مدرسو الشمال السوري يبحثون عن لقمة العيش

02 يوليو 2019
في الصف (عامر الحموي/ فرانس برس)
+ الخط -

معاناة المدرسين السوريين تبدو كبيرة، في ظل تدني الرواتب وانقطاعها في فصل الصيف أو بسبب النزوح من جرّاء الحرب في البلاد، ما يجبرهم على البحث عن بدائل. وحالياً، يعمل المدرسون في مهن عدة من أجل تأمين لقمة العيش.

أجبرت الظروف المادية الصعبة في سورية المدرّس مصطفى محمد، وهو من مدينة بنش في إدلب، على فتح دكان لإعالة أسرته المكونة من أربعة أفراد. المقابل المادي الذي يحصل عليه خلال عمله في التدريس لم يكن كافياً في ظل غلاء المعيشة. كما أنه لا يتقاضى المال خلال الصيف. وكان العيش بلا عمل مشكلة حقيقية بالنسبة إليه. يقول لـ "العربي الجديد": "بطبيعة الحال، المدرسون يزاولون مهناً وأعمالاً مختلفة في فصل الصيف. بشكل عام، ليست هناك رواتب للمدرسين في فصل الصيف. حتى هذا العام، قد تكون فترة الامتحانات غير مأجورة".

اعتاد محمد شرب الشاي خلال فترة المساء في الدكان الذي أصبح جزءاً مهماً من حياته كونه مصدر رزق أساسياً له. خلال الدوام المدرسي، يتوجه إليه بعد الانتهاء من العمل في المدرسة. وخلال فترة الصيف، يتوجه صباحاً لفتح الدكان، ويحصي ما لديه من حاجيات يقصده الزبائن لشرائها. ويقول محمد: "بالنسبة لمدرسي بعض المواد العلمية، لديهم فرصة لإعطاء التلاميذ دروساً خصوصية أو التعليم في المعاهد وغيرها. لكن لا يشمل الأمر مدرسي المرحلة الابتدائية".

وينتقد محمد سير العملية التعليمية في الشمال السوري، متهماً جهات لم يسمّها بالسعي لإفشال العملية التعليمية. ويقول: "هناك حرب ضد العملية التعليمية، ومحاولة لإفشالها من قبل الجميع. رواتب المدرسين متدنية بالمقارنة مع المنظمات التي يصل أدنى راتب فيها إلى 250 دولاراً. بينما لا يتجاوز راتب المدرس 120 دولاراً لا يتقاضاه صيفاً". ولدى الحديث عن العملية التعليمية وما يترقبه محمد، يقول: "نحن كمدرسين نشعر بالقهر والغصة بسبب ما نراه من تقصير وعدم اكتراث بالعملية التعليمية. على الرغم من التعب، ليس هناك تقدير لجهودنا ما يؤدي إلى انحدار العملية التعليمية". يضيف أن المنظمات هي الجهات المسؤولة بشكل مباشر عن الأمر، كونها مسؤولة عن منح المدرسين الرواتب من دون أن تدعمهم بشكل جيد، ما أدى إلى فشل التعليم. وهذا يرتبط بعدم وجود دولة تشرف على العملية التعليمية.




من جهته، يقول أحمد الحاج حسن، وهو مدرس لمادة الرياضيات في إحدى مدارس جبل شحشبو في ريف حماة الغربي، إنه توجّه بعد نزوحه مع عائلته بسبب القصف والتصعيد المستمر وتركه الوظيفة، للعمل في معمل لإنتاج ألواح الجليد في بلدة أرمناز في ريف إدلب الشمالي. ويقول لـ "العربي الجديد": "بداية، وصلت وعائلتي إلى بلدة أرمناز الواقعة في ريف إدلب الشمالي، كحال الكثير من المدرسين. تركت العمل في مجال التعليم بسبب توقفه بشكل كامل وإخلاء القرى والبلدات من سكانها نتيجة القصف غير المسبوق. كنا نحصل على راتب شهري قدره مئتي دولار، من خلال عقد لدعم المدارس من قبل منظمة سورية ريليف. وبعد النزوح الكبير الذي شهدته معظم قرى وبلدات ريف حماة الشمالي والغربي، توقف التعليم في المدارس. حالياً، يعاني المدرسون بسبب أوضاعهم المادية الصعبة بعد توجههم إلى مخيمات النزوح والقرى والبلدات الحدودية. لاحقاً، استأجرت منزلاً لي ولعائلتي بقيمة 15 ألف ليرة سورية (نحو 29 دولاراً). بدأت تتوضح معالم صعوبات كبيرة وتكاليف معيشية كثيرة. صرت أبحث عن عمل لتحصيل قوت يومي وسد حاجة عائلتي. وبعد عناء، وجدت عملاً في معمل لبيع ألواح الجليد، وكانت مهمتي استلام كمية منه وبيعها من خلال سيارة أجوب بها أحياء البلدة والبلدات المجاورة. ولا يتجاوز بدل عملي اليومي ألف ليرة سورية (نحو دولارين)، لكن لا بديل عن ذلك بعدما فقدت وظيفتي حالي حال الكثير من الزملاء".

أما ماجد العبد اللطيف، وهو مدير مدرسة الثانوية في قرية الحواش في سهل الغاب في ريف حماة الغربي، فيقول لـ "العربي الجديد": "نحن الموظفين في سلك التعليم في المناطق المحررة بشكل عام نجبر على تأمين فرص عمل خلال فصل الصيف، أو في حال النزوح. المنظمات المانحة والداعمة للتعليم لا تعترف بالحالة الميدانية التي أجبرت المدرسين على ترك المدارس، ولا حتى إيقاف العملية التعليمية بقرار من مديريات التربية، بل تمنح المستحقات المالية فقط في حال الدوام، ما يشكل عبئاً كبيراً بالنسبة لنا. بعد نزوحي وعائلتي إلى ريف جسر الشغور في ريف إدلب الغربي بسبب التصعيد الأخير والخطير على منطقة سهل الغاب في ريف حماة الغربي، وترك العمل مدرساً في الفترة الحالية بسبب إغلاق المدارس وتعليق التدريس، لم أعد أملك خيارات كثيرة لتأمين لقمة عيشي. نطالب بالنظر بحال المدرسين والتعامل معهم على أنهم تركوا التدريس لأسباب قسرية وليس بإرادتهم. كنا نطالب المنظمات المعنية العمل على تأمين منح مالية لنا ولو بشكل قليل حتى نتمكن من تأمين مستلزمات النزوح. آلاف المدرسين يعانون الأمر نفسه، ويعملون الآن في مهن مختلفة مثل الزراعة والصناعة والمحلات التجارية والأعمال الحرة، لتأمين قوت عائلاتهم. ويجب وضع حلول فورية لهذه المعضلة".



إلى ذلك، يقول مدرس التربية الإسلامية من بلدة الهبيط عكرمة الضبعان، الذي شارف على إتمام عامه الخمسين، إنه أجبر على النزوح من بلدته نحو ريف إدلب الشمالي. يضيف أنه لا يحزن على ما حل به وعائلته بقدر حزنه على ما حل بتلاميذه هذا العام. ويقول لـ "العربي الجديد": "نحن ندرس منذ سنوات وحققنا جزءاً من مرادنا. لكن ماذا سيحل بهذا الجيل الذي خسر عاماً دراسياً كاملاً. في مناطقنا، لم يستطيعوا إكمال تعليمهم وهذا يؤثر عليهم". تجدر الإشارة إلى أنّ واقع المدرسين في الشمال السوري لا يقل صعوبة عن واقع آخرين في مناطق إدلب وريفها (عدد السكان 4.7 ملايين نسمة)، في ظل تردي الأوضاع المعيشية، وتراجع دعم المنظمات الإغاثية والإنسانية مع استمرار حركة النزوح.