نازحون سوريون، معظمهم من النساء والأطفال، كُتبت لهم النجاة من المعارك الدموية التي جرت بين "قسد" و"داعش" شرقي الفرات، شاءت لهم الأقدار أن يصلوا إلى مخيم الهول، بكلّ ما فيه من أهوال.
أدت المعارك الدموية بين قوات سورية الديموقراطية (قسد) وتنظيم "داعش" شرقي الفرات، في شرق سورية، خصوصاً في منطقة هجين بريف دير الزور، إلى تهجير آلاف النازحين إلى مخيم الهول، لينضموا إلى غيرهم من السوريين والعراقيين هناك. المخيم يشبّهه بعض قاطنيه بالسجن الكبير، نظراً إلى صعوبة الحياة فيه، ومشقة التأقلم مع الظروف القاسية داخله. وبينما قد يكون الاندماج والقبول بحياة المخيم صعباً على كثيرين، فمن المحتوم عليهم أن يمضوا فيه أمداً غير معلوم.
العابر أمام مخيم الهول يرى خلف الأسلاك الشائكة نساء افترشن الأرض يحتضنّ بين أذرعهن أطفالهن، ويحاولن الاحتماء من الهواء البارد بما حملنه من أغطية خلال رحلة النزوح الشاقة وصولاً إلى المخيم. لا يهمّ إن جلسن على التراب وفرض عليهن وعلى الأطفال والرجال المبيت في العراء، في انتظار الحصول على خيمة وبعض الأغذية. فالتوافد إلى المخيم مستمر، وهناك سيارات تقلّ مئات النازحين إليه، ممن ينتظرون المرور على نقطة تفتيش لقوات "أسايش" الكردية، للسماح لهم بالدخول إلى المخيم. وهو عبور لا يعني الخلاص، بل الانضمام إلى آلاف ممن يبيتون في العراء بانتظار الحصول على خيمة.
إعادة افتتاح
مخيم الهول الذي أنشئ على المشارف الجنوبية للبلدة التي أخذ اسمه منها بإشراف المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون للاجئين عام 1991، وجرى تشغيله حينها بالتنسيق مع النظام السوري في محافظة الحسكة، وفر يومها ملاذاً لأكثر من 15 ألف لاجئ من العراق بمن فيهم فلسطينيون طردوا من الكويت إبان حرب الخليج عام 1991. أعيد افتتاحه بعد الغزو الأميركي للعراق كواحد من ثلاثة مخيمات على الحدود السورية - العراقية، وارتبط اسم المخيم بمعاناة آلاف العراقيين الفارين من الموصل وتكريت والشرقاط.
نازحون صغار في شرق سورية (الأناضول) |
في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول 2015 بعد التقدم الذي أحرزته "قسد" عقب معركة الحسكة ضد تنظيم "داعش"، شنت تلك القوات هجوماً على بلدة الهول لتسيطر عليها في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه، وسيطرت معها على المخيم، الذي حوله تنظيم داعش في نهاية عام 2012 إلى سكن لعائلاته الأجنبية، وأعادت "قسد" افتتاح المخيم المهجور منذ عام 2007 بشكل رسمي في 21 إبريل/ نيسان 2016 بعد توسع رقعة معاركها ضد "داعش"، ووصول دفعات كبيرة من النازحين إلى مناطق سيطرتها. كان المخيم حينها يضم 130 بيتاً ويستوعب نحو 200 عائلة. في تلك السنة توجهت "قسد" إلى المنظمات المدنية بهدف تقديم الدعم للنازحين، لتلاقي ترحيباً واسعاً من تلك المنظمات. وفي أواخر عام 2017 بلغ عدد النازحين إلى المخيم قرابة 20 ألفاً، مع استمرار تدفق النازحين إليه، لتشرف عليه قوات "أسايش" التابعة لحزب الاتحاد الديموقراطي (PYD) الذي يشكل أحد المكونات الأساسية في "قسد".
بعد سيطرة "قسد" على الغالبية العظمى من أراضي شرقي نهر الفرات، في المنطقة المعروفة بالجزيرة، أطلقت في منتصف سبتمبر/ أيلول 2018 المعركة ضد آخر معاقل التنظيم في المنطقة؛ بلدة هجين بريف دير الزور. ومع بدء المعارك بحث النازحون مجدداً عن مكان آمن، هرباً من مناطق المواجهات وخطوط التماس بين الفريقين، فكان مخيم الهول الخيار الأول لهم، إذ تعمل منظمات عديدة فيه على تقديم الخدمات للنازحين تحت رقابة المليشيات الانفصالية و قوات "أسايش" التابعة لها، ومن بينها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ولجنة الإنقاذ الدولية، والمجلس النرويجي للاجئين، بالإضافة إلى الهلال الأحمر الكردي.
في نهاية فبراير/ شباط 2019، مع حسم "قسد" المعركة ضد "داعش" لصالحها، بلغ عدد النازحين في مخيم الهول 47 ألف شخص بحسب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دو جاريك، الذي أشار إلى أن 30 ألف شخص ينتظرون نقلهم إلى المخيم. وقال جاريك: "الظروف في المخيم صعبة جداً، لا سيما في مناطق الاستقبال التي تستضيف حالياً الآلاف من الناس، لكن مع عدم كفاية مرافق النظافة والمياه والصرف الصحي، يتزايد خطر تفشي المرض. وللمساعدة في إزالة الاحتقان، يجري بالفعل الآن توسيع المخيم، مع تقديم الخدمات والمساعدات للأشخاص في هذه المناطق".
هكذا يعيشون
أوضاع مأساوية يعيشها النازحون في المخيم، وبالنسبة للوافدين الجدد فالدخول ليس سهلاً، إذ يتحتم عليهم إمضاء أيام في العراء لأسباب أمنية تدعيها "أسايش". مصدر ميداني في المخيم، رفض الكشف عن اسمه، يقول لـ"العربي الجديد": "في الوقت الحالي، فإنّ أعداد النازحين ضمن المخيم تجاوزت 50 ألفاً، معظمهم من بلدات الشعفة، والباغوز، وهجين، والسوسة بريف دير الزور، مع وجود ما يزيد عن أربعة آلاف شخص في العراء ينتظرون التحقيقات معهم والفرز والإجراءات الأخرى التي يتبعها عناصر "أسايش" بالنسبة للخدمات.
يضيف المصدر ذاته: "إنسانياً، الوضع داخل المخيم سيئ جداً، وهناك أطفال ينقلون إلى المستشفيات، بسبب البرد، وسوء التغذية، والأمراض التي تصيبهم خلال رحلة النزوح الشاقة التي قطعوها للوصول إلى المخيم. وفي ما يتعلق بالخدمات، ومنها مياه الشرب، يوضح المصدر أنّ المخيم ليست فيه تجهيزات، ويكشف أنّ مياه الشرب تنقل إلى المخيم بواسطة صهاريج يومياً، وهي صهاريج كافية في معظم الأوقات. وبالنسبة للكهرباء فهي متقطعة التغذية، وفي معظم ساعات الليل يصل تيارها إلى المخيم، مع انقطاعه في معظم ساعات النهار.
من ناحية التعليم، فالخدمات سيئة نسبياً، والاهتمام الأكبر من الجهات التي تشرف على المخيم ينصب على النشاطات، إذ تقدم منظمات وجمعيات نشاطاتها في مجالات الرياضة والرسم والألعاب لساعات فقط كلّ فترة. ويجري تصوير هذه الفعاليات والنشاطات، وترسل إلى الجهات المانحة بهدف استمرار الدعم لا أكثر، مع إغفال جوانب أخرى كثيرة من العملية التعليمية.
استغلال ومناشدات
محمد العربي، عراقي شاءت به الأقدار أن يصل إلى مخيم الهول في سورية خلال فترة توسع تنظيم "داعش" في العراق، فذاق فصولاً من المعاناة في هذا المخيم. ينقل لـ"العربي الجديد" ما يصفه بصورة مصغرة عما يجري داخل المخيم من استغلال للأهالي وتمييز على أساس العرق من قبل "أسايش" والمليشيات الانفصالية الكردية: "ذلّ وإهانة وسرقة وكلّ ما يخطر في البال من أمور سيئة يحدث في المخيم. دائماً ما يدعي المشرفون على المخيم أنّ الأوضاع فيه جيدة، وكلّ شيء على أفضل وجه، لكنّ هذا يبقى محض كلام، فالحقيقة على العكس من ذلك، وليس كلامهم إلا بهدف إبقاء النازحين في المخيم، كي يستمر الدعم".
عن المخاوف التي يمر بها النازحون في المخيم يقول العربي: "الخوف الأكبر لدى الجميع، خصوصاً الرجال هو تهمة الانتماء إلى "داعش" وهي تهمة مسبقة ضد أي شخص يعترض على عمل أسايش في المخيم، ولولا تواجد الأمم المتحدة في المخيم لطاولت الاعتقالات الشبان في المخيم. لا ينتهي الموضوع بالاعتقال فقط إنّما يتوجب على أهالي المعتقلين دفع مبالغ مالية ضخمة لإخراجهم من السجن. و بالنسبة لعمليات التهريب إلى خارج المخيم، فتشرف عليها أسايش مباشرة، إذ يجري التنسيق مع عناصر منهم لقاء إخراج النازحين من المخيم إلى تركيا أو العراق".
مدير الرابطة السورية لحقوق اللاجئين، مضر حماد الأسعد، يتحدث إلى "العربي الجديد" عن الانتهاكات بحق النازحين والممارسات التعسفية لعناصر الاتحاد الديموقراطي بحق الأهالي: "النازحون الذين يؤتى بهم إلى المخيم يصادر عناصر الاتحاد جميع أوراقهم الثبوتية، بالإضافة إلى أموالهم وحليهم. المخيم تحول إلى معتقل كبير... والوضع فظيع فيه". يتابع: "نتمنى من المنظمات الدولية والأمم المتحدة أن تشرف على مخيم الهول أمنياً وإدارياً وإنسانياً. كذلك، نتمنى من المنظمات الدولية أن تتولى بنفسها توزيع المواد الإنسانية، وتشرف على المواد الطبية، لأنّ الأخبار الواردة من المخيم تقول إنّ إدارة المخيم والعناصر التي تشرف على أمنه تسرق المواد الإنسانية والطبية وتبيعها للأهالي. كذلك، على التحالف الدولي الذي يدعم قسد، أن يحمي أهالي المخيم، فهناك انتهاكات فظيعة بحقهم، وقد سجلت 73 حالة وفاة خلال فترة قصيرة جداً داخل المخيم، أغلبها لنساء وأطفال، وذلك بسبب نقص الأدوية، والانتهاكات. هناك أيضاً انتهاكات جنسية بحق الفتيات، وتجنيد إجباري يطاول الكبار والأطفال".