محمد خموش.. ابن بطوطة الصغير من العرائش إلى بخارى

23 ابريل 2016
لم يلتزم بطريق ابن بطوطة حرفياً (رسم: أنس عوض)
+ الخط -

"فهم الذات البشرية يبدأ من ترحال في عالمنا الواسع".. هذا ما يؤمن به محمد خموش. من العرائش في شمال غرب المغرب إلى بلدان آسيا الوسطى، كانت "أبرز رحلة في حياتي".

في عام 1964، ولد خموش في المغرب، قبل أن تنتقل عائلته إلى بريطانيا في عام 1974. هناك، درس علم الحاسوب. أراد العودة إلى الوطن، فوجد نفسه غير قادر على التعامل مع مجتمعه المغربي. وكانت رحلته الصغرى داخل البلاد، منتقلاً من العرائش إلى مدن الشرق كالناظور والحسيمة، حاملاً الكاميرا خاصته وباحثاً عن ذاته. كذلك، اتجه نحو الموسيقى، واهتم بأعمال فرقتَي "جيل جيلالة" و"ناس الغيوان"، وتأثر بهما حتى صنع آلة موسيقية. بعدها، أنشأ فرقة "صوت المغرب" في بريطانيا من بين فرق أخرى، وعلّم الناس هناك بعضاً من الموسيقى المغربية.

في عام 1994، راودته فكرة الرحلة الكبرى وقد تأثر بعلماء المسلمين وترحالهم، من أمثال ابن بطوطة وأبو زيد الصيرافي وسليمان التاجر. "كنت أبحث عن نموذج لبطل في حياتي، وقد اخترت ابن بطوطة". انكبّ على بحث استمر سبعة أشهر قبل ظهور الإنترنت، وجمع معلومات عن البلاد التي كان يودّ زيارتها. "ولم أتوقف عن العمل لا ليلاً ولا نهاراً، بهدف جمع المال الكافي للرحلة ولأفلام التصوير".

مشى خموش في رحلته على مدى عام تقريباً، فزار كازاخستان وأوزبكستان وباكستان وكشمير الهندية وجبال هملايا والتبت والصين وسنغافورة وبلدان أخرى، موثقاً رحلته بـ73 ساعة فيديو وستة آلاف صورة، بإلهام مستمر من رحلة ابن بطوطة.

"عندما كنت مهاجراً في بريطانيا، كنت أشعر أنّ المسلمين الذين يعيشون هناك يكتفون ببريطانيا. أردت تغيير الفكرة، وعملت حتى حصلت على تأشيرات دخول إلى بلدان كانت لا تزال تحت الحكم السوفييتي. سافرت كثيراً بالبرّ بعدما تلقيت لقاحات تحميني من الأمراض. كنت مهتماً بالمسلمين في آسيا، فزرت أوّل مسجد بني في الصين في مدينة بونجو الملقبة بمدينة الزيتون، وزرت قبر الإمام البخاري في بخارى، وقد استجوبتني الشرطة عن كيفية وصولي كعربي إلى تلك البلاد حينها".

اقــرأ أيضاً



في رحلاته التي تعددت، تسلق خموش أيضاً جبالاً في سلسلة إيفرست ترتفع 5200 متر فوق سطح البحر، وخاض مغامرات برية، ونزل في معابد بوذية وتأمّل طقوس العبادة فيها، وعايش أهل التبت وغيرهم في ظروف حياتية صعبة نتيجة البرد القارس. بالنسبة إليه، "لا بدّ من أن يكون لكل رحالة مبدأ روحاني، وإلا فبإمكان الرحلة أن تبدّله". وكانت الطقوس الدينية السائدة في الهند، لا سيما حرق جثث الموتى، "من أغرب ما شاهدته أمامي". كذلك، عرف "ظروفاً صعبة في زمن الصين الشيوعية المنغلقة على نفسها، إذ كان السائح فرصة للجشعين في مقابل دولار واحد".

من جهة أخرى، يخاف خموش على ألبومات صوره خوفاً كبيراً. "اضطررت إلى صرف ميزانية بهدف نقلها إلى بريطانيا. وقد أوصيت والدتي أن تحفظها في الثلاجة كي لا يصلها الضوء".

لم يكتفِ خموش بمجرّد الاستمتاع برحلاته تلك، لا بل عمد إلى إنجاز أبحاث حول المعالم الإسلامية والإسلام المنتشر في البلدان التي زارها، وكتب "جوهرة تراث المسلم في الصين". وبيّن أنّ "آلاف المساجد كانت تنتشر في دول آسيا الصغرى والصين، لكنها قلّت، فيما تمكّنت دول من الحفاظ على طابعها الإسلامي". ودرس أيضاً تأثير المسلمين في رياضات الدفاع عن النفس، بعدما أدخلوا الحروف الهجائية في رياضة "كونغ فو"، لافتاً إلى "رياضات خاصة بالمسلمين لم يكونوا يعلّمونها للصينيين".

لم يلتزم خموش بطريق ابن بطوطة حرفياً. بعدما انتهى من رحلته في آسيا، تنقّل في عشرين دولة أوروبية تقريباً تسويقاً للهندسة المعمارية، ليصبح مهندس المسجد الأول في الدنمارك بطابع مغربي. إلى ذلك، عاد وعمل مهندساً في كشمير الباكستانية، وبنى أيضاً بيته على هيئة متحف في مدينة العرائش المغربية.

تجدر الإشارة إلى أنّ إنتاجاته البصرية والنثرية حظيت باهتمام مؤسسة "إف إس تي سي" البريطانية للعلوم والتكنولوجيا والحضارة، وتابع مشواره في إنجاز أبحاث في مجال تاريخ الإسلام في الصين وغيرها. وهي اليوم متاحة على موقع "التراث الإسلامي" بالإنجليزية مجاناً.

ويستعدّ خموش الملقب في المغرب بـ"ابن بطوطة الصغير" لإصدار كتاب ضخم يتضمّن صور رحلته وتدويناته وأبحاثه حول العالم الإسلامي الآسيوي، ناصحاً الشباب باختبار تجربة السفر الخاص والترحال والتجوال وبإنتاج أعمالهم المميزة. ويدعو إلى الاهتمام بإنجازات ابن بطوطة الذي فتح للعالم باب أدب الرحلات، من خلال التسويق الجيّد لمنجزاته والافتخار بها، قائلاً: "نحن أولى به".