22 نوفمبر 2024
محور حلب صنعاء
قد يكون العنوان غريباً، ولا يمت إلى واقع الحال بصلة، ولا سيما أن المدينتين، حلب وصنعاء، على طرفي نقيض سياسي في عالم عربي بات مقسّماً إلى محاور، لا يجمع بينها شيء. غير أن المنتمين إلى هذه المحاور، وعوا، السبت الماضي، أو على الأقل انتبهوا قليلاً، أن هناك جامعاً أساسياً بينهم، هو دم الأبرياء الذين يسقطون هنا وهناك، ويشكّلون وقود الحروب المستمرة على الأرض العربية.
باسم مظلومية الأبرياء تستعر المعارك؛ والتي لا يذهب ضحيتها إلا الأبرياء أنفسهم، وهو ما كانت، ولا تزال، محاولة التغاضي عنه تشكل جزءاً أساسياً من الاصطفافات الشعبية خلف هذا المحور أو ذاك. فبعد الغارة على دار العزاء في صنعاء؛ والتي راح ضحيتها عشرات المدنيين، خرج محسوبون على المحور الذي يقود الحرب على الحوثيين، ليبرّر أو يلتمس الأعذار لمنفذيها، تارة بأنها كانت تضم قيادات حزبية حوثية، وطوراً بأن الحرب تشهد عموماً مثل هذه الأحداث. على المقلب الآخر، كانت الصورة مختلفةً عبر تغريدات وصور وعناوين طنانة لإدانة الجريمة. لا اختلاف مطلقاً على الإدانة، الواجبة بالطبع، غير أن المشكلة تكمن في كيل الجرائم بمكاييل متعددة. وهذا الأمر ينطبق على الطرفين.
النصرة لحلب المدمرة التي تنزف أهلها أساسها أن أبرياء يدفنون تحت أنقاض المنازل التي يقصفها نظام بشار الأسد وحلفاؤه من الروس والمليشيات. ووفق هذا المعيار، كان من المفترض النظر إلى ما حدث في صنعاء، طالما أن الجامع هو الدماء المدنيّة التي تسال على الأرض. التنديد في هذا المجال هو جزء من التصالح مع الذات، وعدم التخندق بشكل أعمى خلف متاريس ومحاور عربية ودولية، ولا سيما أن عناوين الديمقراطية وحقوق الإنسان هي التي تحكم الاصطفاف في معركةٍ ضد انقلاب الحوثيين وعلي عبد الله صالح في اليمن. وبالفعل، كانت هناك أصوات ليست قليلة، محسوبة بأنها داعمة للمعركة، علت لانتقاد الجريمة وإدانتها. حتى التحالف العربي الذي يقود المعركة أقر ضمنياً بخطيئة الغارة، وأعلن فتح تحقيق، بمساعدةٍ دولية، للوقوف على حقيقة ما جرى.
لكن الغريب هو في الذين دانوا المجزرة، وتباكوا بحرقةٍ على الضحايا من باب حقوق الإنسان نفسه، غير أن جفونهم لا ترفّ وهم يرون مشاهد الدمار والقتل الآتية من حلب. لم تحرّك صورة الطفل الراقد تحت الأنقاض أي مشاعر أسى على الضحايا، على الرغم من أن الإنسان واحد، سواء كان في حلب أو صنعاء. والجريمة أيضاً واحدة، طالما أنها تستهدف نفوساً بريئة غير ضالعة في الحرب التي يتم تبرير كل شيء باسمها. تستحق هذه النفوس أيضاً الوقوف إلى جانبها، وهي المحاصرة بالقتل والدمار، ومحرومةٌ من القوت والماء والدواء. وتستأهل كلمات مواساة أو بيانات إدانة، بدل محاولات التبرير الكثيرة التي يقوم بها المحسوبون على محور سورية - إيران - روسيا، من إعلاميين ونشطاء. أسهل هذه المبررات هو التشكيك بالصور الكثيرة التي ترد من حلب، وغيرها من البقاع السورية التي تعيش المصير نفسه. كان لصور الأطفال الخارجين من تحت الأنقاض نصيب كبير من هذا التشكيك والاتهام بالفبركة، حتى وإن جاءت بعدسات وكالاتٍ عالمية. نتذكّر جيداً كل ما قيل عن صورة عمران، وهو في سيارة الإسعاف، واتهام المسعفين بوضع سيناريو المشهد ومؤثراته. هذا الحال لا يقف عند الناشطين والإعلاميين، بل هم عملياً صدى لتبريرات الأنظمة، الروسية والسورية والإيرانية، التي لم تخرج يوماً لتتحدث عن "خطأ" ما حدث وأدى إلى سقوط أبرياء، فما تفعله هو "الصواب بعينه" الذي يفضح همجيتها.
إذا كانت الإدانة واجبةً لما حدث في اليمن، وهي واجبة فعلاً، فما يحدث في سورية يستحق أيضاً القدر نفسه من التنديد، فالدفاع عن الحق في الحياة من المفترض أن يكون جامعاً من حلب إلى صنعاء.
باسم مظلومية الأبرياء تستعر المعارك؛ والتي لا يذهب ضحيتها إلا الأبرياء أنفسهم، وهو ما كانت، ولا تزال، محاولة التغاضي عنه تشكل جزءاً أساسياً من الاصطفافات الشعبية خلف هذا المحور أو ذاك. فبعد الغارة على دار العزاء في صنعاء؛ والتي راح ضحيتها عشرات المدنيين، خرج محسوبون على المحور الذي يقود الحرب على الحوثيين، ليبرّر أو يلتمس الأعذار لمنفذيها، تارة بأنها كانت تضم قيادات حزبية حوثية، وطوراً بأن الحرب تشهد عموماً مثل هذه الأحداث. على المقلب الآخر، كانت الصورة مختلفةً عبر تغريدات وصور وعناوين طنانة لإدانة الجريمة. لا اختلاف مطلقاً على الإدانة، الواجبة بالطبع، غير أن المشكلة تكمن في كيل الجرائم بمكاييل متعددة. وهذا الأمر ينطبق على الطرفين.
النصرة لحلب المدمرة التي تنزف أهلها أساسها أن أبرياء يدفنون تحت أنقاض المنازل التي يقصفها نظام بشار الأسد وحلفاؤه من الروس والمليشيات. ووفق هذا المعيار، كان من المفترض النظر إلى ما حدث في صنعاء، طالما أن الجامع هو الدماء المدنيّة التي تسال على الأرض. التنديد في هذا المجال هو جزء من التصالح مع الذات، وعدم التخندق بشكل أعمى خلف متاريس ومحاور عربية ودولية، ولا سيما أن عناوين الديمقراطية وحقوق الإنسان هي التي تحكم الاصطفاف في معركةٍ ضد انقلاب الحوثيين وعلي عبد الله صالح في اليمن. وبالفعل، كانت هناك أصوات ليست قليلة، محسوبة بأنها داعمة للمعركة، علت لانتقاد الجريمة وإدانتها. حتى التحالف العربي الذي يقود المعركة أقر ضمنياً بخطيئة الغارة، وأعلن فتح تحقيق، بمساعدةٍ دولية، للوقوف على حقيقة ما جرى.
لكن الغريب هو في الذين دانوا المجزرة، وتباكوا بحرقةٍ على الضحايا من باب حقوق الإنسان نفسه، غير أن جفونهم لا ترفّ وهم يرون مشاهد الدمار والقتل الآتية من حلب. لم تحرّك صورة الطفل الراقد تحت الأنقاض أي مشاعر أسى على الضحايا، على الرغم من أن الإنسان واحد، سواء كان في حلب أو صنعاء. والجريمة أيضاً واحدة، طالما أنها تستهدف نفوساً بريئة غير ضالعة في الحرب التي يتم تبرير كل شيء باسمها. تستحق هذه النفوس أيضاً الوقوف إلى جانبها، وهي المحاصرة بالقتل والدمار، ومحرومةٌ من القوت والماء والدواء. وتستأهل كلمات مواساة أو بيانات إدانة، بدل محاولات التبرير الكثيرة التي يقوم بها المحسوبون على محور سورية - إيران - روسيا، من إعلاميين ونشطاء. أسهل هذه المبررات هو التشكيك بالصور الكثيرة التي ترد من حلب، وغيرها من البقاع السورية التي تعيش المصير نفسه. كان لصور الأطفال الخارجين من تحت الأنقاض نصيب كبير من هذا التشكيك والاتهام بالفبركة، حتى وإن جاءت بعدسات وكالاتٍ عالمية. نتذكّر جيداً كل ما قيل عن صورة عمران، وهو في سيارة الإسعاف، واتهام المسعفين بوضع سيناريو المشهد ومؤثراته. هذا الحال لا يقف عند الناشطين والإعلاميين، بل هم عملياً صدى لتبريرات الأنظمة، الروسية والسورية والإيرانية، التي لم تخرج يوماً لتتحدث عن "خطأ" ما حدث وأدى إلى سقوط أبرياء، فما تفعله هو "الصواب بعينه" الذي يفضح همجيتها.
إذا كانت الإدانة واجبةً لما حدث في اليمن، وهي واجبة فعلاً، فما يحدث في سورية يستحق أيضاً القدر نفسه من التنديد، فالدفاع عن الحق في الحياة من المفترض أن يكون جامعاً من حلب إلى صنعاء.