على الرغم من التزام القيادة الإسرائيلية الصمت إزاء الأزمة النقدية التي تواجهها تركيا، والتي وضعها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في إطار "مؤامرة سياسية" و"حصار اقتصادي" لبلاده، إلا أن الكثير من الأوساط في تل أبيب ترى أن هذه الأزمة وتفاقمها يمكن أن تفضي إلى تأثيرات استراتيجية واقتصادية كبيرة على إسرائيل.
فنظرا لأن الأزمة النقدية أفضت إلى حدوث تدهور كبير على العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة، على خلفية اتهام القيادة التركية إدارة الرئيس دونالد ترامب بالإسهام في حدوث الأزمة، فإن هناك في تل أبيب من يحذّر من أن هذا التطور قد يفضي إلى نتائج بالغة الخطورة.
وبعد الحرب الكلامية التي دارت بين ترامب وفريقه والرئيس التركي، والتي تفجرت عشية تهاوي الليرة التركية، حرص المعلق الإسرائيلي، أورن نهاري، في مقال نشره موقع "وللا" على رصد المخاطر الناجمة عن تدهور العلاقة بين أنقرة وواشنطن.
وحذّر نهاري من أن التصعيد في العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة يمكن أن يدفع أنقرة في النهاية إلى ترك حلف شمال الأطلسي "ناتو"، أو على الأقل تجميد أنشطتها فيه بشكل رسمي أو عملي؛ حيث يحذّر من أن مثل هذا التطور سيفضي إلى التأثير على موازين القوى في الممرات المائية المؤدية إلى البحر الأبيض المتوسط، بشكل لا يخدم مصالح تل أبيب، لأنه سيقلص من تأثير الحضور العسكري الأميركي في البحر المهم لإسرائيل.
ولفت إلى أنه عندما يتحول سلاحا البحرية والجو التركيان إلى قوتين "غير صديقتين" للولايات المتحدة، فإن تأثيرها سيتقلص، الأمر الذي يحسّن من مكانة القوى غير المريحة لإسرائيل في هذا البحر، لا سيما روسيا.
إلى جانب ذلك، فإن نهاري يحاجج بأن تعاظم الخلاف بين أنقرة وواشنطن سيفضي إلى المسّ بالمكانة الإقليمية لإسرائيل، على اعتبار أن هذا التطور سيقلص من تأثير روافع الضغط والتأثير التي تملكها واشنطن حاليا على تركيا، وهذا سيجعل السياسات الخارجية التي يتبناها الرئيس أردوغان أكثر عدائية لإسرائيل.
من ناحية ثانية، لفت المعلق الإسرائيلي الأنظار إلى أن تدهور العلاقات التركية الأميركية على خلفية الأزمة المالية الحالية قد يفضي إلى المسّ بقدرة واشنطن على مواجهة إيران عسكريا، لا سيما برنامجها النووي، وهو ما يمثل أحد أهم المصالح الاستراتيجية لتل أبيب.
لكن التداعيات الاستراتيجية السلبية التي يمكن أن تواجهها إسرائيل من جراء الأزمة النقدية التي تواجهها تركيا لا تتوقف عند هذا الحد، بل إنها تهدد فرص استفادة تل أبيب من احتياطات الغاز في تحسين مكانتها الجيوإستراتيجية.
ونظرا لأن تدشين أنبوب ينقل الغاز "الإسرائيلي" إلى أوروبا عبر المياه الإقليمية لليونان مكلف من ناحية اقتصادية بشكل كبير، إلى جانب أن تدشينه يتطلب مرور الكثير من الوقت، فإن إسرائيل، رغم خلافها مع أنقرة، تراهن على أن يتم نقل "غازها" إلى القارة العجوز عبر تركيا من خلال أنبوب ينقل الغاز من حقول الإنتاج بشكل مباشر، مع العلم أن هذا الأنبوب سيكون قصيرا نسبيا وأقل كلفة من الأنبوب عبر مياه اليونان، علاوة على أن القدرة على تأمينه أكبر.
لكن صحيفة "غلوبس" الإسرائيلية قد حذّرت، اليوم، من أنه في أعقاب تفجّر الأزمة النقدية، فإن قدرة تركيا على الإسهام في تدشين الأنبوب ستتراجع إلى حد كبير.
من ناحية ثانية، فإن الأزمة النقدية يمكن أن تقلص الاستهلاك التركي من الغاز لأغراض الصناعة، مما يقلص من فرص اندماج إسرائيل في سوق الغاز التركي.
ومن ناحية أخرى، حذّرت صحيفة "كالكيلست" الاقتصادية الإسرائيلية، اليوم، من أن الأزمة النقدية ستزيد من العجز في الميزان التجاري مع تركيا، على اعتبار أن تراجع قيمة الليرة سيحسّن من قدرة السلع التركية على التنافس في السوق الإسرائيلي، مع العلم أن تركيا تورّد لإسرائيل بشكل أساسي الأجهزة والأدوات الكهربائية، والسيارات ومواد البناء.
وهذا التحول سيمثل أخبارا سارة للمستهلك الإسرائيلي، وقد يفضي إلى خفض أسعار الشقق، بسبب تراجع كلفة البناء من جراء تقلص أسعار الإسمنت ومواد البناء المستوردة من تركيا.
وفي المقابل، ترى الصحيفة أن حالة انعدام اليقين السائدة حاليا في أنقرة تقلص من قدرة الشركات الإسرائيلية المنتجة للمشتقات البترولية على التصدير لتركيا.
وتعاني إسرائيل عجزا في الميزان التجاري مع تركيا، حيث إن قيمة الصادرات التركية لإسرائيل تبلغ 4.6 مليارات دولار، في حين تبلغ صادرات إسرائيل لتركيا 3.1 مليارات دولار.