لا وجود نظرياً لمدينة وبالأحرى لعاصمة عربية لم يوضع لها مخطط توجيهي، لكن الحقيقة تقال إن مخططاً توجيهياً واحداً لم يتم تنفيذه على نحو مرضٍ، ودوماً كانت تتدخل عناصر متعددة فتقود إلى فشل المخطط، هذا إذا افترضنا أن المخطط الموضوع لا يتضمن ثغرات تحكم عليه بالفشل.
لكن السبب الرئيس يكمن في التدفق البشري الكبير نحو العواصم. منذ مطلع الاستقلالات والحكومات العربية تكلّف مهندسين من مكاتب هندسية دولية أو محلية بوضع مخططات توجيهية، بعد حوالي عام أو عامين حسب سرعة الإيقاع يتم إنجاز العمل، لكن ما إن يتم الشروع بالتنفيذ حتى تتدخل الاعتبارات المختلفة في التأثير عليه. وهكذا يمكن القول إن بعض المخططات التي جرى تصميمها لتشمل العاصمة أو مدينة كبرى اقتصر ما رأى النور منها على جانب جزئي فقط. وهكذا حُكم على التصاميم بالفشل على نحو كلّي أو جزئي.
أكثر من ذلك فقد أطاحت الكثير من المخططات بالعناصر المعمارية الأصلية من دون أن تبني شخصية حضارية ذات عمق وعلاقة بالتراث. والأسوأ من ذلك كله أن التوسع الذي عاشته المدينة تم على حساب تراثها المجتمعي والتاريخي ومجالها الأخضر والمناطق الزراعية الموازية. وعندما حدث التوسع باتجاه الصحراء تم ذلك بعد استنزاف كل ما يمكن استنزافه من مساحات خضراء وتوازن وساحات وخطوط مواصلات وشوارع فسيحة. والحقيقة أن قسماً من القطاع الخاص العقاري لعب دوره في بلوغ ما وصلنا إليه لجهة خلق عاصمة أو مدينة عربية مشوهة. ومعه بات ما هو باق من عمران لا يضم مواصفات ملائمة للسكن والعمل والتنزه، وما هو متوافر فأشبه ما يكون بجزر في بحر متلاطم من المباني الإسمنتية.
العديد من الدول العربية كلفت من أعدّ لها التصاميم اللازمة ووضعتها في أدراج المسؤولين بفعل العجز المادي عن تأمين اللازم. وعليه فقد أعادت الوقائع القاهرة تشكيل المدينة في ظل ضعف وفساد الأجهزة الرقابية. ومعه تحوّلت المواصفات إلى مجرّد بنود مسجلة في التقارير والوثائق لا تجد تطبيقاً لها على أرض الواقع. بالطبع تتباين الصورة نسبياً بين هذه المدينة وتلك. ولكن على الأعم نمت المدن العربية على نحو عشوائي وغير مخطط. وعندما وضعت تخطيطات لتوسعها، كان التضخم العشوائي يسبق المخططات على أرض الواقع.
ونتيجة لذلك معطوفاً على سيل الأزمات المتلاطمة تبخّرت الآمال المعقودة على التصاميم الموضوعة وانفلتت الأوضاع على غاربها، ولم يتبق من المخططات سوى شذرات متفرقة لا تقدم صورة حقيقية للمدينة العربية، ولا مكاناً ملائماً لحياة أبنائها على اختلاف أدوارهم الاجتماعية وفئاتهم الوظيفية ومراتبهم وثقافاتهم.
*أستاذ جامعي
اقــرأ أيضاً
لكن السبب الرئيس يكمن في التدفق البشري الكبير نحو العواصم. منذ مطلع الاستقلالات والحكومات العربية تكلّف مهندسين من مكاتب هندسية دولية أو محلية بوضع مخططات توجيهية، بعد حوالي عام أو عامين حسب سرعة الإيقاع يتم إنجاز العمل، لكن ما إن يتم الشروع بالتنفيذ حتى تتدخل الاعتبارات المختلفة في التأثير عليه. وهكذا يمكن القول إن بعض المخططات التي جرى تصميمها لتشمل العاصمة أو مدينة كبرى اقتصر ما رأى النور منها على جانب جزئي فقط. وهكذا حُكم على التصاميم بالفشل على نحو كلّي أو جزئي.
أكثر من ذلك فقد أطاحت الكثير من المخططات بالعناصر المعمارية الأصلية من دون أن تبني شخصية حضارية ذات عمق وعلاقة بالتراث. والأسوأ من ذلك كله أن التوسع الذي عاشته المدينة تم على حساب تراثها المجتمعي والتاريخي ومجالها الأخضر والمناطق الزراعية الموازية. وعندما حدث التوسع باتجاه الصحراء تم ذلك بعد استنزاف كل ما يمكن استنزافه من مساحات خضراء وتوازن وساحات وخطوط مواصلات وشوارع فسيحة. والحقيقة أن قسماً من القطاع الخاص العقاري لعب دوره في بلوغ ما وصلنا إليه لجهة خلق عاصمة أو مدينة عربية مشوهة. ومعه بات ما هو باق من عمران لا يضم مواصفات ملائمة للسكن والعمل والتنزه، وما هو متوافر فأشبه ما يكون بجزر في بحر متلاطم من المباني الإسمنتية.
العديد من الدول العربية كلفت من أعدّ لها التصاميم اللازمة ووضعتها في أدراج المسؤولين بفعل العجز المادي عن تأمين اللازم. وعليه فقد أعادت الوقائع القاهرة تشكيل المدينة في ظل ضعف وفساد الأجهزة الرقابية. ومعه تحوّلت المواصفات إلى مجرّد بنود مسجلة في التقارير والوثائق لا تجد تطبيقاً لها على أرض الواقع. بالطبع تتباين الصورة نسبياً بين هذه المدينة وتلك. ولكن على الأعم نمت المدن العربية على نحو عشوائي وغير مخطط. وعندما وضعت تخطيطات لتوسعها، كان التضخم العشوائي يسبق المخططات على أرض الواقع.
ونتيجة لذلك معطوفاً على سيل الأزمات المتلاطمة تبخّرت الآمال المعقودة على التصاميم الموضوعة وانفلتت الأوضاع على غاربها، ولم يتبق من المخططات سوى شذرات متفرقة لا تقدم صورة حقيقية للمدينة العربية، ولا مكاناً ملائماً لحياة أبنائها على اختلاف أدوارهم الاجتماعية وفئاتهم الوظيفية ومراتبهم وثقافاتهم.
*أستاذ جامعي