كأنما حال السوق الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، تحاكي شبيهتها أو جذرها في دولة الاحتلال، وهذا طبيعي بسبب ارتهان هذه السوق لإسرائيل، بموجب بروتوكول باريس الاقتصادي، الذي هو الشق الثاني، المتعلق بحياة الناس، من اتفاقات أوسلو.
فالاحتكارات تضرب السوق الفلسطينية، والسياسة المعتمدة هي نفسها المعمول بها في إسرائيل، وهي حماية الاحتكارات وإغلاق المجال أمام المنافسة التي من شأنها تخفيض الأسعار وكلفة المعيشة، ورفع مستوى الجودة.
وإن كان أمر الأراضي وأسعارها ــ مثلاً ــ عند المحتلين، يتعلق بما يُسمى "دائرة أراضي إسرائيل" التي تتعمد رفع الأسعار؛ فإنه عند الفلسطينيين يتعلق بسوق مشوهة، ترتفع فيها الأسعار دونما مسوّغ اقتصادي.
فعندما تضاهي الأسعار مثيلتها في الأقطار الصناعية والحواضر الناشطة اقتصاديّاً، بينما الضفة الفلسطينية ليست سوى سوق راكدة، ومنطقة محاطة بعوائق التصدير لو أنها أنتجت؛ يكون السياق هو افتعال الغلاء الفاحش في كُلفة الحياة، على حساب الشرائح المتوسطة والفقيرة، التي تُعتصر لحساب المشتغلين المتربحين في السوق العقارية، بيعاً وشراءً وتأجيراً للعقارات. ويسهم هذا السياق، في إرهاق الفلسطينيين ودفعهم الى البحث عن شروط حياة أسهل في الخارج، ولعل هذا هو دافع الافتعال.
فالعقار سواء بالملكية أو بالاستئجار، عالي الكلفة في مدن الضفة، ويتسبب في رفع أسعار السلع لتغطيته على حساب المستهلك، والسلع نفسها محتكرة احتكاراً موصولاً في السوق الإسرائيلية، وعالية الأثمان، وربما لا توجد بقالة في العالم، تبلغ نسبة ربحها، من السلعة الواحدة، ما يزيد عن 60%، الأمر الذي جعل المعوزين يلجؤون الى شراء بعض السلع من سوق الجملة، التي ستكون أخف وطأة نسبيّاً.
المحتلون أنفسهم، يواجهون ضغوطاً اجتماعية تدفع في اتجاه إنهاء الاحتكارات وافتعال الغلاء. ففي رد فعل حكومتهم على هذه الضغوط، أعلن "معهد التخطيط الاقتصادي" في الكيان الصهيوني، عن خطة لتخفيض كلفة المعيشة بنسبة 25% من بين أهم بنودها، إنهاء الاحتكار الحكومي للأرض المنتهبة من الفلسطينيين، وفتح باب المنافسة بين الشركات المنتجة للسلع الغذائية، مع إتاحة المجال للاستيراد الحر لكل أنواع البضائع الغذائية، لمنع احتكارها والتحكم في أسعارها، وتخفيض الجمارك، وإلغائها نهائيّاً بالنسبة لبعض السلع.
ومعلوم أن خطة كهذه، في حال تنفيذها، ستؤثر على هياكل الأسعار في الأراضي الفلسطينية، أي إن من شأنها تخفيض كلفة المعيشة تلقائيّاً، على الرغم من كون الخطة تلبي حاجات اجتماعية إسرائيلية أولاً وأخيراً.
والحق يُقال، إن السلطة الفلسطينية، ووزارة اقتصادها تحديداً، لم تفعل الكثير مما كان في مقدورها أن تفعله، لتخفيض أسعار بعض السلع وفرض رقابة صارمة على الأسعار. فأسعار الدواء مثلاً، تزيد نحو عشرة أضعاف عن مثيلاتها في الجوار العربي، وكذلك أسعار التبغ، وتزيد أسعار المشتقات البترولية من ثلاثة أضعاف عنها في الأردن، الى أحد عشر ضعفاً عنها في مصر.
ويفترض عندما ترتفع الأسعار على هذا النحو في الضفة الفلسطينية، أن تكون الحال الاقتصادية وفيرة الإنتاج وعالية النمو، بينما الأمر عكس ذلك تماماً في فلسطين، وهذا هو الشق الاقتصادي من محنة الاحتلال والحصار!