مراكز الترحيل البريطانيّة.. مكتظّة بالمهاجرين

18 مايو 2015
تتمتّع تلك المراكز بحراسة أمنية عالية المستوى (فرانس برس)
+ الخط -

يفقدون الثقة بأوطانهم أو يُهَدَّدون فيها، فيهجرونها ويتوجّهون إلى حيث "العالم أفضل"، أو هكذا يظنّون. لكن مع تزايد هؤلاء، راحت بلدان اللجوء تتشدّد في قوانينها، التي ترعى هذه الحالات. بريطانيا مثال.

تكتظ مراكز الترحيل البريطانية باللاجئين، الذين قصدوا البلاد طلباً للحماية وهرباً من الأوضاع المزرية، التي تعصف بأوطانهم، فأخيراً، تبدّلت قوانين اللجوء والهجرة في بريطانيا بشكل كبير، وأدخلت عليها تعديلات كثيرة بهدف تقليص تهافت الأجانب على البلاد ،التي باتت تعاني من مشكلة هجرة كبيرة.

وتتسابق الأحزاب السياسية الكبرى في البلاد للبتّ في القضيّة، ويعد كلّ واحد منها بتخفيض أعداد هؤلاء الأجانب وانتقاء النوعية التي تفيد البلد من بينهم، والابتعاد عن أولئك الذين يشكّلون عالة اجتماعية على الحكومة ويستغلّون نظام الرعاية الاجتماعية أسوأ استغلال ويتهرّبون من دفع الضرائب.

وهؤلاء المتحاذقون الذين لا يحترمون قوانين البلاد، قد يكونون أحد الأسباب التي دفعت بالحكومة البريطانية إلى اتخاذ إجراءات صارمة بحق اللاجئين الجدد، الذين قد يواجهون فعلاً مصير الموت في حال أعيدوا إلى أوطانهم.

وباتت بريطانيا تستخدم ما يسمى بمسار الاعتقال السريع أكثر من السابق، بهدف التخلّص بأسرع وقت ممكن من اللاجئين وتوفير التكاليف الباهظة التي تُصرف عليهم كنفقات محامين ومحاكم وقضاة ومراكز إيواء وغيرها. ويعتمد مسار الاعتقال السريع على اعتقال اللاجئ في مركز ترحيل اللاجئين، على أن يُبتّ في قضيته في خلال 14 يوماً أو أكثر وفق مدّة تقرّرها وزارة الداخلية أو المحكمة. وقد يُسمح للبعض منهم بالاستئناف، بينما يُحرم آخرون من ذلك الحق. بعدها، يرسلون على متن طائرة إلى بلدانهم الأصلية بعد تسليم وزارة الداخلية بأنّ قضاياهم غير مقنعة، أو بسبب عدم كفاية الأدلة، وذلك في حين قد يواجه اللاجئ مخاطر جسيمة في وطنه الأصلي.

تمنع تلك المراكز الصحافيين من دخولها وتتمتّع بحراسة أمنية عالية المستوى. ولضمان عدم التقاط أية صور من داخلها وتسريبها إلى الخارج، يزوّد اللاجئون بهواتف نقّالة من دون كاميرات ولا وسائل تواصل اجتماعي. وقد تمكنت "العربي الجديد" من التواصل هاتفياً مع عدد من هؤلاء، في محاولة للتعرّف على أوضاعهم وسبب هروبهم وأملهم بالحصول على الحماية تحت سقف حقوق الإنسان.

أبو حسن (25 عاماً) شاب مصريّ، دخل البلاد بطريقة غير شرعيّة. شارك في ثورة يناير، ولا يتجرأ على التصريح عن الجهة التي يخشاها في بلاده. يخبر أنّ "المعاملة في داخل المعتقل سيئة جداً، وبقائي ما يزيد عن أربعة شهور فيه يشعرني بالإحباط. لكن الأمل بالله كبير". يضيف أبو حسن أنّ "حياتي في خطر إن عدت إلى مصر"، ويطالب منظمات حقوق الإنسان بالالتفات إليهم لأنّ "ثمة لاجئين مظلومين لم يرتكبوا أية جريمة لكي يوضعوا في معتقلات. جلّ ما يريدونه هو العيش بسلام".

أبو إبراهيم (32 عاماً) مصريّ أيضاً، دخل بريطانيا عن طريق فرنسا وبقي في صندوق تبريد شاحنة نحو 11 ساعة. يقول إنه "حين خرجت منها، عجزت عن السير على قدمَيّ. أوشكت أن أموت". وكان قد هرب من مصر بعدما ارتكب جريمة قتل، "فأنا رأيت زوجتي تخونني مع رجل آخر. فقدت أعصابي وطعنته بالسكين".

يخبر أبو إبراهيم أنّه قصد بريطانيا لاجئاً في مايو/أيار 2013، لكنهم رفضوا طلب لجوئه. يضيف: "يستحيل أن أعود إلى مصر بعدما صدر قرار قضائي بحقي يقضي بسجني 15 عاماً. كذلك، حياتي في خطر. عائلة الرجل المتوفى قد تنتقم مني. لذا أفضّل الموت هنا على أن أعود إلى سجون مصر لأذلّ فيها وأموت".

ويصف أبو إبراهيم "الأوضاع في داخل المركز بالعنصرية، مع بعض الاستثناءات. كذلك، فإن العلاج غير متوفّر بشكل جيد. أعاني من التهاب في الحلق منذ أيام ولم أتمكن من رؤية طبيب لغاية اللحظة. أمّا الطعام، فلا تعليق عليه. هو كاف ومقبول". ويلفت إلى أنّ صحته ضعيفة نتيجة خضوعه لأربع عمليات جراحية في مصر، وبالتالي فإنّ وجوده في المعتقل يؤثّر سلباً عليه". إلى ذلك، يرى أنه يستحق الحماية، "خصوصاً وأنّني لم أقتل زوجتي إذ كانت حاملاً بابني".

اقرأ أيضاً: بريطانيا "تسجن" اللاجئين.. قبلَ الترحيل

من جهته يقرّ حسين (19 عاماً) وهو لبناني، بأنّه دخل البلد بطريقة غير شرعية، "وأنا أخشى العودة إلى لبنان لأن ثمة خطراً على حياتي لأسباب سياسية". وكان حسين قد وضع في مركز ترحيل اللاجئين في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وما زال هناك حتى اليوم. هو اعتقل في اليوم ذاته الذي قدّم فيه طلب لجوئه، ويصف الأوضاع في داخل المركز بأنها "أصعب من السجون. نحن نجهل متى نخرج، أو إلى أين نذهب، وما هي القرارات التي قد تُتخذ بشأننا". أما حالته النفسية "فمدمّرة. والدي يحمل الجنسية البريطانية لكنني لا أستطيع العيش معه".

يعلّق حسين على مسألة الدواء وصعوبة توفيره لهم، لافتاً إلى أنّهم "يعاملوننا كحيوانات في الداخل. بريطانيا لا تحترم حقوق الإنسان التي وقّعت عليها عام 1951". ويبقى لدى حسين "أمل في البقاء في بريطانيا. أنا لا أملك أوراقاً ثبوتية لإعادتي إلى بلادي".

من جهته، دخل حسن الشاب الجزائري العشريني بريطانيا عن طريق إسبانيا بطريقة غير شرعية في 30 مارس/آذار الماضي. يقول: "أخشى مواجهة مشكلات اجتماعية في بلدي قد تودي بحياتي لو عدت". وقد ألقي القبض عليه في مطار هيثرو، وحقّقوا معه في اليوم التالي بعدما أخذوا ثيابه وأغراضه، فضاعت الأدلة التي تثبت المخاطر المحدقة بحياته في الجزائر.

وضع في مركز الترحيل الحالي في الثاني من إبريل/نيسان الماضي، وهو يصفه بالسجن ويشتكي من قلّة الأدوية. يخبر: "عانيت من ارتفاع في الحرارة، ولم يقدّموا لي سوى مسكّن للألم. كذلك، أعاني من الجوع في الليل". ويشعر حسن بدمار نفسي، بسبب غياب وسائل التواصل الاجتماعي في المركز وعجزه عن التواصل مع أهله في الوطن. ويشير إلى "الاستغلال الذي نتعرض له في داخل المركز. بعضنا يعمل لساعات في مقابل ثلاثة أو أربعة باوندات (4.5 - 6.5 دولارات أميركية)". من جهة أخرى، يشكو أيضاً من "المحامي الذي استلم قضيتي، لكنه لا يبالي إلا بالحصول على المال".

أمّا فادي اللبناني الثلاثيني الذي اعتقل أخيراً، فيقول إنّ المركز "يمنحنا مبلغ نصف باوند (0.8 دولار) في اليوم ولا يؤمّن لنا صابون الغسيل لتنظيف ملابسنا. كذلك فإنّ كميات الطعام لا تكفي لإشباع رجل. هي عبارة عن شريحة لحم صغيرة أحياناً أشبه بوجبة أطفال في مطاعم الوجبات الصغيرة، تقابلها كميات كبيرة من البطاطا المقلية أو الأرزّ". وكان فادي قد فوجىء يوم اعتقاله، بعد مضي أربعة أشهر على وجوده في البلاد. يخبر: "دخلت بتأشيرة شرعية وتوجّهت إلى مبنى وزارة الداخلية وقدّمت طلب لجوئي. والتزمت بالحضور إلى جميع المواعيد في الوقت المحدد".

ولغاية اللحظة يعجز فادي عن "استيعاب اعتقالي ووضعي على مسار الاعتقال السريع، الذي برّرته وزارة الداخلية بقدرتها على البت في قضيتي بسرعة. لكن قضيتي رفضتْ وحُرِمْتُ من حق الاستئناف". وهو ما زال حتى اليوم يحاول عبر محاميه، إعادة النظر بشأنه. فعودته إلى لبنان تعني "مواجهتي الموت. أنا تعرّضت لتهديدات بسبب تحقيقات قمت بها في أثناء أدائي وظيفتي في الأمن العام اللبناني".

وردّاً على استفسارات "العربي الجديد"، قال، بن ستاك، من المكتب الإعلامي في وزارة الداخلية، والذي كان قد فضّل تأجيل الأمر إلى ما بعد انتهاء الانتخابات البريطانية، لكنه عاد ليجيب لاحقاً عبر إرسال روابط عوضاً عن الردّ بشكل مباشر. وخلاصة الردّ أنّه يحق للمحتجزين التقدم بطلب خروج بكفالة، ويحق لهم كذلك الطعن بقانونية اعتقالهم. ولفت إلى المراجعات المنتظمة لمراكز الترحيل للتأكّد من التزامها بالقوانين. أمّا عن المدّة التي يمضيها المعتقل في المركز، فكانت إشارة إلى أن وزارة الداخلية تشدّد على أقصر فترة ممكنة، في حين تفتّش المراكز من قبل مفتشي صاحبة الجلالة للسجون. وتلك عملية وقائية وطنية تسهم في استجابة المملكة المتحدة لالتزاماتها الدولية، بموجب البروتوكول الاختياري للاتفاقية التي تقضي بمناهضة التعذيب وغيره من أشكال المعاملة القاسية أو المهينة.

من جهة أخرى، لم نحصل على أية إجابة من قبل القيّمين على مركز ترحيل اللاجئين، حول نقص الدواء والعلاج الطبي والتمييز العنصري والإساءة إلى المعتقلين، التي عبّر عنها المحتجزون. فقد اكتفوا بالصمت.

615

يُعدّ مركز هارموندسوورث لترحيل اللاجئين في بريطانيا الأكبر في أوروبا ويتسّع لـ 615 رجلاً. تخضع أجنحته المختلفة لنظام أمنيّ مكثّف. ويفرض المركز على الزائرين إبراز هوية وإثبات مكان الإقامة عن طريق تقديم فاتورة أو كشف حساب مصرفيي، كذلك يودعون أغراضهم في خزنة ويخضعون لتفتيش شبيه بتفتيش أمن المطارات قبل مرافقتهم إلى غرفة الزيارة.

اقرأ أيضاً: أحزاب بريطانيا تسعى إلى تقليص أعداد المهاجرين