مخابز عشوائيّة في تونس

05 يناير 2017
هل يلتزم بالقواعد الصحية؟ (العربي الجديد)
+ الخط -

تنتشر المخابز العشوائية في تونس لتمثّل عبئاً على الدولة وتضرّ بحاملي البطاقة المهنية. القضيّة ليست مستجدّة وتعود إلى أكثر من أربع سنوات، مع نحو 1200 مخبز عشوائي في كلّ أنحاء البلاد. وهذه المخابز تتسبب بخسائر مالية كبيرة نتيجة الإنتاج الوافر الذي يصل إلى ما بين 45 و50 مليار خبزة سنوياً، وهو عدد يفوق حاجة التونسي. ولأنّ عمليّة الإنتاج لا تراعي طاقة الاستهلاك في البلاد، فإنّه يصار إلى إتلاف 900 ألف خبزة يومياً من جرّاء منافسة المخابز العشوائية. وهو ما يكلّف الدولة وأصحاب المخابز خسائر تقدّر بنحو 80 ألف دولار أميركي في اليوم، لا سيّما أنّ القمح الليّن يُوَرّد.

إلى ذلك، لا تلتزم المخابز العشوائية بالأسعار القانونية ولا بالقواعد الصحية، فيما لا تؤمّن التغطية الاجتماعية للعاملين فيها ولا الأجور المحترمة. يُذكر أنّ الحكومة اتخذت جملة إجراءات للحدّ من عمليات الإخلال المُسجّلة في قطاع المخابز، بما في ذلك تكثيف المراقبة الاقتصادية على تلك العشوائية. وقد أدّى ذلك إلى إغلاق عدد منها في بعض الجهات، لكنّه محدود.

صالح عمراني صاحب مخبز عشوائي في تونس العاصمة، لا يرى ضرراً في ذلك إذ إنّ "صناعة الخبز ليست في حاجة إلى بطاقة مهنية أو ترخيص". ويسأل: "هل النسوة اللواتي يصنعن الخبز في البيوت ويبعنه، يحتجن هنّ الأخريات إلى ترخيص؟". ولا يمانع عمراني أن تراقبه وزارة التجارة وتراقب جودة منتوجاته أو نظافة محلّه في أي وقت.

كمال العايشي يوافق عمراني الرأي. هو فتح مخبزاً قبل ثلاث سنوات من دون أيّ ترخيص، "وأوفّر حاجة أهل الحيّ الذي أقطنه، لا سيّما أنّ المنطقة كانت تفتقر إلى مخبز".

لكنّ ارتفاع عدد المخابز العشوائية أثار سخط أصحاب المهنة "القانونيين" الذين نفّذوا وقفات احتجاجية متكررة خلال السنوات الأخيرة. وقد لجأوا إلى الإضراب والامتناع عن صنع الخبز وتوزيعه في فترات عدّة، للضغط على الدولة بهدف تكثيف الرقابة وإغلاق المخابز العشوائية التي أدّت إلى إفلاس عدد منهم.



في هذا السياق، يقول رئيس الجامعة الوطنية للمخابز محمد بوعنان إنّ "المخابز التي تملك بطاقة مهنية وتعمل بصفة منظمة تصل إلى ثلاثة آلاف و200 مخبز، في مقابل 1200 مخبز عشوائي، تنتشر 800 منها في الجهات وتتوزّع 400 داخل العاصمة". ويشدّد على "ضرورة تحرّك السلطات المعنية ومراقبة المخابز التي لا تملك بطاقة مهنية"، موضحاً أنّ "توزيع الطحين على المخابز القانونية يكون وفق إحصائية حول حاجة سكان الأحياء. ونتيجة المخابز العشوائية، يسجّل إنتاج كميات كبيرة من الخبز، بالإضافة إلى تهديد عدد من المخابز المنظمة بالإغلاق من جرّاء أزماتها المالية". ويشير بوعنان إلى أنّ "المخابز القانونية مراقبة، والدولة تفرض عليها عادة الغرامات المالية في حال مخالفتها القانون. أمّا تلك التي تنشط من دون أي ترخيص، فلا تخضع لأيّ مراقبة". ويستغرب "صمت الهياكل الرسمية تجاهها على الرغم من أنّ الأمر معلوم من قبل الجميع".

علي محمد صاحب مخبز قانوني، يقول إنّ "هياكل الرقابة الصحية تراقبنا باستمرار، ونحن نتقيّد بالقانون سواء تعلّق الأمر بالأسعار أو بوزن الخبز أو بالقواعد الصحية". لكنّه راح يشهد مشاكل في عمله وتراجعاً في بيع خبزه، قبل ثلاث سنوات، بعدما فُتح مخبز عشوائي بالقرب من منطقته". يضيف أنّه "على الرغم من تحرّك الغرفة النقابية لأصحاب المخابز أكثر من مرّة، إلاّ أنّ الأمر بقي على ما هو عليه".

تتكرر مطالب أصحاب المهنة بالتصدي للمخابز العشوائية، لكنّ ذلك لم يؤدّ إلى أي نتيجة، بل استمر تزايدها. وهو ما جعل الغرفة النقابية الجهوية لأصحاب المخابز في تونس العاصمة، تهدّد بالدخول في إضراب قطاعي في الجهة في 28 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بعد عدم التوصل إلى حلّ حول مختلف المشكلات العالقة والتي أضرت بالقطاع. لكنّها ألغت الإضراب بعد انعقاد جلسة مع سلطة الإشراف، وعدت خلالها بحلّ أزمة المخابز العشوائية.

كذلك، تطالب الغرفة الجهوية بضرورة تفعيل قرار وزير التجارة الصادر في 22 يونيو/ حزيران 2016 المتعلق بصنع الخبز وبيعه، لوضع حدّ نهائي لتفاقم ظاهرة المخابز العشوائية. فهي بالنسبة إلى الغرفة، تمثّل منافسة غير شريفة وتهدّد ديمومة القطاع واليد العاملة فيه. يُضاف إلى ذلك ما يمكن أن يلحق من أضرار بالمستهلك، من جهة عدم احترام المواصفات المطلوبة في صنع الخبز. وقد نصّ القرار المُشار إليه سابقاً، على أنّه يتعيّن على كل المحلات غير المتحصلة على بطاقة مهنية لخباز، عدم صنع وعرض وبيع أصناف الخبز في شكل أو حجم أو مواصفات الخبز الصغير، وعدم اعتماد تسمية مخبز على واجهات محلاتها.

من جهته، كان عضو المكتب التنفيذي لـالاتحاد الجهوي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، رازي بربوش، قد أشار إلى تشكيل لجنة تضمّ ممثلين عن وزارة التجارة والاتحاد لوضع حدّ لتفاقم ظاهرة المخابز العشوائية، وتأطير مزيد من أعوان المراقبة الاقتصادية.