محمود الشريف.. موسيقى المهمّشين

02 أكتوبر 2018
(محمود الشريف)
+ الخط -
لم تلق تجربة الملحّن المصري الراحل محمود الشريف (1912 -1990) الذي تصادف اليوم ذكرى ميلاده، الكثير من الدرس والاهتمام خلافاً لمجايليه الذين انشغلوا بتجديد الموسيقى العربية، وقد شاركهم الهاجس نفسه ضمن رؤية تعتبر الفن أداة أساسية للتغيير الاجتماعي.

تشكّل وعي صاحب لحن "على شط بحر الهوى" في حي باكوس الشعبي في الإسكندرية، وكان منحازاً لابن مدينته سيد درويش في ضرورة خروج الفن وتمرّده على الظلم السياسي والقهر الاجتماعي وعلى القوالب التقليدية السائدة معاً، فلحّن في بداياته العديد من المونولوغات الناقدة مثل "حمودة فايت يا بنت الجيران" الذي أداه محمود شكوكو.

نشأ الشريف في بيت أحد مشايخ الطرق الصوفية حيث رافقه طفلاً إلى حلقات الذكر في مسجد العجمي، ثمّ تلقّى تعليمه على يد الشيخ درويش الحريري حيث حفظ المقامات، ودرس بعد ذلك العود على يد جورج طاتيوس ومحمد فخري، قبل أن ينتقل للعمل مع عدد من الفرق الإسكندرانية كفرقة الجزايرلي وفرقة فوزي منيب، والتي جاب معها قرى مصر ونجوعها.

أثّرت هذه الانطلاقة على خيارات صاحب "أوصفولي الحب"، والذي أراد أن يقدّم أغنية شعبية تعكس الوجدان الجماعي للناس وترتبط بالأرض وبمفردات الحياة اليومية وأحلام البسطاء وعاداتهم وتقاليدهم، لتجمعه الصدفة بداية الأربعينيات بعبد الغني السيد (1908 – 1962) عندما شاركا سوية في في ليالي رمضان في "إذاعة يافا" في فلسطين.

غنّى السيد أغانٍ كثيرة من ألحان الشريف منها "على الحلوة والمرة"، و"الأبيض الأمارة"، و"يالي بعادك طال"، و"إيه فكر الحلو بيه". وعلى ذات الإيقاعات والمضامين، التقى أيضاً مع المطرب كارم محمود في أكثر من أغنية منها "عطشان يا إسكندرية".

بموازاة ذلك، التقى بمحمد عبد المطلب الذي تعاون معه في العديد من الأعمال التي تقترب من هموم طبقة الفقراء والمهمّشين من دون ان تكون أغانٍ فولكلورية، ومن أبرز هذه الألحان "أداري وأنت مش داري"، و"يا بيعني وأنا شاري"، "وأنا مالي"، و"معاد حبيبي"، و"ودع هواك"، و"يا أهل المحبة"، وما بيسألش عليه أبداً"، و"بياع الهوى".

شُغف الشريف بالمسرح الغنائي كونه أهم وسائل التعبير عن المهمّشين والفقراء، ولمّا كان هذا الفن في طريقه إلى الاندثار مع تراجعه في الثلاثينيات، فقد فشل في محاولاته الحثيثة لتكوين فرقة مسرحية غنائية أو الإعداد لعمل مسرحي غنائي متكامل يحقق طموحاته حتى رحيله لأسباب متعددة.

رغم ذلك قدّم بعض الأعمال المسرحية التي تستند أساساً إلى رؤيته في تطوير الأغنية الشعبية، حيث أخرج له فؤاد الجزائرلي أوبريت "القاهرة في ألف عام"، وشاكر في تأليف ألحان "أوبريت من مصر" التي أخرجها زكي طليمات، ولم يُكتب النجاح له في استكمال عمليْن مسرحييْن هما "مهر العروسة" مع محمد عبد الوهاب، وكذلك "هدية الإثنين".

ابتعد الشريف من دوائر الإعلام والسلطة، وعاش حياته مؤمناً بمثل ومبادئ قادته إلى شبه عزلة منذ منتصف السبعينيات رفضاَ لسياسات السادات الاقتصادية لم ينجز خلالها سوى أعمال معدودة، وقد دوّن في مذكراته "اعتزلت التلحين بعدما بدأ الانفتاح يأخذ طريقة ويتغلغل في الواقع المصري، مفسداً أشياء كثيرة، مشوّهاً القيم والمفاهيم والثوابت والأغنية المصرية من بينها، فآثرت ألا أقع في مصيدة السقوط الذي أصاب مسار الأغنية...".

المساهمون