محمود فؤاد: القطاع الخاص التهم سوق الدواء في مصر

03 نوفمبر 2014
محمود فؤاد، رئيس مركز الحق في الدواء (العربي الجديد)
+ الخط -
1- كيف ترى صناعة الأدوية في مصر؟
مصر لديها تاريخ عريق في صناعة الأدوية، بدأ منذ العام 1933، وتقدمت تلك الصناعة بصورة كبيرة في فترة الستينات. إلا أن الأمر اختلف تماماً منذ فترة التسعينات.

2- ما الذي حدث في هذا القطاع؟
مع بداية التسعينات تم إجراء تغيير جوهري في صناعة الدواء، إذ صدر القانون 202 لعام 1991، الذي بمقتضاه تم إجراء سياسات التكيف الهيكلي أو الخصخصة في قطاع الدواء. وتم إغلاق الباب أمام الشركات العامة لإنتاج واستيراد الأدوية. علماًَ أن الإنتاج المحلي للدواء كان يشكل حوالي 75% من إجمالي حاجة السوق المصرية للدواء.
وقد صدر هذا القانون بغرض فتح الباب الاستثماري أمام الشركات الخاصة. وبالفعل تم تخريب أهم شركة تقوم باستيراد المواد الخام للأدوية، ولم يتبق للشركات العامة مصدر عام للمواد الاولية، مما أدى إلى انخفاض إنتاجية الشركات التابعة للقطاع العام إلى 7% العام الماضي.

3- هل هذا هو سبب غياب العديد من أصناف الأدوية في مصر؟

بالطبع انخفاض إنتاجية القطاع العام من الأدوية شكل سبباً مهماً من أسباب نقص الأدوية في مصر. لكن هناك سبباً آخر يؤثر بصورة أساسية في توفير الأدوية. إذ مع تعاظم دور القطاع الخاص، بدأت الشركات المملوكة لرجال الأعمال بليّ ذراع الحكومة عن طريق وقف إنتاج الأدوية الرخيصة. ووصل النقص في السوق المصرية لأكثر من 800 صنف حالياً. 80% من الأدوية التي فقدت من السوق سعرها أقل من 15 جنيهاً، وهنا ظهرت الأزمة.

4- ما هو موقف الدولة من تلك الممارسات التي يقوم بها القطاع الخاص؟
يكفي أنه لا توجد أي لائحة عقوبات ضد شركات القطاع الخاص المتكاسلة عن القيام بعملها، لمعرفة موقف الدولة.

5- هل هذا يعني أنه هناك احتكار لصناعة الأدوية في مصر؟
لا يمكن أن نتحدث عن احتكار لصناعة الأدوية في مصر، ولا سيما أن مصر لا تنتج الآن الدواء إلا بنسب ضئيلة، كونها أصبحت تعتمد بصورة أساسية على الاستيراد من الخارج. وبالتالي التوصيف الدقيق لما يحصل هو أن الشركات الأجنبية أصبحت تتحكم في أسعار الدواء.

6- لماذا لم يتم إعادة إحياء إنتاج الأدوية في مصر؟
لأن صناعة الأدوية تحتاج إلى مستوى تكنولوجي لا يتوفر في مصر حتى الآن، إضافة إلى حاجة صناعة الأدوية لإنفاق ملايين الدولارات على الأبحاث العلمية. إذ إن الشركات الأجنبية هي التي تستطيع القيام بهذه المهمة وتحاول تعويض ما أنفقته من ملايين من الدولارات على البحث العلمي من خلال رفع سعر الأدوية. وهو ما يدفع العديد من الشركات المحلية لإنتاج ما يطلقون عليه الأدوية البديلة (الجينيريك)، وسنقع قريباً في دائرة الاحتكار لصناعة هذه البدائل أيضاً.

7- لكن توجد العديد من الدول العربية التي بدأت فعلياً في تصنيع الدواء أو في طريقها الى ذلك؟
صحيح، إذ في الإمارات والجزائر، تمت المباشرة في إقامة مدن عالمية لصناعة الدواء. وهو ما يساهم في تقليل تكاليف الطبابة على مواطنيها، ويوفر ملايين من الدولارات.

8- لماذا قدمتم منذ أيام بلاغاً أمام النائب العام ضد وزير الصحة المصري عادل العدوي؟
لنشرح القضية من بدايتها. يعتبر الـ "سوفالدي" الدواء لأكثر الأمراض انتشاراً في مصر، أي "فيروس سي" (الالتهاب الكبدي). وهذا الدواء يشهد طفرة حقيقية في استهلاكه عالمياً، وفي مصر على وجه التحديد، لا سيما أن 22% من الشعب المصري يعاني من "فيروس سي" وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.
ومنذ عام 2009، بدأت الأحاديث عن دواء الـ "سوفالدي"، وحضرنا العديد من المؤتمرات العلمية في ألمانيا. وبالفعل تمت الموافقة علي الدواء من هيئة الدواء والأغذية الأميركية في ديسمبر/كانون الاول 2012. وتم التأكيد حينها على أنه يمكن الوصول إلى نسبة شفاء بمعدل 90% عبر استخدام العلاج الثلاثي (علاج على 3 فترات زمنية) من خلال أدوية: "سوفالدي" و"أنترفيرون" و"ريبافيرون ".
إلا أننا واجهنا العديد من الأزمات بعد ذلك، منها أن سعر الدواء وصل إلى 14090 جنيهاً للعبوة. بمعنى أن المريض الذي سيحصل على علاج من 3 عبوات يحتاج إلى 45 ألف جنيه. ومن يحتاج لـ 6 عبوات سيتكلف 90 ألف جنيه.
ومن هنا طلبنا من الحكومة المصرية ممثلة في وزارة الصحة أن تنشر بنود عقد الاتفاق مع شركة "جلياد" الأميركية المصنعة للدواء. وجاء الرد أن الشركة الأميركية باعت الدواء لمصر بـ 1% من سعره العالمي.
إلا أننا اكتشفنا بعد ذلك إن هذا الجواب غير حقيقي، وأن هناك فساداً في الصفقة برمتها، إذ اعتمدت وزارة الصحة على تلزيم استيراد الدواء بالأمر المباشر لخمس شركات دون أن تعلن أسباب الاختيار أو العروض التي تقدمت بها هذه الشركات.
ولا تنتهي الأزمة عند حد السوفالدي. بل هناك الكثير من شبهات الفساد التي سنفتحها قريباً، وجميعها مرتبط بسياسات الصحة والتداوي في مصر.
ومن أول الملفات التي سنعلن عنها قريباً تورط وزارة الصحة مع ثلاث شركات أجنبية منها شركة "نوفو"، حيث تم إخفاء دواء الانسولين الذي يحتاجه 9 ملايين مريض مصري مصابون بمرض السكري، وذلك بهدف رفع سعره. بمخالفة للعقود المبرمة مع وزير الصحة عادل العدوي، والتي تقضي بتوفير الدواء لفترات طويلة.

9- هل من أمور أخرى مرتبطة بالدعوى؟
نعم، إذ ما دفعني إلى تقديم بلاغ للنائب العام، هو الترويج للعلاج الثنائي للفيروس سي. وهو علاج على دفعتين: العلاج الأول يمتد 6 أشهر، والثاني 3 أشهر. إذ اكتشفنا أن الهيئة الأميركية للدواء، تقول إنه لا توجد تجارب ودراسات وأبحاث تؤكد على فاعلية العلاج الثنائي. وأن الأمر يتطلب المزيد من الدراسات. وأوصت الجمعية الأوروبية للكبد بالتوصية ذاتها، وقالت "لا يوجد شيء اسمه علاج ثنائي"، وأن ما يجب القيام به هو توفير العلاج الثلاثي الذي تحدثنا عنه سابقاً.
فوجئنا أن وزارة الصحة المصرية فتحت الباب أمام العلاج الثنائي، ما يهدد حياة ملايين المصريين. لاسيما أن العلماء حذروا من تحوّل الفيروس نتيجة الخضوع للعلاج الثنائي. ولذلك اشترطت وزارة الصحة على المرضى توقيع إقرار بمسؤوليتهم عن تلقي العلاج على مرحلتين. ما يعني أن المرضى تحولوا إلى فئران تجارب.

10- ما هي المخالفات الأخرى التي وقعت بها وزارة الصحة؟
مخالفات عديدة يندرج معظمها تحت بند التضليل والتعتيم والاتجار بمرضى فيروس سي. فمثلاً أعلنت الوزارة أثناء توقيع عقد الصفقة مع الشركة الأميركية، أن مصر ستحصل خلال أيام على 225 ألف جرعة من "سوفالدي" لعلاج نحو 58 ألف مريض. ثم أعلنت الوزارة أنها حصلت على أعلى نسبة تخفيض في سعر الدواء في العالم. ثم قامت بتسعير الدواء للبيع الحر بـ 14940 جنيهاً، وقالت إنها ستقوم بالعلاج فى معهد كبد. ثم فتحت موقعاً رسمياً للجنة القومية للمرض، فقام أكثر من مليون مريض بتسجيل أسمائهم وتكبدوا تكاليف التحاليل بمبالغ تفوق الـ 2000 جنيه. رغم أن معظم مرضى فيروس سي يتركزون فى المحافظات الأفقر في مصر، وهذه التكاليف تفوق إمكاناتهم المادية.
ثم حدث العكس، فقامت الوزارة بتأجيل الموعد الذي حددته سابقاً للبدء في العلاج مرتين، إلى أن بدأ توزيع العقار الأسبوع الماضي. أما المفاجأة فكانت تصريح وزير الصحة بأن ما تمتلكه الوزارة هو 50 ألف جرعة فقط، أي العلاج لـ 14 ألف مريض.
وهنا ظهرت الحقيقة، بأن وزارة الصحة خدعت المرضى، خصوصاً بعدما انتشرت أخبار تقول إن الشركة لن تنتج أي كميات جديدة من السوفالدي، إلا بعد مايو/أيار 2015. وأن العقد الذي وقعته الحكومة المصرية لا يتضمن أي شرط جزائي ضد الشركة.
وقدمنا للنائب العام ملفاً فيه ما يزيد عن 11 مستنداً يؤكد وجود فساد في الصفقة التي أبرمت بين وزارة الصحة وشركة جلياد الأميركية. إضافة إلى ذلك طالبنا بالتحقيق في ما يتردد عن أن شركة جلياد قدمت وثيقة تأمين لكل طبيب من هيئة علاج فيروس سي بمبلغ مليون دولار، وخصوصاً أن ذلك يثير المزيد من الشكوك والريبة حول الصفقة، مع حالة التعتيم عن نتائج التجربة في ما يتعلق بالعلاج الثنائي، والتي تم اجراؤها على 100 مريض تناولوا عقار السوفالدي الثنائي في مصر خلال الايام الأخيرة الماضية.

11- ماذا عن ظاهرة الغش في الأدوية؟
قالت إحدى أكبر الصحف الأميركية المتخصصة في مجال الصحة "كريستيان ساينس مونيتور"، في تقرير لها، إن مصر تخطت النسبه العالمية للغش الدوائي من 7% إلى 10%. وهذا يساهم في تقويض القطاع الذي بلغت مبيعاته 33 مليار جنيه وبنسبة نمو وصلت إلى 11%، وباستثمارات بلغت 680 مليون جنيه لعام 2013. وتهريب الدواء ظاهرة موجودة دولياً، إلا أنها انتشرت جداً في مصر في السنوات الأخيرة.

12 - ما هي أسباب انتشار الغش الدوائي لهذه الدرجة؟
هناك العديد من أوجه التقصير، التي تؤدي إلى ذلك. أهمها أن الدولة ما زالت تعتبر غش الدواء كغش أية سلعة أخرى، بحيث يتم فرض عقوبة بقيمة 5000 جنيه فقط. إضافة إلى وجود صيدليات تبيع أدوية غير مسجلة ولا نعرف مصدرها. وتوجد مخازن للأدوية، وصل عددها إلى نحو اربعة آلاف مخزن غير خاضع للرقابة الفعلية. كذلك لا يوجد كوادر متدربة من الصيادلة أو وزارة الصحة لاكتشاف الدواء المغشوش، ما يعرض حياة المصريين للكثير من المخاطر.

13- ما هو حجم الإنفاق الصحي في مصر؟
وفقاً لتقرير البنك الدولي، فإن 73% من المصريين ينفقون على الطبابة من مداخيلهم الخاصة، يحتل منها بند الدواء 38% وهي نسبة أعلى من الأردن ولبنان وغيرها.
المساهمون