01 أكتوبر 2022
مراجعات غربية للربيع العربي
ربما كانت الدكتاتوريات أفضل لنا ولهم. يقود تيار قوي في الأوساط السياسية والأكاديمية الغربية حالياً هذه المراجعة المؤلمة.
تحكي هيلاري كلينتون، في مذكّراتها، عن رفضها سرعة التخلي عن حسني مبارك. وصفت كيف تأثر بعض مساعدي الرئيس الأميركي، باراك أوباما، الشباب "بموجة الدراما والمثالية، وهم يتابعون مشاهد ميدان التحرير"، لكنها كانت تفكّر بطريقة عملية، فمبارك صديق قديم، بينما المظاهرات "بلا قائد، تحرّكها وسائل التواصل الاجتماعى والدعوات الشفهية، وليس حركة معارضة منظمة متماسكة".
في ما بعد، تأكّدت نظرتها المتشائمة، حين التقت النشطاء الشباب للمرة الأولى في القاهرة: "لم تكن لديهم أية خبرة سياسية، ولا أي فهم لتنظيم الأحزاب والحملات الانتخابية، ولم يُظهروا حتى أي اهتمام بذلك. وانشغلوا بالجدل في ما بينهم، أو بتوجيه اللوم للولايات المتحدة.. سألتهم: هل فكرتم في أن تشكلوا تحالفاً للدفع بمرشحين وبرامج في الانتخابات؟، فكان ردهم نظرة خالية من التعبير. هنا، شعرت بالقلق من أن الحال ستنتهي بهم إلى تسليم البلاد للإخوان المسلمين أو للجيش".
تحدث أوباما لمجلة "ّذا أتلانتيك" عن إحباطه من الفوضى في ليبيا، على الرغم من أنها كانت تبدو حالةً مثالية تماماً، وقد تمكّن التدخل العسكري من حماية المدنيين وإسقاط نظام القذافي بسرعة. يوجه أوباما لوماً حاداً لليبيين، بسبب انقسامهم القبليّ.
تأكدت "عقيدة أوباما" أن من الأفضل عدم التدخل في الشرق الأوسط، فمشكلاته المعقدة تعود إلى ألف عام على حد وصفه، وستواجه أميركا اللوم، سواء تدخلت أم لم تتدخّل، كما أن النفط الصخري أصبح بديلاً كافياً عن نفط الخليج. وهكذا رفض أوباما التدخل في سورية، حتى بعد أن تجاوز بشار الأسد "الخط الأحمر"، واستخدم الأسلحة الكيمياوية.
طرح آلان كوبيرمان، الأستاذ في كلية ليندون جونسون، مراجعة أكثر صراحة. كتب في مقال شهير بعنوان "هزيمة أوباما في ليبيا"، أن بلاده تعرّضت للخداع من دعاية المعارضة الليبية، وأكد أن عدد القتلى على يد معمر القذافي في أثناء قمع الثورة أقل من عدد الضحايا الذين سقطوا بعد تدخل "الناتو". يعدّد كوبيرمان مزايا ترك القذافي، فقد كان يتجه، منذ 2003، نحو التطبيع مع الغرب، كما أن نجله سيف الإٍسلام قام بالفعل بإصلاحات شجاعة، اعترف بمأساة ضحايا سجن بوسليم ومنح الأهالي تعويضات. وفي العام 2008، نشر بنفسه شهادات سجناء اتهموا اللجان الثورية بتعذيبهم، ودعم الإعلام الخاص، وعين شخصيات إصلاحية ليبرالية في الحكومة. وللمفارقة، كانوا هم أول المنشقين، مثل محمود جبريل ومصطفى عبدالجليل. في المقابل، لم تتوقف انتهاكات حقوق الإنسان والفساد بعد سقوط القذافي.
مثال آخر هو ما كتبه أندرو جيه بوين، الباحث في معهد جيمس إيه بيكر، حيث اعتبر أن أوباما ارتكب خطأ بإسقاط القذافي، على الرغم من أن القرار الدولي كان خاصاً بحماية المدنيين فقط، وهو ما جعل روسيا والصين لا يستخدمان حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن. لذلك قرّر الروس والصينيون عدم السماح بخداعهم مرة أخرى في سورية، فدعموا نظام بشار بكل قوة.
بعد هجمات "11 سبتمبر" في العام 2001، نشأ تيار قوي يرى أن الإرهاب وليد ظلم الأنظمة القمعية، لذلك المصلحة الأميركية هي نشر الديمقراطية. وفي هذا السياق، أطلق الجمهوريان، جورج بوش وكوندوليزا رايس، حملة الضغط على الدول العربية لإصلاح أنظمتها. حينها اضطر مبارك لعقد أول انتخابات تعدّدية. حالياً نشهد صعود التيار العكسي بالضبط، وهو كما أسلفنا ظهر في عهد أوباما، وليس اختراعاً جديداً من دونالد ترامب. تنشأ السياسات العامة بطريقة مؤسسية، وتضم الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء.
من وجهة النظر الغربية، هناك منطقية واضحة لهذا الطرح، بينما بالتأكيد لدينا أسباب كثيرة لرفضه، ولتوجيه بعض اللوم للغرب. لكن، في النهاية ضاعت بالفعل فرصة تاريخية كانت فيها الرياح الدولية مواتيةً للربيع العربي، وتبقى المسؤولية على جيلنا لدراسة أسباب ما حدث، ولمعاندة التيار الجارف داخلياً وخارجياً. لن يساعدَ أحدٌ مَنْ لا يساعد نفسه.
تحكي هيلاري كلينتون، في مذكّراتها، عن رفضها سرعة التخلي عن حسني مبارك. وصفت كيف تأثر بعض مساعدي الرئيس الأميركي، باراك أوباما، الشباب "بموجة الدراما والمثالية، وهم يتابعون مشاهد ميدان التحرير"، لكنها كانت تفكّر بطريقة عملية، فمبارك صديق قديم، بينما المظاهرات "بلا قائد، تحرّكها وسائل التواصل الاجتماعى والدعوات الشفهية، وليس حركة معارضة منظمة متماسكة".
في ما بعد، تأكّدت نظرتها المتشائمة، حين التقت النشطاء الشباب للمرة الأولى في القاهرة: "لم تكن لديهم أية خبرة سياسية، ولا أي فهم لتنظيم الأحزاب والحملات الانتخابية، ولم يُظهروا حتى أي اهتمام بذلك. وانشغلوا بالجدل في ما بينهم، أو بتوجيه اللوم للولايات المتحدة.. سألتهم: هل فكرتم في أن تشكلوا تحالفاً للدفع بمرشحين وبرامج في الانتخابات؟، فكان ردهم نظرة خالية من التعبير. هنا، شعرت بالقلق من أن الحال ستنتهي بهم إلى تسليم البلاد للإخوان المسلمين أو للجيش".
تحدث أوباما لمجلة "ّذا أتلانتيك" عن إحباطه من الفوضى في ليبيا، على الرغم من أنها كانت تبدو حالةً مثالية تماماً، وقد تمكّن التدخل العسكري من حماية المدنيين وإسقاط نظام القذافي بسرعة. يوجه أوباما لوماً حاداً لليبيين، بسبب انقسامهم القبليّ.
تأكدت "عقيدة أوباما" أن من الأفضل عدم التدخل في الشرق الأوسط، فمشكلاته المعقدة تعود إلى ألف عام على حد وصفه، وستواجه أميركا اللوم، سواء تدخلت أم لم تتدخّل، كما أن النفط الصخري أصبح بديلاً كافياً عن نفط الخليج. وهكذا رفض أوباما التدخل في سورية، حتى بعد أن تجاوز بشار الأسد "الخط الأحمر"، واستخدم الأسلحة الكيمياوية.
طرح آلان كوبيرمان، الأستاذ في كلية ليندون جونسون، مراجعة أكثر صراحة. كتب في مقال شهير بعنوان "هزيمة أوباما في ليبيا"، أن بلاده تعرّضت للخداع من دعاية المعارضة الليبية، وأكد أن عدد القتلى على يد معمر القذافي في أثناء قمع الثورة أقل من عدد الضحايا الذين سقطوا بعد تدخل "الناتو". يعدّد كوبيرمان مزايا ترك القذافي، فقد كان يتجه، منذ 2003، نحو التطبيع مع الغرب، كما أن نجله سيف الإٍسلام قام بالفعل بإصلاحات شجاعة، اعترف بمأساة ضحايا سجن بوسليم ومنح الأهالي تعويضات. وفي العام 2008، نشر بنفسه شهادات سجناء اتهموا اللجان الثورية بتعذيبهم، ودعم الإعلام الخاص، وعين شخصيات إصلاحية ليبرالية في الحكومة. وللمفارقة، كانوا هم أول المنشقين، مثل محمود جبريل ومصطفى عبدالجليل. في المقابل، لم تتوقف انتهاكات حقوق الإنسان والفساد بعد سقوط القذافي.
مثال آخر هو ما كتبه أندرو جيه بوين، الباحث في معهد جيمس إيه بيكر، حيث اعتبر أن أوباما ارتكب خطأ بإسقاط القذافي، على الرغم من أن القرار الدولي كان خاصاً بحماية المدنيين فقط، وهو ما جعل روسيا والصين لا يستخدمان حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن. لذلك قرّر الروس والصينيون عدم السماح بخداعهم مرة أخرى في سورية، فدعموا نظام بشار بكل قوة.
بعد هجمات "11 سبتمبر" في العام 2001، نشأ تيار قوي يرى أن الإرهاب وليد ظلم الأنظمة القمعية، لذلك المصلحة الأميركية هي نشر الديمقراطية. وفي هذا السياق، أطلق الجمهوريان، جورج بوش وكوندوليزا رايس، حملة الضغط على الدول العربية لإصلاح أنظمتها. حينها اضطر مبارك لعقد أول انتخابات تعدّدية. حالياً نشهد صعود التيار العكسي بالضبط، وهو كما أسلفنا ظهر في عهد أوباما، وليس اختراعاً جديداً من دونالد ترامب. تنشأ السياسات العامة بطريقة مؤسسية، وتضم الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء.
من وجهة النظر الغربية، هناك منطقية واضحة لهذا الطرح، بينما بالتأكيد لدينا أسباب كثيرة لرفضه، ولتوجيه بعض اللوم للغرب. لكن، في النهاية ضاعت بالفعل فرصة تاريخية كانت فيها الرياح الدولية مواتيةً للربيع العربي، وتبقى المسؤولية على جيلنا لدراسة أسباب ما حدث، ولمعاندة التيار الجارف داخلياً وخارجياً. لن يساعدَ أحدٌ مَنْ لا يساعد نفسه.