مراقبة ببغاء أرجنتيني

20 يناير 2016
(خوان ميرو, 1943)
+ الخط -

لسبب يعود لقوة تحمّله وعدم هجْر المكان إذا تعوّد عليه، اختار القائمون على "سيوتاديّا"، واحداً فقط من أنواع الببغاوات اللاتينية، هو النوع الأرجنتيني، مجدوع المنقار.

أنت في البداية، ونظراً لصغر حجمه، ظننته فصيلةً من فصائل الكناريّ الخضراء. وكنت تستغرب وتنبسط حين تراه يرعى بلا وجل على بعد ذراع من الناس.

مع الوقت والمراقبة، فهمت طبعه الشرس، وأنانيّته الفاقعة، دوناً عن بقية الطيور، من حمام وشحارير ودُوريّات ونوارس. ولا تظلمه لو قلت إنه حتى أشرس من أُنثى النورس الكبيرة.

ثم هذا الأزيز المنفّر، وكأنّ صوته يخرج من منشار معدنيّ. أزيز لحوح، آليّ، ويبدو لأذنيك خالياً من أي إيقاع. والمصيبة حين تركن للقيلولة في الظهيرات، فتتجمّع عشرات منه وهات يا إزعاج. حتى أنك مع التجربة عرفت الشجرات التي يتخذها ملاذاً، وتجنّبتها.

ذات مرّة، كان معك أربعة أرغفة، وجلست حول البركة، على المدخل الشرقي، وأخذت تفتفت. تجمّع الحمام كعادته وصغار النورس والدوريّ. لا أقل من مائة طائر، بعضها يلتقط الفتات وهو طائر، والغالبية تلتقطه من التراب. حتى جاء زوجان من هذه الببغاوات، وبدآ في العراك. يتركان التراب المدروز بالخير، ويقتتلان على فتفوتة واحدة. نعم يقتتلان. يعضّان بعضهما بعضاً بمناقيرهما الأشبه بالموسى. فإذا انتصر أحدهما، طار بالفتفوتة إلى أقرب شجرة، ليأكلها وحيداً.

أنت رأيت واستغربت. بعد أسبوع كررت التجربة في زاوية أخرى من الحديقة الواسعة، وحصل نفس الشيء. الطيور تأكل وتشبع دون صخب، إلا هو. يطير باللقمة مهما كبرت (أحياناً تكون ضعف حجمه ووزنه)، وينزل عليها بنهمٍ ولا نهم خنزير، لا سيما إذا كانت مدهونة بزيت الزيتون أو الزبدة.

الطيور كلّها تنقر اللقمة على الأرض، إلاه.

ولأنك أحببت ببغاوات الأدب اللاتيني، خصوصاً ما وردَ منها عند ماركيث وأمادو، فقد احتجت إلى ثلاث سنوات، من مراقبة هذا الببغاء حتى تتحفظ في مشاعرك، لو صادفته بين غلافي رواية.

لا يعني هذا أنك تكرهه، بل يعني فقط أنه لا يروقك.

في الحقيقة لا يروقك أبداً أبداً، وفي سياق كهذا، لا يمكن أن تنسى خاطراً سيئاً راودك في البدء: تراه تعلم خطيئة الاستحواذ من البشر المحيطين؟

كلا بالتأكيد، فالمواطن الإسباني، وبضمنه البرشلوني، اشتراكي النزعة، عموماً.

من أين أتيتَ بجشعك إذن، سوى من بئر الفطرة العميق!



اقرأ أيضاً: حلوى سوداء
المساهمون