يقول مصرفيون واقتصاديون إن خطر نشوب حرب في ليبيا ومخاوف تتعلق بالأمن المائي وكذلك تعثر قطاع السياحة كلها عوامل قد تقضي على موجة إقبال وليدة على السندات المصرية.
فقد اجتذبت مصر موجة من اهتمام المستثمرين الأجانب في الأشهر الثلاثة الأخيرة بفضل تدفق تمويل جديد من صندوق النقد الدولي وبلوغ عوائد إصدارات الدين المحلي قصيرة الأجل نحو 13 في المائة مما يعد من أعلى مستويات العائد في الأسواق الناشئة.
غير أن المصرفيين والاقتصاديين يحذرون من أن إغراء العائد يخفي وراءه اقتصادا ذا احتمالات نمو ضعيفة ومخاطر سياسية شديدة كما أن بورصة القاهرة انخفضت عدة أيام هذا الشهر بسبب مخاوف من التدخل في ليبيا.
وكان مجلس النواب المصري منح الرئيس عبد الفتاح السيسي الضوء الأخضر للتدخل عسكريا في ليبيا.
وربما يؤدي نشر القوات المسلحة في ليبيا إلى زيادة الإنفاق العسكري في وقت يعمل فيه وباء كوفيد-19 على زيادة العجز في الميزانية.
وقالت زينة رزق، المديرة التنفيذية لإدارة أصول الدخل الثابت في أرقام كابيتال: "من الواضح أن حزمة الدعم من صندوق النقد الدولي طمأنت المستثمرين الأجانب وأن هذا هو السبب في تحسن التدفقات من الخارج لكن المقومات الأساسية لا تزال ضعيفة".
وأضافت "الفيروس منتشر والسياحة متعثرة والإنفاق الحكومي، اللازم لتعزيز الاقتصاد، كل ذلك سيزيد الضغوط".
ومما يزيد جو الضبابية أن مصر لم تتوصل حتى الآن إلى اتفاق مع إثيوبيا على تنظيم تدفق المياه في نهر النيل من سد النهضة الذي يهدد موردها الرئيسي من المياه.
وقال حسنين مالك رئيس أبحاث الأسهم في تليمر ريسيرش، إن "المخاطر السياسية تفاقمت".
وفي الوقت نفسه قال محللون إن من المستبعد أن تنتعش قريبا صناعة السياحة التي تمثل ما يصل إلى 15 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. فعلى النقيض من تونس والمغرب لم تتم إضافة مصر إلى قائمة الاتحاد الأوروبي للدول الآمنة في ما يتعلق بمرض كوفيد-19.
وفي الأسابيع الأخيرة شهدت مصر انخفاضا في أعداد الإصابات بكوفيد-19 غير أن دبلوماسيين يقولون إن الإصابات الجديدة لا تزال مرتفعة جدا بما لا يسمح برفع التحذير من السفر إلى مصر في الوقت الحالي.
وقال علاء عقل رئيس غرفة الفنادق المصرية بمنطقة البحر الأحمر إن حركة نقل السياح جوا إلى منتجعات البحر الأحمر في تحسن منذ إعادة فتح المطارات في الأول من يوليو/ تموز غير أن معدلات الإشغال العادية لن تعود قبل شهر مارس/ آذار أو إبريل/نيسان العام المقبل.
وأضاف أن أكثر من نصف الفنادق استأنفت العمل بعد إغلاقها شهرين وأن الفنادق التي لا تزال مغلقة ستعاود العمل على الأرجح بحلول شهر نوفمبر/ تشرين الثاني. ولم يرد البنك المركزي المصري والمركز الصحافي على استفسارات من رويترز.
وتوقعت الحكومة أن يبلغ معدل النمو 3.5 في المائة في السنة المالية 2020-2021 التي بدأت في يوليو/تموز الجاري غير أن وزيرة التخطيط هالة السعيد قالت في مايو/أيار إن النمو قد يتراجع إلى 2 في المائة إذا استمرت أزمة فيروس كورونا حتى نهاية العام.
تداعيات اقتصادية
وافق الرئيس السيسي في مارس/ آذار على خطة تقضي بضخ 100 مليار جنيه (6 مليارات دولار) للحد من التداعيات الاقتصادية بما في ذلك دعم قطاع السياحة وصرف مرتبات العاملين الذين اضطر أصحاب الأعمال لإبقائهم في بيوتهم وكذلك صرف منحة للعمالة غير المنتظمة.
ومع بلوغ احتياطيات النقد الأجنبي 38 مليار دولار أصبحت مصر في وضع مالي أفضل مما كانت عليه في 2011 عقب إطاحة حسني مبارك.
وقد انخفضت الاحتياطيات من مستوى 45 مليار دولار الذي كانت عليه قبل الجائحة غير أن البنك المركزي استطاع دعم العملة المصرية التي تحسنت في يوليو تموز بعد انخفاضها في الشهر السابق ويقول مصرفيون إن هذا التحسن ساعد في تحقيق أرباح لمشتري الديون قصيرة الأجل.
وقال فاروق سوسة الخبير الاقتصادي في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى "غولدمان ساكس" إن "التدفقات كانت بالفعل قرب أدنى مستويات المنحنى مما يعكس عوائد أعلى في الأجل القصير وإمكانية تحسن الجنيه في الأجل القريب الأمر الذي يجعل من تعاملات الاستفادة من فروق أسعار الفائدة بين العملات الأشد إغراء في مصر في الوقت الراهن".
وكان يشير بذلك إلى استراتيجية يقترض فيها المستثمرون بالعملات التي تكون أسعار الفائدة عليها منخفضة واستثمار المال في دول تقدم عوائد مرتفعة.
وقد حققت سندات مصر الدولية أداء أفضل من بعض السندات ذات التصنيفات المشابهة في الأسواق الناشئة مثل السلفادور وسريلانكا منذ إقبال شديد على البيع في مارس/ آذار.
وتظهر بيانات رفينيتيف أن الإصدارات المصرية التي تستحق في 2025 و2027 و2040 تتداول بنحو 12 في المائة أي أقل من المستويات التي كانت عليها قبل جائحة كوفيد-19.
لكن المحللين يقولون إن تدفق ”الأموال الساخنة“، أي الاستثمارات لفترات قصيرة، لا يترجم إلى وظائف جديدة في الاقتصاد الحقيقي وربما تختفي إذا ما تراجعت العملة.
وباستثناء قطاع الطاقة، واجهت مصر صعوبات في جذب استثمارات أجنبية مباشرة وهو ما يعزوه المحللون إلى البيروقراطية وتوسع الشركات المملوكة للقوات المسلحة في قطاعات مختلفة من الأغذية إلى الأسمنت.
وقال رازا أغا رئيس قسم الاستراتيجية الائتمانية للأسواق الناشئة بشركة "ليغال آند جنرال إنفستمنت مانجمنت"، إن "زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة طويلة الأجل (عما هي عليه) سيستلزم تحسن مؤشرات أداء الأعمال والحفاظ على إطار سليم لمؤشرات كلية يمكن التنبؤ بها والاستقرار السياسي".
(رويترز)