الكتابة عن محمد منير كالخوض في حقل أشواك، فللمطرب المصري الستيني شهرة طاغية وجمهور يدافع عنه بالحقّ والباطل، ومجرد الحديث عن منير بأسلوب فيه انتقاد، يبدو أمراً غير مقبول لدى ملايين من عشّاقه، الذين يلقّبونه بـ "الكينج" أي الملك، ولا يكترثون لغيابه المتكرّر مؤخّراً، ولا لتغيّر طبقة صوته بفعل تقدّم السنّ، وغيرها من الأمور التي لها علاقة بعاداته الشخصية.
لكنّ الانتقاد أمر مطلوب، والفنان الذي لا ينتقده أحد لا بدّ أنّه مات أو قرّر الاعتزال، بينما منير حيّ يرزق، أمدّ الله في عمره، ولم يقرّر الاعتزال، وإن قرّر الانزواء بعض الشيء، يغيب أحياناً ويعود فجأة.
بعد غياب أكثر من عامين يعود محمد منير بأغنية جديدة، يهديها للجيش المصري في ذكرى الاحتفال بانتصارات أكتوبر، وبينما الأغنية عادية ولا يمكن مقارنتها أبداً بإنتاج المطرب الأسمر، إلا أنّها ترافقت مع حملة إعلامية مكثّفة ومتواصلة، ليس لكون مطربها "متحيّز"، وفق عنوان الأغنية، ولكن للترويج لها، وهو أمر بات معتاداً في الوسط الفنّي في السنوات الأخيرة.
ظلّ منير سنوات طويلة يغنّي بلسان الشعب الفقير المحروم، وكان هذا ما يميّزه بين أقرانه من النجوم الكبار، وظلّ سنوات طويلة يغنّي للفقراء في حفلات شعبية في ساحات واسعة زهيدة التكلفة، إلى جوار حفلاته في المنتجعات والقاعات الفخمة المخصّصة للطبقة الراقية.
لكنّ منطق الأمور هو التغير، ومنير إنسان له أغراضه وأخطاؤه، وليس ملاكاً منزّهاً عن الخطأ.
عندما قامت الثورة في مصر كانت أغنيات منير قاسماً مشتركاً، وكان صمت منير عن التضامن مع الثورة أو دعم نظام مبارك مفهوماً، بينما كثيرون غيره تورّطوا في التحيّز لطرف على حساب الآخر.
وقدّم منير أحد أبرز أغنيات الثورة المصرية، بعنوان "ازاي"، التي كتبها نصر الدين ناجي، ولحّنها أحمد فرحات، بينما تداول مدوّنون ونشطاء إلكترونيّون لاحقاً، أنباء تؤكد أنّ أغنية "ازاي" كان مقرراً أن تسجّل بكلمات مختلفة وبصوت منير، لصالح حملة ترشيح جمال مبارك، نجل الرئيس المصري السابق لانتخابات الرئاسة، لكنّه عدّل في كلماتها عقب الثورة، وسجّلها وطرحها لتكون إحدى الأغنيات الثورية.
وبينما لم يتمّ تأكيد المعلومة أو نفيها، إلا أنّ من ردّدوها أكّدوا أنّها وردت على لسان مؤلّف الأغنية نصر الدين ناجي نفسه، والذي التزم الصمت وقتها.
وفي أغسطس/آب 2011، وبينما كانت الثورة المصرية قويّة وصوتها هو الأعلى، أعلنت شركة "أرابيكا ميوزيك" للإنتاج الفنّي أنّها تمكّنت - بعد مفاوضات استمرت لأكثر من عام - من التعاقد مع محمد منير على إنتاج وتوزيع ألبومه الغنائي الجديد، الذي يضمّ عشر أغنيات جديدة تتناسب مع أحداث الثورة المصرية، وتواكب التطورات التي تمرّ بها المنطقة العربية.
وبينما تُنسب "أرابيكا ميوزيك" دائماً للمنتج اللبناني محمد ياسين، إلا أنّ الرائج أنّه شريك فيها مع الشاعر المصري نبيل خلف، ما يجعل الشركة، وفقاً لتقارير صحافية مصرية متعدّدة، "مجرد ستار لغسيل أموال وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي الذي يخضع للمحاكمة حالياً"، كون "خلف" أحد المسؤولين الإداريين الكبار السابقين في الوزارة.
ونفى محمد ياسين كثيراً أيّ علاقة بين الشركة وحبيب العادلي، بينما أنكر نبيل خلف مراراً أنّه شريك في "أرابيكا ميوزك"، لكنّ وثائق نشرتها الصحف المصرية وقتها، أثبتت أنّ ابنه الممثّل شادي خلف هو شريك في الشركة، بينما نشرت صحيفة "الوفد" المصرية نقلاً عن شرطي سابق أنّ الشركة مملوكة ظاهرياً لمحمد ياسين، بينما هي في الواقع ملك لوزير الداخلية السابق حبيب العادلي.
ويتولّى الترويج لأغنية "متحيّز" مؤلّفها أيمن بهجت قمر، ولأيمن قصة مشابهة، فهو مؤلف أغنية "ريسنا"، التي غنّتها المطربة شيرين عن مبارك قبل أيام من ثورة أطاحت به، وهو نفسه الذي قال في حوار مع برنامج "360 درجة" إن علاء مبارك عاتبه في أغنية "لا باظت ولا خربت" فردّ عليه أنّ من الضروري أن يكتب أحد عن المشكلات القائمة، ثم قال لاحقاً في برنامج "الديكتاتور": يبدو أنّهم لم يفهموا الأغنية أصلاً (قاصداً النظام السابق). قبل أن يعتبر اليوم الذي كتب فيه أغنية "ريسنا" يوماً "مشؤوماً"، ويقول إنه كان ضدّ عصر مبارك، وضدّ كل ما جرى فيه، لأنهم "أساءوا لسمعتنا كلنا".
وكان لأيمن حوار شهير مع الإعلامية منى الشاذلي قبل الثورة يتحدّث فيه عن مناقب مبارك، وفيه قال أيمن إنّ من يحبّون مبارك ليسوا منافقين، وأنّه لا يجب أن يكون معارضاً للرئيس حتى يكون شخصاً محترماً، خاصة أنّه "شخص حقّق نفسه ولا يريد شيئاً من مبارك".
ويوم 31 يناير/كانون الثاني 2011، وبعد يومين فقط من "جمعة الغضب"، قال أيمن بهجت قمر لقناة "الحياة" إن "مبارك مظلوم ومفترى عليه"، قبل أن يقرأ على الجمهور قصيدة مؤثّرة بعنوان "رئيسي العزيز"، اعتبر فيها أنّ الحزب الوطني الحاكم وقتها، هو السبب في كلّ كوارث مصر"، وكأنّ هذا الحزب كان معارضاً لمبارك، أو أنّ مبارك لم يكن رئيساً للحزب الوطني.
في القصّة أيضاً مصالح، وصراع كلامي اشتعل بين أيمن بهجت قمر والمطرب عمرو دياب لاحقاً، جعل صفحات إلكترونية تابعة للمطرب الشهير تفضح قصّة شركة استثمارية اسمها "أرابيان رايتس" تمّ تأسيسها عام 2010، وقيل إنها مملوكة لمجموعة من الشعراء والملحنين بينهم الشاعر نبيل خلف، ويشاركه فيها أيمن بهجت قمر، والهدف المعلن منها تحصيل حقوق النشر للشعراء والملحنين، بدلاً من جمعية المؤلّفين والملحّنين المصريّة المعترف بها من منظمة الحقوق الفكرية الـ"ساسيم" في فرنسا.
لكن المفاجأة أنّ "أرابيان رايتس" ترتبط بمجموعة شركات أخرى تمّ تأسيسها في أغسطس/آب 2008 في لبنان، هي "أرابيكا ميوزيك" حيث ضمّت لائحة المساهمين في الشركة "شادي" نجل الشاعر نبيل خلف، وكان مساهماً بـ30 في المائة في أسهم الشركتين، وكذلك شخص يدعى وجدى الشناوي قيل إنّه واجهة للشاعر نبيل خلف.
وقصّة الشاعر نبيل خلف مثيرة للجدل، فقد كان يعمل وكيل أوّل وزارة الداخلية في عهد حبيب العادلي لحسابات الشرطة، وكان منتدباً من وزارة المالية كموظّف مدنيّ بوزارة الداخلية، ويراه البعض متورطاً في جرائم غسل أموال في ظلّ النظام السابق.
العنصر الثالث في قصّة أغنية "متحيّز" هو الملحن عمرو مصطفى، وهو أحد أبرز المنتمين إلى جماعة "آسفين يا ريس"، الداعمة للرئيس المصري المخلوع مبارك، وكانت له تصريحات كثيرة شهيرة للهجوم على الثورة المصرية، واسم عمرو مصطفى مرتبط بالكثير من القصص التي لها علاقة باقتباس ألحان غربية شهيرة في أغنيات مصرية، وسبق أن فضحه كثير من الملحنين والمطربين المصريين، وآخر اقتباساته في أغنية "بشرة خير" التي غناها الإماراتي حسين الجسمي.