لا يعرف اللاجئ السوري الصغير، مدين حسون، البالغ من العمر عشرة أعوام إلا الشارع الذي يبحث فيه عن رزقه. هو لم يختبر مقاعد الدراسة، ولا يفهم ما تعنيه المدرسة بالنسبة إلى طفل مثله. تسأله إن كان سبق له دخول مدرسة لتلقي التعليم أسوة بسواه من الأطفال، فيتردد في الإجابة. وتسأله إذا كان يرغب في ذلك لاحقاً، فيصمت بينما تبدو عيناه ممتلئتَين بحزن شديد ودهشة كبيرة. ويمدّ يده التي يحمل فيها علبة علك صغيرة.
عند أحد تقاطعات السير في مدينة صيدا، جنوبيّ لبنان، يتنقل مدين من مكان إلى آخر. وكلّما تحوّلت إشارة المرور إلى اللون الأحمر، يسير بجسده النحيل صوب السيارات، ويقترب من السائق وهو يمدّ رأسه من الزجاج، في حين يتمتم كلمات غير مفهومة ويعرض عليه علكته بخجل. في مرّات كثيرة، يلاقي إلحاحه استياء أصحاب السيارات المتوقفة قسراً، وينهرونه في أحيان كثيرة، وفي بعض الأحيان يشترون العلك منه. لكنّ ذلك لا يثنيه عن المحاولة من جديد ببيع ما يحمل من علك.
وكان مدين قد انتقل مع أمّه وأخيه من إدلب السورية إلى لبنان، على خلفية الحرب في سورية، قبل عام واحد تقريباً. في البداية توجّهوا إلى منطقة العاقبية (جنوب) حيث مكثوا مدة محدودة، غير أنّ صاحبة المنزل طردتهم منه إذ لم يتمكّنوا من تسديد بدل الإيجار. واضطروا إلى البحث عن منزل آخر، فتوجهوا نحو منطقة البيسارية (جنوب) حيث استأجروا منزلاً صغيراً لقاء 250 ألف ليرة لبنانية (نحو 170 دولاراً أميركياً). المبلغ ليس بقليل بالنسبة إليهم، لكنّه الأفضل في المنطقة.
في كل يوم، يقصد مدين مدينة صيدا مع أخيه، لعلّهما يحصّلان بعض المال من بيع العلك في الشوارع. من جهتها، تعمل والدتهما في قطاف ليمون الحامض والبرتقال. هو عمل متعب، لكنّها ملزمة بتأمين احتياجات البيت وبدل إيجار المنزل.
عندما تسأله عن سورية، يبدو مدين كأنّه في عداء مع البلاد التي خرج منها. ويقول إنّه لا يرغب في العودة إليها، حتى لو انتهت الحرب فيها، وحتى لو أنهى والده ترميم بيتهم الذي تهدّم. ويشدد على أنّه لا يرغب في المدرسة كذلك، وأنّه لا يملك أصدقاء. وعندما تلمح الحزن في عينيه، لا بدّ أن تدرك ما يعانيه الطفل من فقدان للطفولة، ومن حرمان كبير من كل شيء في هذه الحياة. هو حرمان من الأمان، ومن التعليم، ومن الأب، وكذلك من الطفولة مع براءتها وهواياتها وألعابها.
ومدين ليس حالة منفردة، فهو مع كثيرين غيره ينتشرون عند تقاطعات السير في مدينة صيدا، بأجسادهم النحيلة. فتراهم إمّا يبيعون العلك وإمّا يمسحون زجاج السيارات وإمّا يبيعون المحارم، وهدفهم جميعاً تأمين شيء من رزقهم.