مخاوف بالأسواق العراقية من تداعيات العقوبات على إيران

10 اغسطس 2018
شظايا العقوبات تطاول معيشة العراقيين (فرانس برس)
+ الخط -

أثارت العقوبات الأميركية التي بدأت واشنطن تطبيقها ضد إيران قلق الأسواق العراقية من تداعيات سلبية محتملة، ولاسيما على التجار وأصحاب رؤوس الأموال والعديد من القطاعات الأخرى.

وأبلغ مسؤول عراقي رفيع في وزارة التجارة في بغداد "العربي الجديد"، أن "إيران باشرت باستمالة التجار الذين يتعاملون معها من خلال الطلب منهم التعامل بالدولار في شرائهم البضائع الإيرانية مقابل تخفيض سعر البضاعة إلى النصف، وهو إجراء تعاملت به منذ أسابيع، لكنه زاد هذه الأيام".

وأضاف المسؤول العراقي، الذي رفض ذكر اسمه، أن "هناك طلبيات عراقية من إيران استعجلت بها قبل يوم الاثنين الماضي مثل السيارات والمواد الإنشائية"، كاشفا عن أن واشنطن ومن خلال مراقبين في سفارتها ببغداد أبلغت رابطة المصارف العراقية بضرورة تنبيه جميع المصارف الأهلية العراقية من مغبة تحويل الدولار إلى إيران كما أنه من المتوقع فرض إجراءات مشددة على سوق بيع الدولار في بغداد تحسبا من تسرب الدولار لطهران".
وأرسلت الخزانة الأميركية كتاباً إلى البنك المركزي العراقي يلزم المصارف العراقية بإيقاف تعاملاتها مع المصارف والبنوك الإيرانية. 

وأكد المسؤول العراقي أن الولايات المتحدة قد تغض الطرف عن بعض الجوانب في تعامل بغداد وطهران، لكن ليس بشكل مفتوح، ومن ذلك ما تم تبليغه للحكومة العراقية حول تعامل شركة سومو النفطية العراقية مع طهران في ما يتعلق بمشاريع تطوير حقل غازي بالبصرة.

ولليوم الثالث على التوالي يرفض تجار ومتعاملون عراقيون قبول العملة الإيرانية من السياح الإيرانيين أو المقيمين بالعراق ويصرون على التعامل بالدينار العراقي أو الدولار فقط، مؤكدين أن الريال الإيراني في هبوط مستمر، ولا يمكن المجازفة بالتعامل معه أو تخزينه.

وتعرض عشرات التجار وأصحاب رؤوس الأموال العراقيين إلى خسائر فادحة خلال الأسابيع الماضية قبل الشروع بتنفيذ العقوبات الأميركية على إيران ممن لديهم ودائع مالية كبيرة في المصارف الإيرانية نتيجة انخفاض قيمة ودائعهم إلى أقل من ربع قيمتها السابقة.

وكشفت مصادر حكومية عراقية أن هناك خططا وضعتها إيران بالاتفاق مع أحزاب وجهات وشخصيات سياسية عراقية تنوي تنفيذها عبر المليشيات المسلحة العراقية التي تدعمها تتضمن استنزاف الدولار من الأسواق العراقية ومحاولة فتح ثغرات خارج إطار القانون الدولي لتخفيف وطأة العقوبات الاقتصادية، وهو ما يثير قلق العراقيين.


وشهدت مكاتب الصرافة وبنوك أهلية خاصة في العراق، أمس، ارتباكا واسعا. وقال عضو رابطة المصارف العراقية ماجد الكعبي لـ"العربي الجديد"، إن ما لا يقل عن 20 شركة مالية أوقفت التعامل بالدولار مع إيران منذ صباح أمس، وفي الغالب تخشى تلك الشركات والبنوك أن تطاولها عقوبات أميركية.

ولفت إلى أن شركات وبنوكا أخرى ما زالت تحاول لكن على نحو أقل وبحذر، مضيفا أن شركات استيراد وتصدير عراقية بارزة أوقفت التعامل مع إيران من بينها الشركة العامة للسيارات وشركة المواد الإنشائية والمنشأة العامة للحبوب التي تشمل القمح والشعير والأرز.

ووصل حجم التبادل التجاري بين بغداد وطهران خلال السنوات الماضية إلى أكثر من 10 مليارات دولار سنوياً.

الخبير الاقتصادي العراقي، باسم جميل أنطوان، أكد لـ "العربي الجديد"، أن القطاع الخاص العراقي سيكون أكثر حرية في التعامل مع إيران من الحكومي على اعتبار أنها عقوبات أميركية وليست دولية".

وأضاف أنطوان: "القطاع الخاص في العراق دخل عمليات شراكة مع إيران لا يمكن فكها أو إنهاؤها سريعا وهناك تعاملات وأموال مشتركة لكن فعليا إيران ستحرم من جزء واسع من السوق العراق".

ومن جانبه، قال مقرر لجنة الاقتصاد في البرلمان العراقي جواد البولاني لـ"العربي الجديد"، إن تنفيذ العقوبات سيخلق قريبا مشكلة في العراق في كثير من السلع المهمة اليومية التي يستوردها من إيران".

ولفت إلى أن الحكومة يجب أن ترفع شعار المصلحة العراقية قبل أي مصلحة أخرى في التعامل مع هذا الملف تحديدا، معربا عن اعتقاده بأن العقوبات الأميركية لن تستمر طويلا كون هناك معادلات جديدة بالمنطقة ستظهر قريبا.

في هذه الأثناء، كشف أستاذ الاقتصاد في جامعة البصرة نبيل المرسومي أن "العقوبات الأميركية على إيران ستكون لها تداعيات محتملة على العراق أبرزها انخفاض ودائع العراقيين في المصارف الإيرانية بسبب تحول سعر الفائدة الحقيقي في إيران إلى السالب نتيجة ارتفاع مستوى التضخم".

وقال المرسومي على صفحته الرسمية في فيسبوك إن "هناك تدفقاً محتملاً للأموال العراقية إلى إيران لشراء بعض الأصول كالمساكن والفنادق والأراضي بسبب انخفاض أسعارها المقومة بالدولار، وستصبح إيران الوجهة المفضلة لأغلب العراقيين بهدف السياحة والعلاج".

وأوضح المرسومي أن ارتفاع أسعار النفط الخام المتوقع عالمياً سينعكس إيجابياً على العراق وسلبياً على إيران ومن المتوقع أن تزداد العمالة الإيرانية المهاجرة إلى العراق ودول المنطقة بسبب تفاقم البطالة في إيران نتيجة العقوبات الأميركية.

وأعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، أن بلاده تقف ضد العقوبات الأميركية على طهران لكن البلاد ستلتزم بها حفاظاً على مصالح العراقيين.

وقال العبادي في مؤتمره الصحافي الأسبوعي الثلاثاء الماضي، إن "العراق ضد العقوبات الاقتصادية الأميركية على طهران لأنه دفع ثمن عقوبات ظالمة طيلة 13 عاماً" في إشارة إلى الحصار الاقتصادي الذي فرضته الولايات المتحدة على العراق خلال التسعينيات.

واعتبر العبادي أن "العقوبات التي فرضت على العراق سابقاً كان هدفها إضعاف النظام السياسي، لكنها أضرت بالشعب العراقي ومزقت المجتمع ودمرت النسيج الاجتماعي، ولم تقض على النظام، بل أصبح أقوى من قبل، وإن فرض العقوبات الاقتصادية على الدول يضعف الشعوب ولا تجوز معاقبة شعب كامل" على حد وصفه.

وتابع العبادي: "لن نتعاطف ولن نتفاعل مع العقوبات الاقتصادية ضد إيران، لكننا سنلتزم بها لأننا لا نريد أن نعرض مصالح العراقيين للخطر".

وتشمل العقوبات الأميركية على إيران حزمتين، تستهدف الأولى حظر التعامل مع طهران من قبل الحكومات والشركات وإيقاف التحويلات المالية بالدولار ومنع شراء العملة الإيرانية أو التعامل بها ويحظر على المصارف إقراض إيران وتمنع طهران من بيع المعادن كالذهب والألومنيوم والحديد، فيما تتبعها حزمة ثانية من العقوبات تشمل قطاعات الطاقة والنقل البري والبحري والمنتجات البتروكيمياوية.
المساهمون