أنهى مدير المخابرات العامة المصرية بالوكالة، اللواء عباس كامل، زيارة مفاجئة للخرطوم، أمس السبت، التقى خلالها عددًا من المسؤولين السودانيين، وعلى رأسهم الرئيس عمر البشير، وذلك في إطار سلسلة جهود مشتركة بدأت منذ يناير/كانون الأول الماضي، لإصلاح حالة الفتور التي أصابت العلاقة بين البلدين في الفترة الأخيرة، والتي أدت إلى استدعاء الخرطوم سفيرها في القاهرة، قبل عودته منذ أيام.
وجاءت زيارة كامل بناء على دعوة من نظيره، الفريق أول صلاح عبد الله قوش، الذي يحاول منذ 11 فبراير/شباط الماضي، تاريخ تعيينه مديرًا لجهاز الأمن والمخابرات، المبادرة بحل جملة من القضايا، وعلى رأسها علاقات السودان الخارجية في شقها الأمني، لا سيما أن قوش يتمتع بصلات قوية مع مسؤولي المخابرات الدولية والإقليمية، وسبق له أن قاد، في بداية الألفية الجديدة، تعاوناً أمنياً واسعاً مع القاهرة، في عهد مدير المخابرات الأسبق، عمر سليمان.
وتتركز الخلافات السودانية المصرية الأخيرة في ثلاثة محاور رئيسية، الأول والأهم منها، هو الموقف من سد النهضة الإثيوبي، إذ يتخذ السودان موقفاً مسانداً لإنشاء السد، مع العمل على الاستفادة مما ينتجه من كهرباء عبر استيرادها من إثيوبيا، والعمل كذلك على تدارك أية أضرار من السد، سواء في ما يخص المياه أو البيئة، فيما تعتبر القاهرة أن سد النهضة يمثل تهديدًا لأمنها المائي بصورة كبيرة.
وبلغت الخلافات ذروتها في نوفمبر/تشرين الثاني، مع إصرار السودان على استخدام حصته كاملة من مياه النيل البالغة نحو 18 مليار متر مكعب طبقاً لاتفاقية 1959، بينما تصر مصر على مبدأ الاستخدامات الحالية للمياه.
أما محور الخلاف الثاني، فيتعلق بموضوع منطقة حلايب وشلاتين المتنازع عليها بين البلدين؛ فالخرطوم ظلّت تردد مطالبها باللجوء إلى التفاوض لحل الخلاف، أو اللجوء إلى التحكيم الدولي، وهذا ما ترفضه القاهرة التي تريد الإبقاء على فرض الأمر الواقع، بعد سيطرتها على المنطقة منذ العام 1995.
وفي هذا المحور، اتهمت الخرطوم القاهرة، في أكثر من مناسبة، بتصعيد الموقف في حلايب من خلال حملات ترغيبية وترهيبية لـ"تمصير" المنطقة، خاصة بعد أن افتتحت في الأيام الماضية مركزاً للسجل المدني، فضلاً عن قيامها بحملات اعتقالات واسعة بحق المواطنين السودانيين داخل المنطقة، والشروع في إنشاء مشاريع حيوية؛ مثل ميناء ومصيد على ساحل البحر الأحمر.
أما المحور الثالث في الخلافات بين الخرطوم والقاهرة، فيتعلق بالتقاطعات في القضايا الإقليمية، إذ إن مصر انحازت، بالمطلق، لمحور حصار قطر، جنباً إلى جنب مع السعودية والإمارات والبحرين، بينما قرر السودان الوقوف في منطقة محايدة تدعو إلى دعم كآفة الجهود لحل الأزمة الخليجية.
من جهة اخرى زاد التوتر بين البلدين عقب زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، للسودان، نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، وما رافقها من توقيع جملة من الاتفاقيات بين السودان وتركيا، وقد اتضح ذلك التوتر في الهجوم الإعلامي المصري على الزيارة، التي اعتبرها مهددة لأمن مصر من البوابة الجنوبية، سيما بعد أن تناقلت وسائل الإعلام تقارير عن اتفاق سوداني تركي لإنشاء قاعدة عسكرية تركية على البحر، رغم أن السودان وتركيا معاً نفيا ذلك جملة وتفصيلاً.
وفي مواجهة هجوم الإعلام المصري اضطر السودان إلى اتخاذ قرار باستدعاء سفيره في القاهرة، عبد المحمود عبد الحليم، للتشاور، وهو الأمر الذي شكل إزعاجاً لمصر، التي حاولت دبلوماسيتها إعادة الأمور لنصابها، فحدثت لقاءات بين وزيري الخارجية، وبعد ذلك جاء لقاء الرئيسين، عمر البشير وعبد الفتاح السيسي، على هامش قمة الاتحاد الأفريقي، وهو اللقاء الذي انتهى بتشكيل لجنة رباعية من وزيري الخارجية ومديري المخابرات.
وفي الثامن من فبراير/شباط الماضي، اجتمعت اللجنة وانتهت باتفاق على وقف كافة أشكال التصعيد، على أن تواصل جهدها في التوافق على حلحلة كافة المشكلات القائمة. وعطفاً على تلك النتائج، باشر سفير السودان في القاهرة مهامه، لكنه كثيراً ما ردد بعد ذلك أن عودته لا تعني أن القضايا العالقة قد حُلت، إنما هنالك فقط خارطة للحل.
وفي إطار تلك الخارطة، جاء اللواء عباس كامل للخرطوم لاستكمال التشاور مع القيادة السودانية، إذ بدأ مشاوراته مع مدير جهاز الأمن السوداني، ووزير الدفاع، ومسؤولين أمنيين آخرين، وتوج الزيارة بلقاء الرئيس البشير.
ولم تصدر خلال الزيارة أية تفاصيل عما تم الاتفاق عليه شفاهة أو كتابة، باستثناء بيانات رسمية ذكرت أن محادثات المسؤول المصري مع البشير، بحثت أهمية التواصل بين البلدين والتحديات الكبيرة التي تواجه المنطقة حتى لا تؤثر على العلاقة بين البلدين.
وشدد وزير الدفاع السوداني، الفريق عوض بن عوف، طبقاً لبيان من الوزارة، على أهمية التواصل بين الأجهزة الأمنية في البلدين، مشيراً إلى أن الأمن القومي المصري يمثل "أمن الأمة، ومن الواجب حمايته، وهذا الواقع يحتم على مصر أيضا القيام بأدوار من شأنها أن تحافظ على الأمن القومي للأمة العربية"، على حد قوله.
ونادى الوزير بتشكيل كتلة لحماية الأمن الإقليمي في ظل المهددات والتحديات التي تواجه تحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة والإقليم، وأهمية التنسيق وتبادل المعلومات لحماية الحدود.
وقد تكون كل تلك العبارات من باب الاستهلاك السياسي والإعلامي، غير أن أهم ما فيها هو أن السودان قدم مجدداً مقترحه بتشكيل قوات مشتركة من الجيشين السوداني والمصري، لتنشط على الحدود بين البلدين. وبتقديمها لذلك المقترح، تريد الخرطوم تكرار تجارب مماثلة خاضتها مع دول الجوار التي شكلت معها قوات مشتركة، مثل ما حدث مع ليبيا إبّان حكم الرئيس السابق، معمر القذافي؛ أو تجربة القوات السودانية التشادية؛ إضافة للقوات المشتركة بينها وبين أفريقيا الوسطى، وكلها تجارب تعتقد الخرطوم بنجاحها في فرض الأمن وإزالة المخاوف والهواجس المتبادلة.
من جهته، قال عباس كامل، بعد أن أنهى زيارته، إنه تم التوافق على اعتماد مبدأ الشفافية والصراحة والوضوح في كل الموضوعات ذات الاهتمام المشترك. وأبدى تفاؤله بأن الأمور ستمضي في مسارها الصحيح.
واضاف أن التواصل بين البلدين مهم جداً لجهة التحديات الكبيرة في المنطقة التي تفرض التواصل وسرعة الاستجابة للأحداث والمواقف المختلفة، ومعالجتها حتى لا تتحول إلى معوقات تؤثر على العلاقة بين البلدين.
ويقول الخبير الاستراتيجي، اللواء أمين اسماعيل مجذوب، لـ"العربي الجديد"، إن البعد الأمني حاضر بقوة في الخلافات السودانية المصرية، خاصة ما يتعلق بتمصير حلايب، وملف المعدنين السودانيين الذين صودرت معداتهم وسياراتهم، فضلًا عن الاتهامات المتبادلة حول النشاط العسكري في ليبيا، وكذلك موضوع ضبط مدرعات عسكرية مصرية بحوزة حركات مسلحة في دارفور، بمعزل عن نشاط المعارضة السودانية في القاهرة الذي يقلق الخرطوم.
ويضيف مجذوب أن العلاقات الشخصية والأمنية لمدير جهاز الأمن والمخابرات صلاح قوش مع المخابرات المصرية ستسهم إلى حد كبير في تجاوز الهموم الأمنية، متوقعًا أن يبدأ الجانبان صفحة جديدة من العلاقات الأمنية، خاصة أن كامل التقى كافة الجهات ذات الصلة بقضايا الأمن، بما في ذلك هيئة الاستخبارات العسكرية في الجيش السوداني.
اقــرأ أيضاً
وأشار الخبير الاستراتيجي إلى أن مصر انزلقت في الملف الليبي، لذا تضع آمالاً عريضة على السودان في حل المشكلات الأمنية هناك، خاصة أن للسودان علاقات ممتازة مع الفصائل الليبية المختلفة، مشيرًا إلى أن الحدود الغربية لمصر باتت معبراً للسلاح والجهاديين وصولاً لمنطقة سيناء، مبينًا أن تلك المعضلة لا يمكن تجاوزها إلا باتفاق بين مصر والسودان وليبيا.
وحول المقترح السوداني بإنشاء قوات مشتركة بين مصر والسودان، قال اللواء مجذوب إن الموافقة على المقترح ستحقق مصالح أمنية، وتساهم في حل مشكلات عبور المعدنين السودانيين للحدود المصرية، وعبور الصيادين المصريين للمياه الإقليمية السودانية، فضلاً عن إسهام المقترح في ترسيم الحدود المختلف حولها.
أما محور الخلاف الثاني، فيتعلق بموضوع منطقة حلايب وشلاتين المتنازع عليها بين البلدين؛ فالخرطوم ظلّت تردد مطالبها باللجوء إلى التفاوض لحل الخلاف، أو اللجوء إلى التحكيم الدولي، وهذا ما ترفضه القاهرة التي تريد الإبقاء على فرض الأمر الواقع، بعد سيطرتها على المنطقة منذ العام 1995.
وفي هذا المحور، اتهمت الخرطوم القاهرة، في أكثر من مناسبة، بتصعيد الموقف في حلايب من خلال حملات ترغيبية وترهيبية لـ"تمصير" المنطقة، خاصة بعد أن افتتحت في الأيام الماضية مركزاً للسجل المدني، فضلاً عن قيامها بحملات اعتقالات واسعة بحق المواطنين السودانيين داخل المنطقة، والشروع في إنشاء مشاريع حيوية؛ مثل ميناء ومصيد على ساحل البحر الأحمر.
أما المحور الثالث في الخلافات بين الخرطوم والقاهرة، فيتعلق بالتقاطعات في القضايا الإقليمية، إذ إن مصر انحازت، بالمطلق، لمحور حصار قطر، جنباً إلى جنب مع السعودية والإمارات والبحرين، بينما قرر السودان الوقوف في منطقة محايدة تدعو إلى دعم كآفة الجهود لحل الأزمة الخليجية.
من جهة اخرى زاد التوتر بين البلدين عقب زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، للسودان، نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، وما رافقها من توقيع جملة من الاتفاقيات بين السودان وتركيا، وقد اتضح ذلك التوتر في الهجوم الإعلامي المصري على الزيارة، التي اعتبرها مهددة لأمن مصر من البوابة الجنوبية، سيما بعد أن تناقلت وسائل الإعلام تقارير عن اتفاق سوداني تركي لإنشاء قاعدة عسكرية تركية على البحر، رغم أن السودان وتركيا معاً نفيا ذلك جملة وتفصيلاً.
وفي مواجهة هجوم الإعلام المصري اضطر السودان إلى اتخاذ قرار باستدعاء سفيره في القاهرة، عبد المحمود عبد الحليم، للتشاور، وهو الأمر الذي شكل إزعاجاً لمصر، التي حاولت دبلوماسيتها إعادة الأمور لنصابها، فحدثت لقاءات بين وزيري الخارجية، وبعد ذلك جاء لقاء الرئيسين، عمر البشير وعبد الفتاح السيسي، على هامش قمة الاتحاد الأفريقي، وهو اللقاء الذي انتهى بتشكيل لجنة رباعية من وزيري الخارجية ومديري المخابرات.
وفي الثامن من فبراير/شباط الماضي، اجتمعت اللجنة وانتهت باتفاق على وقف كافة أشكال التصعيد، على أن تواصل جهدها في التوافق على حلحلة كافة المشكلات القائمة. وعطفاً على تلك النتائج، باشر سفير السودان في القاهرة مهامه، لكنه كثيراً ما ردد بعد ذلك أن عودته لا تعني أن القضايا العالقة قد حُلت، إنما هنالك فقط خارطة للحل.
وفي إطار تلك الخارطة، جاء اللواء عباس كامل للخرطوم لاستكمال التشاور مع القيادة السودانية، إذ بدأ مشاوراته مع مدير جهاز الأمن السوداني، ووزير الدفاع، ومسؤولين أمنيين آخرين، وتوج الزيارة بلقاء الرئيس البشير.
ولم تصدر خلال الزيارة أية تفاصيل عما تم الاتفاق عليه شفاهة أو كتابة، باستثناء بيانات رسمية ذكرت أن محادثات المسؤول المصري مع البشير، بحثت أهمية التواصل بين البلدين والتحديات الكبيرة التي تواجه المنطقة حتى لا تؤثر على العلاقة بين البلدين.
وشدد وزير الدفاع السوداني، الفريق عوض بن عوف، طبقاً لبيان من الوزارة، على أهمية التواصل بين الأجهزة الأمنية في البلدين، مشيراً إلى أن الأمن القومي المصري يمثل "أمن الأمة، ومن الواجب حمايته، وهذا الواقع يحتم على مصر أيضا القيام بأدوار من شأنها أن تحافظ على الأمن القومي للأمة العربية"، على حد قوله.
ونادى الوزير بتشكيل كتلة لحماية الأمن الإقليمي في ظل المهددات والتحديات التي تواجه تحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة والإقليم، وأهمية التنسيق وتبادل المعلومات لحماية الحدود.
وقد تكون كل تلك العبارات من باب الاستهلاك السياسي والإعلامي، غير أن أهم ما فيها هو أن السودان قدم مجدداً مقترحه بتشكيل قوات مشتركة من الجيشين السوداني والمصري، لتنشط على الحدود بين البلدين. وبتقديمها لذلك المقترح، تريد الخرطوم تكرار تجارب مماثلة خاضتها مع دول الجوار التي شكلت معها قوات مشتركة، مثل ما حدث مع ليبيا إبّان حكم الرئيس السابق، معمر القذافي؛ أو تجربة القوات السودانية التشادية؛ إضافة للقوات المشتركة بينها وبين أفريقيا الوسطى، وكلها تجارب تعتقد الخرطوم بنجاحها في فرض الأمن وإزالة المخاوف والهواجس المتبادلة.
من جهته، قال عباس كامل، بعد أن أنهى زيارته، إنه تم التوافق على اعتماد مبدأ الشفافية والصراحة والوضوح في كل الموضوعات ذات الاهتمام المشترك. وأبدى تفاؤله بأن الأمور ستمضي في مسارها الصحيح.
واضاف أن التواصل بين البلدين مهم جداً لجهة التحديات الكبيرة في المنطقة التي تفرض التواصل وسرعة الاستجابة للأحداث والمواقف المختلفة، ومعالجتها حتى لا تتحول إلى معوقات تؤثر على العلاقة بين البلدين.
ويقول الخبير الاستراتيجي، اللواء أمين اسماعيل مجذوب، لـ"العربي الجديد"، إن البعد الأمني حاضر بقوة في الخلافات السودانية المصرية، خاصة ما يتعلق بتمصير حلايب، وملف المعدنين السودانيين الذين صودرت معداتهم وسياراتهم، فضلًا عن الاتهامات المتبادلة حول النشاط العسكري في ليبيا، وكذلك موضوع ضبط مدرعات عسكرية مصرية بحوزة حركات مسلحة في دارفور، بمعزل عن نشاط المعارضة السودانية في القاهرة الذي يقلق الخرطوم.
ويضيف مجذوب أن العلاقات الشخصية والأمنية لمدير جهاز الأمن والمخابرات صلاح قوش مع المخابرات المصرية ستسهم إلى حد كبير في تجاوز الهموم الأمنية، متوقعًا أن يبدأ الجانبان صفحة جديدة من العلاقات الأمنية، خاصة أن كامل التقى كافة الجهات ذات الصلة بقضايا الأمن، بما في ذلك هيئة الاستخبارات العسكرية في الجيش السوداني.
وأشار الخبير الاستراتيجي إلى أن مصر انزلقت في الملف الليبي، لذا تضع آمالاً عريضة على السودان في حل المشكلات الأمنية هناك، خاصة أن للسودان علاقات ممتازة مع الفصائل الليبية المختلفة، مشيرًا إلى أن الحدود الغربية لمصر باتت معبراً للسلاح والجهاديين وصولاً لمنطقة سيناء، مبينًا أن تلك المعضلة لا يمكن تجاوزها إلا باتفاق بين مصر والسودان وليبيا.
وحول المقترح السوداني بإنشاء قوات مشتركة بين مصر والسودان، قال اللواء مجذوب إن الموافقة على المقترح ستحقق مصالح أمنية، وتساهم في حل مشكلات عبور المعدنين السودانيين للحدود المصرية، وعبور الصيادين المصريين للمياه الإقليمية السودانية، فضلاً عن إسهام المقترح في ترسيم الحدود المختلف حولها.