خالف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أحكام المادة 216 من الدستور، والقانون رقم 89 لسنة 2015 بشأن حالات إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية، من خلال إصداره قراراً جمهورياً، اليوم الأحد، بتولي مدير إدارة المهندسين العسكريين السابق، اللواء حسن عبد الشافي، مهام القائم بأعمال رئيس هيئة الرقابة الإدارية، خلفاً للواء شريف سيف الدين، الذي شغل المنصب منذ 30 أغسطس/ آب 2018.
ونصت المادة 216 من الدستور المصري على أن "يصدر بتشكيل كل هيئة مستقلة أو جهاز رقابي قانون، يحدد اختصاصاتها، ونظام عملها، وضمانات استقلالها، والحماية اللازمة لأعضائها، وسائر أوضاعهم الوظيفية، بما يكفل لهم الحياد والاستقلال. ويُعين رئيس الجمهورية رؤساء تلك الهيئات والأجهزة بعد موافقة مجلس النواب بأغلبية أعضائه لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة، ولا يُعفي أي منهم من منصبه إلا في الحالات المحددة بالقانون، ويُحظر عليهم ما يُحظر على الوزراء".
وأطاح السيسي رئيس هيئة الرقابة الإدارية السابق بعد عامين فقط من توليه المنصب، مع تعيينه مستشاراً لرئيس مجلس الوزراء لشؤون مكافحة الفساد "بدرجة وزير" كمكافأة له، وهو ما يخالف نص الدستور، وكذلك قانون إعفاء رؤساء الهيئات الرقابية، الذي يشترط لإقالة رئيس الهيئة "قيام دﻻئل جدية بشأنه على ما يمس أمن البلاد وسلامتها، أو إذا فقد الثقة واﻻعتبار، أو أخلّ بواجبات وظيفته بما من شأنه اﻹضرار بالمصالح العليا للبلاد، أو مصلحة إحدى الشخصيات الاعتبارية العامة، أو فقد أحد شروط توليه منصبه لغير الظروف الصحية".
ومن المقرر أن يؤدي عبد الشافي اليمين الدستورية رئيساً للهيئة أمام السيسي، غداً الإثنين، في مخالفة أخرى للدستور، والذي اشترط موافقة مجلس النواب على قرار رئيس الجمهورية بتعيين رئيس الهيئة. وفض البرلمان دور انعقاده العادي السنوي في 24 أغسطس/ آب الحالي، ومن المقرر أن يستأنف جلساته في الأسبوع الأول من شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
وجاء اختيار السيسي لعبد الشافي في منصب رئيس الهيئة معبراً عن استمرار سياسة اعتماده على قادة الجيش في مثل هذه المناصب الرقابية، إذ كان سلفه سيف الدين قائداً سابقاً للقوات البرية في المؤسسة العسكرية، مع العلم أن هذه المناصب الرقابية تحتاج إلى قاضٍ سابق أو مسؤول ذي خلفية قانونية، لا إلى مهندس عسكري لا يعرف شيئاً عن أعمال الرقابة، أو يملك خبرات في هذا الصدد.
ويشغل نجل السيسي الأكبر، مصطفى السيسي، عضوية المكتب الفني لرئيس هيئة الرقابة الإدارية، حيث يملك نفوذاً واسعاً في الهيئة يُتيح له التوصية ببقاء رئيسها أو تغييره. ومُنحت الهيئة صلاحيات كبيرة منذ توليه الرئيس الحالي منصبه، تشمل إجراء التحريات حول المرشحين للمناصب الوزارية، أو للتعيين في جهاز الدولة، أو للالتحاق ببعض الوظائف ذات الطبيعة الخاصة.
وكان مجلس النواب قد وافق في 26 مارس/ آذار 2017، على قرار السيسي بتعيين صديقه المقرب، اللواء محمد عرفان، في منصب رئيس هيئة الرقابة الإدارية لمدة أربع سنوات، التزاماً بأحكام الدستور، غير أن السيسي أطاح عرفان من منصبه بشكل مفاجئ في نهاية أغسطس/ آب 2018، وعين سيف الدين خلفاً له من دون إعلان الأسباب، في مخالفة صريحة لقانون إعفاء رؤساء الهيئات الرقابية الذي أصدره السيسي نفسه.
وبذلك يرسخ السيسي لمخالفة أحكام الدستور بجعل سلطة تعيين وإقالة رئيس هيئة الرقابة الإدارية "تقديرية لرئيس الجمهورية"، بعد أن كان هذا المنصب محصناً منذ إنشاء الهيئة. واللافت أن عرفان وسيف الدين لا تنطبق عليهما أسباب العزل الواردة في القانون، وإلا ما عُين الأول مستشاراً لرئيس الجمهورية لشؤون الحوكمة والبنية المعلوماتية، والثاني مستشاراً لرئيس مجلس الوزراء لمكافحة الفساد.
وصدر قانون عزل رؤساء الهيئات والأجهزة الرقابية لإقالة الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، المستشار هشام جنينة، من منصبه في عام 2016، بعد فضحه حجم الفساد الضخم في مؤسسات الدولة، لا سيما السيادية منها، وهو ما مثل انتكاسة للمكتسبات الواردة في مواد دستور 2014، ممثلة في التزام الدولة بمكافحة الفساد من خلال منظومة مؤسسية تعتمد على العمل الجماعي المتكامل لأربعة أجهزة رقابية، منحها الدستور الاستقلال الفني والإداري والمالي.
وأوجب الدستور على المشرع المصري منح أعضاء هذه الأجهزة الحماية والضمانات اللازمة لأداء أعمالهم بما يحقق استقلالهم وحياديتهم، وفقاً لقانون ينظم ذلك. كما منح الجهاز الأعلى للرقابة في مصر، وهو الجهاز المركزي للمحاسبات، الرقابة على سلطات الدولة الثلاث من حيث استخدامها للمال العام، غير أن السيسي عمد إلى تهميش دور الجهاز المركزي لصالح هيئة الرقابة الإدارية التي يعمل بها نجله.