مخاوف من مراقبة الحكومة المصريّة لمواقع التواصل

19 سبتمبر 2014
يعتبر ما كشفه "بازفيد" خرقاً خطيراً للخصوصية (العربي الجديد)
+ الخط -

جدد نفي وزارة الداخلية المصرية، لتقرير صحافي، يؤكد تعاقد الحكومة المصرية مع شركة متخصصة بتقنيات تسمح لها بمراقبة مواقع التواصل الاجتماعي، جدلاً ساخناً حول ملف الخصوصية وحريات المستخدمين.

وقال مسؤول مركز الإعلام الأمني في الوزارة أن "لا صحّة لما تم تداوله بعدد من المواقع الإلكترونيّة منقولاً عن أحد المواقع الإخبارية الغربية حول تعاقد وزارة الداخلية مع إحدى الشركات لمراقبة أنشطة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي"، مؤكدا أن هذا الخبر عارٍ عن الصحة جملةً وتفصيلاً.

وكان موقع "باز فيد" (Buzzfeed) الأميركي، قد كشف أنّ الحكومة المصرية بدأت بمراقبة "فيسبوك" و"تويتر" و"سكايب"، بطريقة غير مسبوقة. وذلك، في تطوّر خطير على صعيد حريّة الإنترنت، وخرق خطير أيضاً لخصوصيّة المستخدمين.

 وعمليّة المراقبة هذه، كما أورد الموقع في خبر حصري أول من أمس، تتمّ عن طريق شركة "رؤية مصر"، شقيقة شركة "بلو كوت" الأميركيّة للرقابة. وتُقدّم الشركة، التي فازت بالعقد الصيف الحالي، للحكومة المصرية إمكانيات غير مسبوقة للإطلاع على بيانات "سكايب" و"فيسبوك" و"تويتر" و"يوتيوب"، وغيرها.

ورغم النفي، لجأ عدد من مستخدمي شبكات التواصل في مصر، لإنشاء حسابات إلكترونيّة وهميّة، بديلة لحساباتهم التي كانوا يُعبّرون فيها بحريّة عن آرائهم من بعد انقلاب الثالث من يوليو/تموز العام الماضي.

وتقول إحدى الصحافيات التي لجأت لحساب وهمي: "إن مناخ الحريّة في مصر يشهد تراجعاً شديداً بسبب التضييقات الأمنية التي بدأت مع منع التجمهر والتظاهر، حتى مراقبة الرسائل والمكاتبات الشخصية بين الأفراد عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، التي كانت بالنسبة لمجموعات واسعة من الشباب المصري منبراً للتعبير عن الرأي بعيداً عن المراقبة الأمنية المستمرة لأماكن التجمعات الشبابية في النوادي وغيرها بل وفي الجامعات".

الصحافية المصرية، التي تعمل كمراسلة لوسائل إعلام أجنبية مختلفة، فضّلت عدم ذكر اسمها، وتضيف: "لقد واجهتُ العديد من المشاكل الأمنية بسبب تواصلي مع مصادر صحافية وصحافيين أجانب، وطالبني عدد من المسؤولين في قطاعات مختلفة في الدولة بعدم مراسلة أي صحف أجنبية أو مجرد الحديث مع صحافيين أجانب حول ما يحدث في الشأن المصري، خاصةً إذا ما كان الحديث حول الانتهاكات الأمنيّة ضد مناهضي الانقلاب".

وتؤكّد باحثة إعلامية بإحدى الجامعات المصرية الخاصة، ترفض ذكر اسمها، إنها اضطرت لوقف استخدام تلك الوسائط المختلفة عندما تأكد لها وفق ما تراه أو تسمعه من أخبار عن المراقبة وعواقبها.

بالنسبة لها فإن "أسلم الطرق للتواصل مع المصادر الصحفية بمختلف توجهاتها هي التواصل الشخصي المباشر لتأمين التعامل، ولضمان أن يكون التواصل بعيدا عن المساءلة القانونية"، إلا أنها ترى في الوقت ذاته "أنه مهما بلغت الرقابة على وسائل التواصل الاجتماعي إلى أعلى المستويات، فإنها لن تستطيع أن تمنع كافة المستخدمين من التواصل عبرها".

ونقل "باز فيد"، عن مسؤول مصري رفض الكشف عن اسمه لحماية منصبه داخل الحكومة: "رؤية مصر تعمل بالفعل مع الحكومة، ولديها علاقات قوية مع أجهزة الأمن الوطني"، قبل أن يضيف: "اختيارهم كان أمراً طبيعياً كما أن نظامهم نال الإشادة". وعلى عكس الماضي، حينما كانت تستخدم مصر أنظمة رقابية تسمح برقابة الشبكات المحلية، فإن "رؤية مصر" ستقدّم للحكومة المصرية حزماً تقنية للتفتيش على نطاق واسع، ويمكنها تحديد الموقع الجغرافي، ومراقبة حركة التواصل على الإنترنت.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة "رؤية مصر"، علي المنيسي، في تصريحات للموقع: "مهمتنا كشركة، إعطاء الحكومة هذا النظام"، مضيفاً: "أقوم بتدريب الحكومة المصرية على كيفية تشغيل النظام وسوف نعطيهم البرنامج". وأكّد أن شركته التي تم تسجيلها في مصر، قدّمت مناقصة للحكومة، من أجل إتاحة خدماتها الرقابية، لكن ليس هناك تصريح يشير إلى قبول هذه المناقصة.

وأوضح المنيسي أن شركته تعاقدت من أجل إعطاء جهاز الأمن المصري هذا النظام، على أن تتولى تدريب مسؤولين حول كيفية تحليل المعلومات التي يتم جمعها من خلال الحسابات البريدية ومواقع التواصل الاجتماعي. وتابع المنيسي، بحسب الموقع "البرنامج، إضافة إلى التدريب الذي قدمناه، يمكن استخدامه في اختراق "واتس آب" و"فايبر" و"سكايب" وأي برامج أخرى مطلوبة" موضحاً أنه يشبه النظام الذي تستخدمه غالبية الحكومات الغربية، ومنها الولايات المتحدة الأميركية.

من جهته، يؤكّد الخبير في الشبكة، محمد كرم، لـ"العربي الجديد"، إمكانيّة تنفيذ التسريبات، من الجانب الفني. ويقول: "مواقع التواصل تتم مراقبتها بالفعل منذ فترة في مصر، والأجهزة الأمنية قامت منذ فترة بالتعاقد مع شركات عالمية متخصصة في مراقبة مواقع التواصل"، مؤكداً أن "هذه الشركات العملاقة تستعين بمخدمات عملاقة لتحليل البيانات الخاصة بالتعليقات والمشاركات لاستخلاص توجهات المستخدمين، وتقوم الأجهزة الأمنية بعدها بتفنيد وتصنيف الناشطين حسب توجهاتهم، وتتخذ الإجراءات المناسبة لكل ناشط".

لكن الخبير في مكافحة القرصنة واختراق المواقع، أحمد صيام، ينفي من جانبه إمكانية تنفيذ الفكرة على أرض الواقع، ويقول: "المخدمات التي تقوم بها الشركات العالمية تحتاج لمعلومات فورية تقوم على أساسها باختراق الحسابات والمواقع، دون ذلك تقوم "اس اس ال" وهو اختصار لبروتوكول حماية نقل البيانات، والمخول عالمياً بحماية سريّة البيانات على المواقع والبريد الإلكتروني برصد عمليات الاختراق، وفصل الخدمة عن الشركة مما يحرمها من مواصلة العمل على شبكة الإنترنت".

لكن صيام يؤيّد فكرة المراقبة: "فقط في حالة الاستعانة بمخدمات داخل مصر، يمكن للشركات العملاقة أن تزوّد الوزارة بها، إلى جانب برمجيات متطورة تمكنها من فرض السيطرة على المستخدمين وتحليل البيانات الخاصة بهم" .
وبحسب "باز فيد"، فإنّ مسؤولين مصريين سبق أن قالوا إن رقابتهم على الإنترنت، ستتركّز على منع وقوع هجمات إرهابية، إلا أن مصدراً داخل وزارة الداخلية تحدث للموقع قائلاً: "العملية الحالية أوسع من ذلك بكثير".

وتابع المصدر "نبحث عن أي محادثة وأي تفاعل، وقد نجد ما يدعو للقلق أو يحتاج مراقبة عن كثب"، وأكمل "اطّلعنا على محادثات بين إسلاميين، أو هؤلاء الذين يتحدثون عن التيار الإسلامي، واطلعنا على المجتمعات التي اعتبرناها مصدراً خطراً". وبخصوص قصده من المجتمعات ذات الخطر، أوضح المسؤول "الفجور أو أفعال جنسية مثلية، والتي نسعى من خلال مراقبتها لحماية مصر.

من جانبه يقول الباحث السياسي بجامعة "دروهام" البريطانية، أحمد تهامي، إنّ "هذه الإجراءات كانت متبعة قديماً، ولكن يبدو أنّ هناك تقنيات جديدة تسمح للحكومة بمراقبة مباشرة أكثر من ذي قبل". ولكنه لم يستبعد، في حديث لـ"العربي الجديد" أن يكون الحديث عن مراقبة شبكات التواصل الاجتماعي من قبل الحكومة المصرية فيه "رسالة تهديد للمواطنين لإلجامهم من الحديث في السياسة".

المساهمون