مخاطر محاكمة أكراد سورية لـ"الجهاديين" الأجانب

18 مايو 2018
أولوية الأكراد مواجهة تركيا(عمر حج قدور/فرانس برس)
+ الخط -
يواجه أكراد سورية معضلة حقيقية في كيفية التعامل مع آلاف "الجهاديين" الأجانب من تنظيم "داعش" الذين اعتقلوا خلال المعارك في الشمال السوري، وهم تحولوا إلى عبء على الأكراد، إذ إن دولهم لا تريد استردادهم، كما أن "المحاكم" الكردية مختصة بمحاكمة السوريين وليس الأجانب، علماً أن الأولوية لدى "وحدات حماية الشعب الكردية" حالياً هي مواجهة تركيا.

وفي حين يتمنى كثير من الدول الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا، أن تتم محاكمة الجهاديين الأجانب ونسائهم في سورية أو العراق، فإن هذا الخيار لا يخلو من مخاطر في مناطق سيطرة أكراد سورية حيث يُحتجز الآلاف منهم. فهذه المنطقة الواقعة في شمال شرق سورية، لا تزال غير مستقرة، وما من طرف يأبه لمحاكمتهم، كما أن المُتبع هو فرض عقوبات قصيرة بالسجن بحق من يحاكم منهم. وتمر أعداد كبيرة من المتهمين بالمحاربة في صفوف تنظيم "داعش" أمام القاضي الكردي السوري، راشو كنعان، الذي يقع مكتبه في محكمة مكافحة الإرهاب في القامشلي. وحاكم كنعان وزملاؤه أكثر من 800 منهم، جميعهم سوريون. ولكن هل سيتعين عليهم كذلك محاكمة آلاف الأجانب المنتمين إلى نحو 40 جنسية مختلفة، والذين أسرتهم الفصائل الكردية أثناء تقهقر "داعش"؟ لا يبدي كنعان، مثل كثير من المسؤولين الأكراد، حماسة للأمر. ويقول "تعرف أن لدينا عدداً كبيراً جداً من السجناء الآخرين علينا تولي أمرهم". لكن المتحدث باسم "وحدات حماية الشعب" الكردية، نوري محمود، يقول بصراحة إن "كل هؤلاء السجناء الأجانب هم عبء علينا".

وفي حين تحاكم في العراق أعداد كبيرة منهم، لم يخضع جهاديون أجانب للمحاكمة في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في سورية. ويقول محمود "إننا لا نعطي الأولوية لهؤلاء السجناء، بل لتركيا". وكانت القوات التركية شنت هجوماً، منتصف مارس/آذار الماضي، سيطرت إثره على مدينة عفرين في شمال غرب سورية وأنزلت بالأكراد هزيمة قاسية. وفي مجالسهم الخاصة، لا يخفي المسؤولون الأكراد شعورهم بالمرارة بعد أن تخلى حلفاؤهم الغربيون عنهم، وعلى رأسهم الولايات المتحدة التي لم تعترض على الهجوم مراعاة لتركيا.

أما في ما يتعلق بالمقاتلين الجهاديين الأجانب المحتجزين لدى الأكراد، فلم يطالب أي بلد بتسليمهم، عدا عن حالات نادرة، من روسيا وإندونيسيا خصوصاً. إذ تواجه العديد من الحكومات معضلة في التعامل مع الأمر في مواجهة رأي عام معارض لإعادتهم إلى بلادهم. ويقول مدير برنامج "إرهاب" لدى منظمة "هيومن رايتس ووتش"، نديم حوري، إن "الدنمارك وكندا وسويسرا أعلنت استعدادها لاستعادة النساء والأطفال، لكن شرط أن يجري ذلك طي الكتمان". ويعبر المسؤولون الأكراد في جلسات خاصة عن ضيقهم ذرعاً بهذا الوضع. ويقول مسؤول في الإدارة المحلية "لماذا يتعين علينا الاحتفاظ بهؤلاء السجناء الأجانب، وخصوصاً الغربيين، إذا لم تدعمنا بلدانهم في مواجهة تركيا؟". لكن هل يمكن أن يقوم الأكراد بالإفراج عن آلاف الجهاديين الأجانب؟ ينفي ممثل الأكراد في فرنسا، خالد عيسى، ذلك، لكنه يضيف "موقفنا يبقى إعداد ومتابعة هذه الملفات بالتعاون مع سلطات" البلدان المعنية. ولكن هل النظام القضائي المحلي مؤهل وقادر على محاكمة هؤلاء الأجانب؟ يبدي راشو كنعان نفسه شكوكاً حيال ذلك بقوله إنه مختص بمحاكمة "السوريين وليس الأجانب". ويمثل المتهم، أو المتهمة، أمام القضاة مباشرة من دون محامٍ ومن دون فرصة لاستئناف الحكم، وهو سبب آخر يثير سخط عائلات المعتقلين ومحاميهم في الغرب. وتقول "هيومن رايتس ووتش" إن القضاة يصدرون عموماً أحكاماً بالسجن تتراوح بين خمس وسبع سنوات، وهي أحكام يتم تخفيفها بفعل السلوك الحسن في السجن، أو في مناسبات العفو".


وتعتمد السلطات الكردية على العشائر المحلية التي كسب تنظيم "داعش" ولاء بعضها، وتقوم أحياناً بالإفراج سريعاً عن متهمين، حتى في حال ارتكابهم جرائم، بضمانة من عشيرتهم. ويوضح نديم حوري أن "على الأكراد التعامل مع مجتمعهم الذي تشبه مكوناته الفسيفساء"، وبالتالي يقوم النظام القضائي على فلسفة أن "علينا أن نعيش جميعنا معاً. ولذلك ليس أمامنا من خيار غير المصالحة وإعادة بناء المجتمع". ويقول الرئيس المشارك لـ"مجلس قضاة القامشلي"، لقمان إبراهيم، "عندما لا تتوفر للقاضي أدلة، لا يمكنه إصدار حكم". غير أنه من الصعب جمع أدلة ضد الجهاديين، لا سيما النساء وعددهن 600 بينهن عدد كبير من التركيات والروسيات والتونسيات وكل منهن لديها طفلان أو ثلاثة وفق "هيومن رايتس ووتش". و أن شاركت هؤلاء النساء في القتال، لكنهن كن أحياناً ناشطات في "وحدات شرطة تطبيق الشريعة". وفي السنة الماضية، حوكمت 10 نساء أفرج عن نصفهن، وصدرت بحق الباقيات أحكام بالسجن أقل من عشر سنوات، من دون حسبان تخفيف الأحكام، وفق كنعان. ويمثل ذلك تناقضاً صارخاً مع الوضع في الغرب حيث يتم تشديد الأحكام في قضايا الإرهاب، بما في ذلك بحق النساء اللواتي يعتبرن أحياناً مدافعات شرسات عن الفكر المتطرف.

ما الذي يمكن أن يحدث للأجانب الذين يطلق سراحهم بسرعة، وهل يمكن أن تطالب بعض الدول بتسليمهم لإعادة محاكمتهم؟ هنا أيضاً، تحجم الدول المعنية عن الإجابة. ويقول الجامعي المختص بشؤون سورية، فابريس بالانش، إن "الأكراد يمكن أن يستخدموهم لمقايضتهم للحصول على مساعدات من هذا البلد أو ذاك". وقد تفرض على الجهاديين الأكثر خطورة، العقوبة القصوى، وهي السجن لعشرين سنة، مثلما حدث مع البريطانيين ألكسندا آمون كوتي والشفيع الشيخ اللذين كانا ينتميان إلى مجموعة عرفت باسم "البيتلز" واتهمت باحتجاز وقطع رؤوس نحو 20 رهينة. وفي حال الإدانة، يتعين على الأكراد احتجاز الجهاديين لسنوات مديدة. ولكن هل يعرف إن كانت "الإدارة" الكردية ستستمر لسنة، أو حتى لستة أشهر؟ فمنذ سقوط عفرين، يعيش الأكراد السوريون هاجس انسحاب الأميركيين الداعمين الرئيسيين لهم من سورية، وهو ما تطرق إليه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في يناير/كانون الثاني الماضي. ويقول بالانش إنه "في غياب الدعم الأميركي، لن يتمكن الأكراد من الصمود في وجه تركيا، أو أي جيش آخر جيد التجهيز". ما الذي يمكن أن يحدث حينها للسجناء الأجانب؟ لا أحد يعرف، مثلما لا يعرف أحد ما حل بالسجناء الجهاديين الذين كان الأكراد يحتجزونهم في عفرين ومعظمهم سوريون على ما يبدو. هل نقلوا إلى مكان آخر أم أطلق سراحهم؟ لا يزال الأمر لغزاً. ولدى سؤال المسؤولين الأكراد عن ذلك، قالوا إنه ليس لديهم أي معلومات عن الأمر.
(فرانس برس)