عمليات اغتيال قد تؤجج الوضع وتُمهّد لعمل خارجي ما، في الأغلب إسرائيلي.

كما توالى نفي القيادات الأمنية اللبنانية لخبر محاولة اغتيال رئيس الحكومة سعد الحريري، الذي أعلنته قناة "العربية" مباشرة بعد إعلان الحريري عن استقالته ظهر يوم السبت الماضي. وكانت قيادة الجيش اللبناني آخر من نفت في بيان رسمي متابعتها لأي محاولة اغتيال في لبنان، وذلك بعد تصريح المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم لإحدى الفضائيات، وقبله بيان المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي الذي نفى ما تناقلته وسائل إعلام عن احباط "شعبة المعلومات" فيها لمحاولة اغتيال الحريري المُفترضة.