هل يُجبر 2350 تلميذاً من الحضانة حتى الثانوية العامة على البقاء في منازلهم؟ هكذا تساءل أولياء الأمور في مدرسة "راهبات القلبين الأقدسين" في كفرحباب – غزير قضاء كسروان، في جبل لبنان (وسط)، بعدما أبلغت إدارتها الأهل عبر رسائل نصية أنّها ستقفل أبوابها نهائياً أمام تلاميذها بدءاً من اليوم الثلاثاء، بعدما حالت الأزمة الاقتصادية دون استطاعة الإدارة دفع رواتب المعلمين عن شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. لكنّ المدرسة عادت عن قرارها في ساعاتٍ متأخرة من ليل الإثنين، مؤكدة أنّ نجاح مفاوضاتها مع لجنة الأهل أفضى إلى معاودة التعليم.
ورغم إعلان المدرسة عن نجاح مفاوضاتها، أضرب المعلمون عن العمل صباح اليوم، ولم تفلح محاولات إقناعهم بفك الإضراب، ما أبقى التلاميذ أسرى الانتظار في صفوفهم لساعاتٍ، بذريعة أنّ "المعلمين في اجتماع مع رئيسة المدرسة".
ودفع إضراب المعلمين ببعض التلاميذ إلى مراسلة ذويهم ليأتوا إليهم "فلا مدرسة اليوم" وانطلقوا ينشدون كلمات من الانتفاضة اللبنانية الجارية حالياً: "هيلا هيلا هيلا هو... المدرسة مسكّرة (مقفلة) يا حلو".
وفي متابعة للمستجدات، تبيّن أنّ إدارة المدرسة راسلت الأهل من جديد بعد ظهر اليوم لتبلغهم بأنّ "يوم غدٍ (الأربعاء) سيكون يوماً تعليمياً اعتيادياً". بدوره، أكد مصدر مطلع لـ"العربي الجديد، فضّل عدم ذكر اسمه، أنّ "الأمور ذاهبة إلى الحلحلة بعدما ضخّت الرهبنة العامة للقلبين الأقدسين الأموال لتسيير عملية دفع رواتب المعلمين الذين يبلغ عددهم 220، والموظّفين الإداريّين الذي يبلغ عددهم 50، علماً أنّ 70 في المائة من الأهل قد سدّدوا الأقساط المتوجبة على أبنائهم وبناتهم".
أحد أولياء الأمور الذي فضّل عدم ذكر اسمه، يروي لـ"العربي الجديد" ما يقاسيه عموم الأهل "من حرقة على أبنائهم وعلى عام دراسي ما زال قيد البحث، فلا فكرة لدينا عمّا إذا سيكون يوم غدٍ يوم تعليم عادي أم أنّنا دخلنا مرحلة المجهول". يتساءل: "ماذا عن مصير تلاميذ الشهادات الرسمية؟ ماذا عن الأرباح التي تجنيها هذه المدرسة ومدارس القلبين الأقدسين عموماً، والتي تُحفظ في صندوق مشترك للاستعانة به عند الحاجة؟ فأين هي هذه الأموال اليوم؟ وهل يجوز أن يبقى أولادنا بلا عِلم في حين أنّ جميع مدارس القلبين الأقدسين تواصل التعليم، وتعطي كذلك دروساً أيام السبت لتعويض فترة التعطيل التي ترافقت مع انتفاضة 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019؟".
تابع: "يدنا على قلبنا، فلقد ائتمنّاهم على أغلى ما نملك، على أبنائنا وبناتنا، ومن المعيب أن نصل إلى هذا الوضع. أين ضمير المعلمين وأين حرصهم على رسالة النور والمعرفة وتنشئة الأجيال؟". وأشار إلى أنّ "مدرسة كفرحباب تُعتبر من المدارس الراقية، وأولياء الأمور بمعظمهم مرتاحون مادياً، والكلام أنّ غالبيّة الأهل لم يسدّدوا الأقساط كلام غير دقيق".
وفي اتصالٍ لـ"العربي الجديد" مع الأمين العام للمدارس الكاثوليكية الأب بطرس عازار، باعتبار المدرسة تابعة للأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية، قال: "ألتزم حالياً الصمت، ولن أدلي بأيّ تصريح إعلامي، ويمكنكم سؤال إدارة المدرسة عمّا يحدث". لكنّ المحاولات العديدة للتواصل مع إدارة المدرسة لم تأتِ بأيّ نتيجة.
من جهتها، تبدي رئيسة اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة في لبنان، لمى الطويل، أسفها لما تشهده مدرسة القلبين الأقدسين في كفرحباب "علماً أنّ المدارس الخاصة راكمت أرباحاً هائلة منذ عام 2011، وعندما استحقت سلسلة الرتب والرواتب التي أقرّتها الحكومة اللبنانية لزيادة رواتب المعلمين، اختفى ذلك الصندوق الأسود، أي صندوق أرباحهم. فهل فعلاً تعاني الإدارة من أزمة؟ وماذا عن المعلمين الذين كان بعضهم ضدّ التعطيل الدراسي أثناء الانتفاضة الشعبية وباتوا اليوم هم من يعطّلون العام الدراسي؟ فليهدأوا قليلاً".
أضافت: "نحن طبعاً لا نقبل المسّ بحقوق الأساتذة ورواتبهم، فهم في النهاية لديهم عائلاتهم والتزاماتهم، لكنّ أهل التلاميذ يعيشون هذه الظروف الصعبة، وكنّا كاتحاد قد دعونا الأهل إلى تسديد الدفعة الأولى فقط، أي ما قيمته 30 في المائة، من القسط الدراسي للعام الماضي، بانتظار إقرار موازنة السنة الحالية والتي تتمّ عادة خلال شهر يناير/ كانون الثاني". وشدّدت على أنّ "أيّ كلام من قبل لجنة أهل المدرسة المذكورة عن تحفيزات وحسومات بما قدره 10 في المائة للأهل الذين يبادرون إلى الدفع اليوم هو كلام مرفوض، لأنّه يأتي قبل إقرار الموازنة والتي يجب أن تكون موازنة تقشفية تراعي الظروف العامة".
وفي السياق نفسه، أكّدت معلمة مادة التربية الوطنية في المدرسة غادة قسطنيان لـ"العربي الجديد" أنّ "ما حصل اليوم أمر خاطئ تتحمّل مسؤوليته الأطراف كافة من الإدارة إلى المعلمين والأهل. فالإضراب حق مشروع ونحن كمعلمين كنّا قد عقدنا يوم أمس (الاثنين) جمعية عمومية أعلنّا خلالها الإضراب بالإجماع يومي الثلاثاء والأربعاء (أي اليوم وغدًا)، لكن انعدام التنسيق أدّى إلى ما شهدناه من بلبلة وفوضى في صفوف التلاميذ والأهل".
وإذ تكشف أنّ "المسألة قد تمّت معالجتها والمدرسة ستفتح أبوابها أمام تلاميذها بدءاً من يوم غدٍ (الأربعاء)" تقول: "لقد اجتمعنا اليوم كمعلمين مع الرئيسة العامة للرهبنة الأخت برناديت رحيّم التي وعدتنا بدفع مستحقاتنا للشهر الفائت عبر دفعتين خلال الشهر الحالي (ديسمبر)، ونحن ملء الثقة بهذه المؤسّسة التي تفي بالتزاماتها دوماً، وأنا معلمة فيها منذ 36 عاماً ولم تغفل يوماً عن تحصيل حقوق المعلمين والتلاميذ".
وكانت وسائل التواصل الاجتماعي قد ضجّت منذ ليل أمس بهذا القرار "المفاجئ والمحزن"، كما وصفه بعض الأهل والناشطين، إذ اعتبروا أنّه "مؤشّر خطير لما وصلت إليه الأمور في لبنان من استفحالٍ معيشي ومن انعدام المسؤولية والشعور بمعاناة الأهل، لا سيّما أنّ مدرسة القلبين الأقدسين تابعة لرهبانية القلبين الأقدسين التي تضمّ نحو 30 مدرسة منتشرة في مختلف المحافظات اللبنانية".
كذلك، جرى التداول أمس بأنّ إدارة المدرسة خصّصت مبلغ مليون ليرة لبنانية (660 دولاراً أميركياً بحسب السعر الرسمي) فقط راتباً لكل معلم، مهما بلغت درجاته ومهما كانت المرحلة الدراسية التي يمارس المهنة فيها، بعدما كانت قد أكدت لهم منذ نحو عشرة أيام أنّه سيجرى دفع رواتبهم كاملةً، ما دفعهم لتعليق الدروس.