كانت للحروب التي عاني منها العراقيون منها وما زالوا آثارها على صحة المواطنين والبيئة. يقول رئيس "المركز العراقي لحقوق الإنسان"، ياسين العلي، إن "الحروب والصراعات تركت آثاراً واضحة على المجتمع العراقي، وخلّفت أضراراً بالغة". يضيف أن "هناك أكثر من 70 ألف عراقي قتلوا نتيجة الألغام الأرضية منذ ثمانينيات القرن الماضي، بالإضافة إلى مقتل ما يزيد عن 390 ألف معتقل موزعين في السجون الحكومية، وأكثر من 9 آلاف امرأة معتقلة أيضاً، تعرضت غالبيتهن لاعتداءات جنسية".
يضيف العلي، لـ"العربي الجديد"، أنه خلال الحروب المستمرة في العراق، تجاوز عدد الأيتام الأربعة ملايين، نصفهم قتل آباؤهم في محافظات الوسط، علماً أن العدد يتزايد كل يوم، لأن الحرب مستمرة. كذلك، وصل عدد الأرامل إلى ثمانية ملايين (100 أرملة يومياً)".
وتختلف الأرقام بصورة شبه يومية مع زيادة أعداد القتلى والجرحى والأشخاص المعوقين والأيتام والأرامل إلى حد لم تعد المنظمات المدنية قادرة على توثيقها.
من جهة أخرى، فالكثير من هذه المآسي تحدث في مناطق خطيرة لا يمكن الوصول إليها، بحسب مدير مركز "رصد" لتوثيق مخلّفات الحروب حازم الرفاعي. ويوضح: "لم نتمكن من توثيق قصص جميع المفقودين والقتلى والمخطوفين والمعتقلين، كونهم تضرروا في مناطق خطيرة لا يسمح حتى لوسائل الإعلام بالدخول إليها".
يضيف، لـ"العربي الجديد"، أن "هناك أكثر من 3.6 ملايين معوق بسبب الحروب والانفجارات"، لافتاً إلى أن "العدد يزداد كل يوم، بمعنى أن واحداً من كل عشرة عراقيين تقريباً يعانون من إعاقة ما، وهذه كارثة حقيقية".
ولا تقتصر مخلفات الحرب على الإنسان. فلا تكاد تخلو محافظة عراقية من آثار التلوث الناتج عن الحروب المتعاقبة، بدءاً من الحرب العراقية ـ الإيرانية، مروراً بحرب الخليج، وصولاً إلى الحروب والصراعات الداخلية.
في السياق، يكشف الخبير الجيولوجي، عبد القهار الهاشمي، عن حجم التلوث الذي تعرضت له الأراضي العراقية، موضحاً أن "الحروب المتعاقبة خلّفت دماراً كبيراً كان أخطره التلوث الإشعاعي باليورانيوم والألغام الأرضية ومخلفات القذائف والصواريخ والقنابل العنقودية".
يتابع الهاشمي، لـ"العربي الجديد"، أن "1200 كيلومتر من مساحة الحدود العراقية الإيرانية ملوثة بالألغام والقنابل، وأكثر من 3900 تجمع سكاني مهدد بسبب احتمال انفجار الألغام والقذائف، بالإضافة إلى وجود 90 منطقة ملوثة إشعاعياً في جنوب البلاد بسبب اليورانيوم المنضّب الذي استخدمته قوات التحالف إبّان غزو العراق".
ويعرب عن قلقه جراء استمرار هذا التلوث لعشرات السنين، في ظل عدم استقرار الوضع الأمني واستمرار الحروب والصراعات الداخلية، ما يجعل إمكانية معالجة هذا الكم الهائل من التلوث صعبة للغاية.
ولم تسلم المناطق الزراعية والصحراوية من الدمار والتلوث. فقد خسرت البلاد آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية والبساتين خلال الحروب. يكشف المهندس الزراعي، مأمون الزبيدي، عن حجم المساحات الزراعية المدمرة، موضحاً أن "التلوث الناتج عن انفجار القنابل والصواريخ كبير جداً. ولا تكاد مدينة عراقية تخلو من التلوث. فمادة التي أن تي المحرّمة دولياً، والتي استخدمت في العراق، يمتد تأثيرها إلى التربة وبالتالي المزروعات، الأمر الذي يؤثر على صحة الإنسان والحيوان".
يضيف الزبيدي، لـ"العربي الجديد"، أن "هناك أطنان من الآليات الحربية كالدبابات والمدرعات المدمرة، والتي تنتشر في مساحات واسعة من الغابات والأراضي الزراعية والصحراوية. لكن الأخطر هو اليورانيوم المنضب الذي استخدمته القوات الأميركية خلال الحرب والمعارك الداخلية في مختلف المحافظات العراقية، والذي تظهر تأثيراته جلية وواضحة على الإنسان من خلال الولادات المشوهة في مختلف محافظات الوسط والجنوب".
ويرى خبراء استراتيجيون أن الأراضي العراقية تعرضت لتلوث خطير يمكن أن يستمر لملايين السنين، نتيجة استخدام اليورانيوم المنضب في الحروب.
في السياق، يشير الخبير الاستراتيجي، مصعب الحسيني، إلى أن "مساحات كبيرة من الأراضي العراقية تعرضت لتلوث كبير جراء انفجار الصواريخ والقنابل، ما يؤدي إلى تفاعل المواد الكيميائية الناتجة عنها مع التربة وتسميمها، علماً أن التلوث ينتقل إلى الإنسان". ويلفت إلى أن الخطر الحقيقي يتمثل في اليورانيوم المنضب الذي استخدمه الجيش الأميركي خلال اجتياح العراق والمعارك التي خاضها في مختلف المدن العراقية وأبرزها الفلوجة، التي تعرضت لتلوث إشعاعي كبير.
وترتفع معدلات التلوث البيئي الناتج عن الحروب إلى مستويات مخيفة. يشير الخبير البيئي، ممدوح عبد الستار، إلى ارتفاع معدلات التلوث في العراق، مبيّناً أن للتلوث أثر على الإنسان والحيوان والنبات والتربة والهواء. ويلفت إلى أن أكثر من 70 في المئة من الأراضي الزراعية تعرضت للتلوث والتدمير خلال الحروب. وتراجعت أعداد النخيل من 30 مليون نخلة إلى نحو عشرة ملايين، فيما ارتفعت نسبة الوفيات بسبب الإصابة بالسرطان الناتج عن استخدام اليورانيوم المنضب إلى 75 في المئة بعد العام 2003".
ويوضح أن كمية المتفجرات التي في العراق بلغت 300 ألف طن، بحسب التقارير الدولية. لكن هذه المواد المشعة تبقى في الهواء والمياه والتربة آلاف السنين. كذلك، هناك أكثر من 380 موقعاً ملوثاً بالمواد الإشعاعية والمخلفات الحربية، ما يشكل خطراً دائماً على حياة الإنسان".
ولعلّ الحروب الحالية بين تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، والقوات العراقية في عدد من محافظات الوسط، تسببت في تدمير محافظات ومدن بكاملها، وتلويث وتدمير آلاف من المنازل والمؤسسات ومحطات المياه والكهرباء، بفعل عمليات القصف الجوي، بحسب المحلل السياسي مشتاق الدليمي.
يؤكد الدليمي أن "العراق يعاني من تلوث وتدمير على مدار الساعة"، لافتاً إلى أن "الولايات المتحدة تتحمّل المسؤولية الأكبر عمّا جرى ويجري في العراق. وإذا ما توقفت الحرب وانتهى كل شيء، يجب أن تتحمل المسؤولية مع حلفائها لتطهير البيئة العراقية من التلوث الكارثي الذي تسببت به على مدار سنوات الاحتلال الماضية وما تبعها".