مذبحة ماسبيرو.. القاتل ما زال حرًا

11 أكتوبر 2017
+ الخط -

رددت المذيعة المصرية التي تقرأ الأخبار، في التلفزيون الرسمي، قبل ست سنوات، في وقائع ما عرف بالأحد الأسود أو مذبحة ماسبيرو، عدة عبارات تدعو فيها المصريين "النزول لحماية الجيش من الأعيرة النارية التي يطلقها المتظاهرون"، وهي المظاهرة السلمية التي قادتها عدة ائتلافات قبطية، من مسيحيي مصر، على خلفية هدم كنيسة لهم في أسوان، بحجة عدم وجود ترخيص لها، بالرغم من إنشائها، منذ ثمانينيات القرن الماضي، وصدور تصريحات مسيئة، من أحد القيادات الأمنية بحق المسيحيين.

وخارج السياق الخبري الرصين، كما هو مفترض مهنيًا، من قارئة النشرة على شاشة التلفزيون المصري، حرضت المواطنين على العنف، ضد مواطنين آخرين مثلهم، زعمت كذبًا وافتراءً، بأن جنود الجيش يتعرضون لاستهداف بالأعيرة النارية؛ وتحول الإعلام السلطوي، إلى أداة تحريضية مخزية للاحتراب الأهلي والفتنة الطائفية، حيث تعمدت التجاوز المهنى واقتراف جريمة عن قصد، برعونة شديد، واستبدالها المؤسسات المسؤولة عن الأمن بالمواطن، بنفس الدرجة التي تحولت فيها من إعلامية، توضح ملابسات المعلومة والحدث وتفاصيلة بأكبر قدر من الدقة والحقيقة، إلى خصم تجاه طرف وقاض يصدر أحكامه ضد طرف آخر.

في ظل هذا التحريض غير المسبوق من قبل التلفزيون المصري الرسمي، كان بمجرد وصول المسيرة القبطية إلى ماسبيرو حيث مقر الاعتصام، بادرها جنود الجيش بأوامر القيادة العسكرية، بإطلاق النار والغاز المسيل للدموع بهدف التفريق والقتل، وبعدها بدأت المدرعات في التحرك، ودهس المتظاهرين بطريقة بشعة، فيما استمر الجنود في إطلاق النار على المتظاهرين، والاعتداء على كل من يرونه.

وصل عدد ضحايا المواجهات إلى 27 قتيلاً على الأقل، بالإضافة إلى أكثر من 272 جريحًا، وفق بيانات رسمية صادرة وقتها، عن وزارة الصحة المصرية. لكن الأرقام التي أصدرتها قيادات قبطية في ذلك الوقت كانت تشير إلى أضعاف هذه البيانات.

فيما روج المجلس العسكري حينها، أن الأقباط بدؤوا في الاعتداء على قوات الشرطة العسكرية بالحجارة والسيوف والأسلحة النارية؛ ما أدى إلى مقتل ثلاثة من عناصر الشرطة العسكرية؛ ما تسبب في قيام الجنود بدهس المواطنين بالمدرعات وفتح النار عليهم كرد فعل انفعالي نتيجة مشهد مقتل زملائهم والاعتداء عليهم أمامهم.

وبالرغم من مرور الذكرى السادسة، وسط صمت رسمي، وقبطي، بعدما تحولت العلاقة بين الأقباط ونظام عبد الفتاح السيسي، إلى ود وتحالف وثيق، لكن الاتهامات ما زالت تطاول المجلس العسكري الحاكم، إبان ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، بالمسؤولية الكاملة عن المذبحة وما شهدته من تفاصيل دامية.

وبالرغم من ذلك، يروج البابا تواضروس: "إن الإخوان المسلمين وراء هذه المذبحة، لأنهم خدعوا الشباب المسيحي واستدرجوه للمواجهة مع قوات الأمن".

وفي لقاء مع فضائية "سكاي نيوز"، زعم أنه تم الاعتداء على المقر البابوي في زمن الإخوان لأول مرة في التاريخ الإسلامي كله، وأن حادث ماسبيرو كان خدعة من الإخوان للشباب المسيحي، استدرجوهم لمواجهة الجيش ثم تركوهم.

لكن أهالي الضحايا، طعنوا في ادعاءات البابا وصمتهم المخزي وتواطؤهم السياسي مع النظام، حيث تقدمت أسر الضحايا بـ21 بلاغًا ضد قيادات المجلس العسكري للمطالبة باستدعائهم للتحقيق معهم في قتل أبنائهم، إلا أن التحقيقات تم حفظها ووقفها، ثم أعيد فتحها مرة أخرى، ثم توقفت أخيرًا بلا نتيجة وظهور المتهمين وإدانتهم، لم يتوصل للجناة الحقيقيين أو محاكمتهم.

تأطير الحادث داخل صورة الفتنة الطائفية التقليدية، كما يحاول أن يستفيد منه رجال الكنيسة وقياداتها، هو لمنع التهمة عن المؤسسة العسكرية، من خلال استبدالها بجماعة الإخوان المسلمين، الأمر الذي يبدو ساذجًا، ويخفي أصول الصراع وحقائقه، التي تكشف بداية، أن تلك الأحداث كانت طعنًا في وصاية الكنيسة على الأقباط والتحرر من مسؤوليتهم عليها وتبعيتهم المباشرة لقرارتها، خاصة، في ما يتصل بما هو سياسي ودنيوي، إلى جانب الروحي، والتي تمثلت خلال سنوات ما قبل الثورة، في توجيههم المباشر لتأييد مرشح الحكومة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية.

فقد شارك الأقباط في مظاهرات للتنديد بحكم العسكر بعد الثورة، بل أكثر من ذلك، هو هتافهم داخل الكنيسة في حضور قيادات عسكرية أثناء عيد الميلاد بـ "يسقط حكم العسكر"، وهو خروج عن كل التقاليد الكنسية والمسيحية وقتذاك وحاولوا تصفية هذا المد الثوري وحراكه.

المساهمون