فجرت صورة لمراسل قناة BBC في سورية مع ضباط من جيش النظام موجة استياء واستغراب لدى عدد من الصحافيين السوريين المعارضين من الخط الذي تنتهجه المحطة في الانحياز الواضح لنظام الأسد، ضاربةً بعرض الحائط كل المعايير المهنية التي كانت المؤسسة العريقة عنوانًا لها في كل المدارس الإعلامية.
ونشرت مواقع إخبارية تابعة للمعارضة السورية صورةً لمراسل القناة في سورية، عساف عبود، "مبتسمًا" مع عدد من ضباط جيش الأسد، مشيرةً إلى أنّ الصورة التقطت صباح السبت في حي الراموسة، جنوب حلب، الذي استعادت قوات الأسد والمليشيات التي تساندها السيطرة عليه منذ أيام، لتعيد فرض حصار مطبق على أحياء حلب الشرقية والتي تسيطر عليها المعارضة السورية.
وأثارت صورة عبود مع ضباط جيشٍ متهمٍ بالقيام بعمليات إبادة جماعية بحق السوريين، موجة استياء في الأوساط الإعلامية السورية المعارضة. ودعا صحافيون سوريون مؤسسة BBC إلى اتخاذ إجراء رادع بحق عبود يصل إلى درجة الاستغناء عنه، مشيرين إلى أنّ الصورة "اصطفاف، وإعلان ولاء، وتفاخر ضاحك".
وينظر عدد كبير من السوريين إلى محطة BBC على أنها من المحطات التي اصطفت إلى جانب نظام الأسد منذ الأشهر الأولى من ثورتهم في عام 2011، في موقف لا يزال يثير الكثير من التساؤلات، والاستغراب. وتخلت هذه المحطة عن أبسط قواعد المهنية في تبنّيها خطًا تحريريًا يساند نظاماً قتل وشرّد الملايين من السوريين، ولم يتورع عن استخدام الأسلحة الكيماوية، وأسلحة أخرى محرمة دوليًا ضدهم.
وفي هذا الصدد، أشار رئيس رابطة الصحافيين السوريين المعارضة، علي عيد، إلى أنه منذ اندلاع الثورة في سورية "ظهر جليًا تورط مراسلين لمحطات عريقة في تضليل الناس، وتقديم الصورة بشكل مجتزأ"، مشيرًا في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ قناة BBC البريطانية من القنوات التي سقطت أكثر من مرة في أخطاء مراسليها وفريقها التحريري المنحاز.
وتابع عيد بالقول: "مراسل القناة في دمشق عساف عبود الذي يظهر في صورة حديثة مع ضباط النظام في حلب، كان من الأصوب له انتهاج الحيادية، وهو ما لم يحصل في كثير من تقاريره، حيث يظهر منحازًا لنظام الأسد من خلال اللغة التي يستخدمها، ونوع الضيوف الذين يختارهم لقناته للحديث عن الأوضاع في سورية".
وأشار عيد إلى أن الصورة التي التقطها مراسل "بي بي سي" مع ضباط جيش نظام الأسد "انحياز ذهني"، معرباً عن قناعته بأن ذلك "خطأ فادح يؤثر في طبيعة عمل BBC ومصداقيتها، فالمراسل مسؤول عن موقف وموقع الوسيلة التي يعمل بها في ظروف الصراعات والحرب كما هو حاصل في سورية"، وفق عيد.
ويُتهم عساف عبود من قبل أغلب الصحافيين السوريين المؤيدين للثورة بـ"محاباة النظام وتأييده بشكل معلن"، وهذا ما يفسّر بقاءه في عمله طيلة سنوات الثورة، في الوقت الذي عمد فيه النظام إلى إغلاق مكاتب أغلب المحطات ووسائل الإعلام العربية والأجنبية في دمشق مع الأشهر الأولى للثورة لأنها لم تتبن خطابه في محاربة الثورة، وحاولت انتهاج الحيادية في تعاطيها مع ما يجري في سورية.
وذكر مصدر في "بي بي سي"، فضّل عدم ذكر اسمه، أن هناك "لوبي" مؤيد لنظام الأسد ونظام عبد الفتاح السيسي في مصر وإيران داخل المحطة الناطقة باللغة العربية، مشيرًا في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ الأمر "لم يعد يخفى على متابعي المحطة التي تدنت نسب مشاهدتها بشكل مخيف". ولفت إلى أن المحطة "تعاني من ضعف مهني ظاهر، مرده تحزب عدد لا يستهان به من العاملين فيها"، موضحًا أن الإدارة "تعلم ذلك، ولم تتخذ أي إجراء للحد من تدهور أداء المحطة"، مستبعدًا اتخاذها إجراءً رادعًا بحق مراسلها في سورية عساف عبود، مرجحًا الاكتفاء بإرسال تنبيه يدعوه إلى الالتزام بمعايير المؤسسة.
وهذه ليست المرة الأولى التي يظهر فيها انحياز "بي بي سي" في التغطية الإخبارية. وكانت القناة قد نشرت تقريراً مصوّراً في مايو/ أيار الماضي، تضمّن مشاهد من مناطق المعارضة في حلب، على أنّها مناطق خاضعة لسيطرة النظام. وأحدث خطأ القناة غضباً واسعاً على مواقع التواصل، حيث اعتبره المستخدمون جسيماً، وصل إلى حد المطالبة بمقاطعة القناة، ما دفعها إلى الاعتذار.
وكانت الصحافية السورية ديما عز الدين قد أعلنت استقالتها من القناة في مايو/ أيار الماضي، معتبرةً أنّ "المعايير التي أسست لهذه المؤسسة، منذ عشرات السنين واستطاعت أن تجعلها الرقم الصعب إعلامياً، لم تعد تطبق كما ينبغي أن تطبق"، مضيفةً: "أخذت من بي بي سي كل ما يشبهني ويشبه أصلها، واليوم تركتها فلم تعد تشبهني ولم أعد أشبهها، فرقنا خبر بلادي الجريحة".