مراكز التنسيق بين بغداد وأربيل: مخاوف تسبق انطلاق عملها

14 سبتمبر 2020
التركمان يرفضون بشدة عودة البشمركة (فرانس برس)
+ الخط -

بدفع أميركي من خلال مظلة التحالف الدولي، تتواصل مباحثات الجيش العراقي مع قوات البشمركة التابعة لحكومة إقليم كردستان العراق، بهدف إتمام مشروع تدشين مراكز عسكرية وأمنية تنسيقية في المناطق المتنازع على إدارتها بين بغداد وأربيل والتي تبلغ مساحتها أكثر من 28 ألف كيلومتر مربع. فعلى شريط يمتد على طول محافظات نينوى وكركوك وصلاح الدين وديالى، تسبّب عدم التفاهم الأمني بين الجانبين على الانتشار فيها في إيجاد بيئة مناسبة لوجود تنظيم "داعش"، مستغلاً قلة الانتشار الأمني وتضاريس المنطقة المعقدة. و"المناطق المتنازع عليها" هو المصطلح الذي برز بعد الغزو الأميركي للعراق (2003)، وتحوّل فيما بعد إلى مادة دستورية عرفت باسم المادة 140. وتعتبر أربيل أن المناطق التي تضم وجوداً كردياً يجب أن تخضع لإدارتها، في وقت ترفض بغداد ذلك كونها مناطق ذات خليط ديني وعرقي مختلف. وهو ما دفع إلى تضمين فقرة دستورية بإجراء استفتاء لسكان تلك المناطق، حول أي من الطرفين يرغبون في إدارتها، لكن الاستفتاء لم يتم لأسباب سياسية وأمنية، فاقمتها أيضاً اتهامات لأحزاب كردية بتنفيذ عمليات تغيير ديمغرافية في عدة مناطق، أبرزها كركوك، استعداداً لهذا الاستفتاء. الأمر الذي نفته أربيل، مؤكدة أن عمليات التغيير تلك موجودة منذ زمن نظام صدام حسين وهي ضد الأكراد، ما تسبب بعدم تنظيم الاستفتاء وانتهاء مدته الدستورية التي حددت بخمس سنوات.


مخاوف من عودة قوات البشمركة إلى المناطق التي خرجت منها في عام 2017

وفي أغسطس/ آب الماضي اتفقت وزارة الدفاع العراقية مع البشمركة على تأسيس 4 مراكز أمنية للتنسيق المشترك بين الطرفين في ديالى وصلاح الدين ونينوى وكركوك، لكن لغاية اليوم لم يعلن بشكل رسمي بدء عمل تلك المراكز‎. مع العلم أن المعلومات والمواقف السياسية متضاربة من هذا الاتفاق، الذي في حال تنفيذه سيكون أول عودة لقوات البشمركة إلى المناطق التي خرجت منها قبل أكثر من عامين ونصف العام بحملة عسكرية واسعة، رداً على قيام إقليم كردستان بتنظيم استفتاء شعبي للانفصال عن العراق، في نهاية سبتمبر/ أيلول 2017.

الأمين العام لوزارة البشمركة في حكومة إقليم كردستان، الفريق جبار الياور، تحدث لـ"العربي الجديد" حول الموضوع، معلناً أن الاتفاق على فتح المراكز موجود، لكن حتى الآن لم تباشر أعمالها بشكل رسمي. وأضاف: "الآن نعمل على تشكيل تلك المراكز، عبر اختيار الضباط والعناصر وآلية تلك المراكز، والعمل جارٍ ولم يتوقف، والحوارات بين بغداد وأربيل مستمرة للاتفاق على التفاصيل". وأبدى أمله في "أن يتم تفعيل المراكز قبل نهاية العام الحالي، فهناك لجنتان في وزارة البشمركة وقيادة العمليات المشتركة العراقية تعملان على حسم هذا الملف بشكل سريع". وشدّد على أن "هذا الملف ليست له علاقة بالقضايا السياسية والخلافات بين الكتل والأحزاب، فهذا العمل أمني عسكري صرف وليس له أي جوانب سياسية".

وحول هدف تلك المراكز، قال الياور إن "هدف ومهام مراكز التنسيق بين الجيش العراقي والبشمركة هو التخطيط لعمليات أمنية وعسكرية مشتركة في مناطق ديالى وكركوك ومخمور والموصل، ضد تنظيم داعش، وتعمل المراكز على تبادل المعلومات الاستخبارية وعلى تسليم المطلوبين بين الطرفين". وتابع أن "التحالف الدولي داعم لإنشاء مراكز التنسيق بين الجيش العراقي والبشمركة، وشارك في الاجتماعات التي جرت، وسيكون داعماً للعمليات العسكرية المشتركة بين الجيش والبشمركة، لكنه ليس عضواً في هذا المراكز".

في المقابل، أكّد مسؤولون عسكريون في بغداد، لـ"العربي الجديد"، أن المراكز ستكون بمثابة قيادة عمليات مشتركة للتنسيق لإخراج القوات وتنفيذ العمليات وقد يصار إلى وجود ثكنات ومواقع عسكرية مشتركة بين الطرفين تكون بإمرة الجيش العراقي كونه السلطة الاتحادية الأعلى في البلاد. ورأوا أن الحاجة لتلك المراكز باتت ضرورة لأن تنظيم "داعش" يستغل المناطق العازلة التي تفصل الجيش والبشمركة للتواجد فيها، مثل جبال قره جاغ ومخمور وزمار وحمرين وقرى خانقين وشمال كركوك. وقال أحدهم إن هناك طموحاً إلى أن تدشن المراكز عملها نهاية الشهر المقبل، لكن الأمر مرتبط بما يتحقق على الجانب السياسي من تفاهمات أيضاً.

في السياق ذاته، قال عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي كاطع الركابي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "هناك لجنة عليا برئاسة رئيس أركان الجيش عبد الأمير الشمري، وهي تعمل بشكل متواصل بهدف تشكيل مراكز التنسيق بين الجيش العراقي والبشمركة، بهدف سد أي ثغرة أمنية وعسكرية يحاول تنظيم داعش الإرهابي استغلالها للدخول إلى بعض المناطق". وأوضح أن "عمل مراكز التنسيق بين الجيش العراقي والبشمركة ليس مخصصاً ضد تنظيم داعش فقط، بل ضد كل القضايا التي تخل بالنظام".

وأضاف الركابي أنه "لا توجد أي مخاوف من عودة قوات البشمركة إلى المناطق التي كانت فيها عام 2017 بسبب عمل مراكز التنسيق، بل سيكون هناك حد فاصل لمنع عبور أي من قوات البشمركة، ولا تحرك عسكرياً إلا بعد موافقة هذه المراكز، التي ستكون برئاسة قيادات من الحكومة الاتحادية". ونفى في الوقت ذاته وجود تدخل أميركي في إنشاء تلك المراكز، بل إنها "جاءت باتفاق بغداد وأربيل، وليس للقوات الأميركية أي علاقة بهذه اللجان أو عملها المستقبلي". وأكد أنهم سيراقبون عمل مراكز التنسيق بين الجيش العراقي والبشمركة، "لمنع أي خروقات في عملها أو استغلال تلك المراكز، وفي حال لم يتم تطبيق المتفق عليه من مهام وأهداف تلك المراكز، سيكون لنا موقف وكلمة في البرلمان".


يخشى التركمان من التوترات الأمنية وارتفاع نسب الجرائم بعودة البشمركة

في المقابل، اعتبر القيادي في "الجبهة التركمانية" في كركوك، أبرز الواجهات السياسية لتركمان العراق، النائب فوزي أكرم ترزي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "هناك تخوفاً سياسياً وشعبياً من عمل مراكز التنسيق بين الجيش العراقي والبشمركة، خشية عودة البشمركة في المناطق التي كانت تسيطر عليها في سنة 2017، على الرغم من أن الحكومة الاتحادية أرسلت تطمينات بعدم حدوث أمر كهذا".

ولفت ترزي إلى أن "المناطق التي انسحبت منها قوات البشمركة في 2017 تشهد حالياً استقراراً أمنياً واجتماعياً، واختفت الكثير من جرائم الخطف والاغتيال، وعودة تلك القوات ستولّد الكثير من الأزمات السياسية والأمنية وغضباً شعبياً". وحذر من أن "الولايات المتحدة تعمل منذ فترة طويلة على إعادة قوات البشمركة إلى المناطق التي انسحبت منها، وربما مراكز التنسيق تكون إحدى خطط إعادة تلك القوات"، مضيفاً: "ستكون هناك رقابة سياسية وشعبية على عمل تلك المراكز، في حين باشرت عملها بشكل رسمي في المرحلة المقبلة، وستكون هناك مواقف حازمة وصارمة سياسية وشعبية لمنع أي تحرك عسكري لقوات البشمركة نحو المناطق التي انسحبت منها في 2017".

المساهمون