الأزمة التي يتخبّط لبنان بها لم توفّر أيّ قطاع أو فئة، وهو ما دفع الجهات الفرنسية المعنية إلى تقديم دعم للمدارس اللبنانية المعتمدة من قبلها وكذلك الشريكة، فيتمكّن تلاميذها من استكمال تعليمهم.
أنشأت السفارة الفرنسية لدى لبنان صندوق مساعدات من أجل تعليم التلاميذ غير الفرنسيين المسجَّلين في المدارس المعتمدة من قبل وزارة التربية الفرنسية والشباب والرياضة أو شريكة وكالة التعليم الفرنسي في الخارج، وذلك في إطار خطة الطوارئ التي وضعتها فرنسا للمدارس وأعلنت عنها بشكل مفصّل عبر صفحتها الرسمية على "فيسبوك". وأوضحت السفارة في بيان أنّ هذا التدبير استثنائي يغطّي حصراً السنة الدراسية 2020 - 2021، وتشرف عليه إدارة التعاون والعمل الثقافي التابعة للسفارة الفرنسية لدى لبنان. أمّا التلاميذ الذين يتابعون تعليمهم في مدارس مرتبطة باتفاقية مع وكالة التعليم الفرنسي في الخارج، فلا يستفيدون من التدبير الأخير نظراً إلى توفّر تدبير خاص بهم.
يفيد مصدر في السفارة الفرنسية "العربي الجديد" بأنّ "المبلغ المالي الذي سيُخصّص لدعم المدارس المشمولة بالتدبير لم يحدَّد بعد، وثمّة دراسة مالية تُعَدّ في كلّ مدرسة لتحديد حاجات التلاميذ ومقدار المساعدة لكلّ واحد منهم". ويوضح أنّ "53 مدرسة ستسفيد من المساعدات، سبع منها معتمدة من قبل وزارة التربية والشباب والرياضة الفرنسية و46 شريكة لوكالة التعليم الفرنسي. وتلك المساعدات تطاول 60 ألف تلميذ، أي ما يقارب 10 في المائة من تلاميذ المدارس الخاصة في لبنان". ويعتمد التدبير المذكور على أربعة عناصر، هي قروض من دون فائدة، ومساعدة طارئة للأسر غير الفرنسية في المدارس الشريكة (فترسل المدارس طلبات العائلات على أن تدير السفارة الفرنسية معالجة الملفّات والأموال)، دعم محدّد للمدارس المعتمدة، وتوفير الخبرة لمساعدة الشبكات والمدارس في مراجعة نموذجها الاقتصادي.
وتبعاً للتدبير الاستثنائي الذي يُعَدّ جزءاً من خطة دعم المدارس المسيحية الناطقة بالفرنسية في الشرق الأوسط، تُرسَل طلبات الدعم إلى إدارات المؤسسات التعليمية ذات الصلة التي ستعمل بدورها على إحالة الطلبات ذات الأولوية على إدارة التعاون والعمل الثقافي في السفارة الفرنسية لدى لبنان حتى 31 يوليو/ تموز الجاري، على أن تدرس السفارة الطلبات في شهرَي أغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول المقبلَين قبل أن تعطي الإجابات المرتبطة بكلّ مدرسة في خلال سبتمبر، علماً أنّ قراراتها ذات سيادة ولا يمكن استئنافها. كذلك ستوفَّر المساعدة للمدارس المسؤولة عن إبلاغ أسر التلاميذ المعنيين. تجدر الإشارة الى أنّ لبنان يحتلّ المرتبة الأولى في العالم لجهة عدد التلاميذ الذين يدرسون وفق المنهج التعليمي الفرنسي، بحسب تصريح أدلى به السفير الفرنسي لدى لبنان برونو فوشيه لوكالة "فرانس برس".
تواصلت "العربي الجديد" مع عدد من الأهالي الذين يتابع أولادهم تعليمهم في مدارس تطبّق المنهاج الفرنسي، فأشاروا إلى أنّ كلّ إدارة مدرسة على حدة بعثت برسالة إلى الأهالي تطلعهم فيها على المستندات اللازمة والاستمارات الواجب ملؤها ورسالة الدعم المطلوبة للاستفادة من المساعدات المالية، مشدّدة على وجوب أن تكون كاملة حتى لا يردّ الطلب. بالنسبة إلى بعض الأهالي، ثمّة صعوبة لإتمام الإجراءات المطلوبة باللغة الفرنسية، فمن بينهم مَن لا يتقن هذه اللغة. أمّا آخرون فقد فضّلوا إفساح المجال أمام العائلات الأكثر حاجة إلى الاستفادة من المساعدات المالية.
تخبر إحدى العائلات "العربي الجديد" أنّ رسالة وصلت الى أهالي التلاميذ ما بين الروضة الأولى والصف الخامس الأساسي للسنة الدراسية 2020 - 2021، تنصّ على أنّه "بالإشارة إلى البريد الإلكتروني الصادر عن السفير الفرنسي لدى لبنان بتاريخ الثالث من يوليو/ تموز الجاري وبرنامج الدعم الاستثنائي الذي يهدف إلى تغطية الأقساط المدرسية بشكل كامل أو جزئي، نشدّد على الأهالي ذوي الصعوبات المادية أن يتقدموا بطلباتهم في مهلة أقصاها يوم الجمعة (أمس) الواقع في 17 يوليو/ تموز. أمّا المستندات المطلوبة لكلّ ملف، فهي إفادة بالراتب الحالي، وإفادة قرض (في حال استفادة العائلة من قروض)، وإفادة تسجيل في المدرسة، وسند إيجار (منزل عائلة التلميذ)، آخر سند من القرض، تصريح بالضرائب، شهادة تسجيل في الجامعة (إذا كان لدى العائلة أولاد في الجامعة)، شهادة طبية (لأفراد العائلة المرضى)، صورة عن رخصة المركبة الآلية، وثائق تثبت الأعباء المادية الأخرى". أضافة الرسالة أنّ "هذه المساعدة طارئة واستثنائية وغير قابلة للاسترداد وسيتمّ دفعها بالليرة اللبنانية".
في السياق، يقول الأمين العام لاتحاد المدارس الكاثوليكية في لبنان، الأب بطرس عازار، لـ"العربي الجديد"، إنّ "عدد المدارس الذي كان مهدداً بالإقفال وصل الى 100 مدرسة تقريباً من أصل 330 بفعل الصعوبات التي تعانيها البلاد وتردّي الأوضاع الاقتصادية والنقدية. لكنّ المبادرات المحلية والدولية دفعتنا الى التريّث في أيّ خطوة نريد الإقدام عليها ونحن لا نرغب في الوصول إليها في الأساس لولا الظروف الراهنة، إذ إنّ أيّ انتكاسة أو انهيار يصيبان القطاع التعليمي يؤدّيان إلى انهيار لبنان ككلّ على المستويات كافة". ويلفت عازار إلى أنّ "الخوف الأكبر لدينا يتمثّل في تداعيات الأزمة على المدارس، لا سيّما تلك المهددة بالإقفال والتي تنتشر خصوصاً في المناطق النائية، إذ إنّ إغلاقها سوف يؤدّي إلى تداعيات سلبية كثيرة، أبرزها ديموغرافياً مع ترك الأهالي مناطق سكنهم حيث المدارس، وكذلك طبقياً، مع العلم أنّنا لن نقبل أن تتحوّل مدارسنا الجامعة التي تستقبل كلّ الطبقات الاجتماعية إلى صروح تضمّ فقط أبناء الطبقة الميسورة. ومن شأن إقفال المدارس أن ينتج كذلك أزمة اجتماعية كبيرة، لأنّ كثر سيفقدون عملهم، سواء أكانوا مدرّسين أو مستخدَمين أو أشخاصاً يتعاملون مع المدرسة بطريقة غير مباشرة. والأهمّ برأيي هو فقدان لبنان صفته كوطن الرسالة والعيش المشترك، فنجد أنفسنا أمام تقوقع على الذات".
يضيف عازار أنّ "المدارس الكاثوليكية أعلنت منذ بداية السنة الدراسية المنصرمة (2019 - 2020) أنّ لا زيادة على أقساط السنة التي سبقت (2018 - 2019)، علماً أنّ الموازنة تتألّف من نسبتَيْن؛ الأولى تشكّل 65 في المائة وتشمل رواتب وأجوراً، والثانية 35 في المائة وتشمل القضايا التشغيلية التي انخفضت في السنة الأخيرة إلى 20 في المائة تقريباً للتخفيف من أعباء الأقساط المدرسية. كذلك عمدت المدارس إلى تسهيل طريقة سداد الأقساط ولم تلزم الأهالي بدفعها على ثلاث مراحل، قبل أن تكون انتفاضة 17 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي وبعدها أزمة كورونا وإقفال المدارس وزيادة نسبة التعثّر المالي والاقتصادي والنقدي والمعيشي. بالتالي، بادرت المدارس في شهرَي مايو/ أيار ويونيو/ حزيران الماضيَين إلى مساعدة أهالي التلاميذ والنظر في كيفية حلّ مسألة الأقساط، من دون أن ننسى أنّ المدارس تعتمد على هذا التمويل لسداد رواتب المدرّسين والعاملين فيه". ويشدّد عازار على "ضرورة أن تنظر الدولة اللبنانية بدورها في موضوع الأقساط وتجد الوسائل التي تريح الأهالي وكذلك المدارس".
وإذ يشيد عازار بخطوة السفارة الفرنسية، يوضح أنّ "ثمّة فارقاً ما بين المدارس التي تعتمد اللغة الفرنسية في تعليمها وبين تلك المتوأمة مع فرنسا وتطبّق المنهاج الدراسي الفرنسي وعددها 53، من بينها 25 مدرسة كاثوليكية". تجدر الإشارة إلى أنّ البابا فرنسيس الأوّل أرسل في مايو/ أيار الماضي مبلغاً قدره 200 ألف دولار أميركي إلى السفارة البابوية في لبنان من أجل دعم يشمل 400 منحة دراسية، بعدما ازدادت صعوبة ضمان حصول أبناء الشعب اللبناني على التعليم الذي توفّره المؤسسات الكنسيّة، خصوصاً في المدن الصغيرة.
وتعاني العائلات في لبنان من جرّاء أزمة اقتصادية حادة وفوضى في سعر صرف الليرة اللبنانية في مقابل الدولار الأميركي أدّتا إلى تدهور العملة الوطنية وفقدانها أكثر من ثمانين في المائة من قيمتها، في حين خسر الموظفون والعمّال النسبة نفسها من رواتبهم التي يتقاضونها بالعملة الوطنية وفق سعر الصرف الرسمي أي 1515 ليرة للدولار الواحد، فيما لامس سعر الصرف في السوق السوداء عشرة آلاف ليرة للدولار الواحد، ما ساهم في انعدام القدرة الشرائية لدى الناس. ورفعت الأزمة معدّلات الفقر والجوع والبطالة التي جعلت القسم الأكبر من الأهالي عاجزين عن سداد أقساط أولادهم في المدارس الخاصة، في وقت يتوقّع المراقبون تحوّل عدد كبير من التلاميذ في السنة الدراسية المقبلة إلى المدارس الرسمية.