محمد حلمي لجان

11 مايو 2017

(مروان قصاب باشي)

+ الخط -
لأن محلات عصير القصب في مصر أحسن حالا من صناعة السينما، وأصحابها أكثر صحةً نفسيةً من النخبة المصرية، وهذا من كرم الله عليهم، وخصوصا أنهم بالطبع لا يعرفون الاكتئاب أبدا، ولا يذهبون إلى عيادة الدكتور أحمد عكاشة، بعدما اكتفوا بالعصير والشيخ ياسين التهامي وركعتي الجمعة بالعمامة في سيدنا الحسين، وفي المساء يستمتعون بمشاهدة ماتش بلا جمهور.

نعم، النخبة المصرية، بعد 30/6، تمر بموجةٍ مكتومةٍ وشديدةٍ من الكآبة، موجة محبوسة وعنيفة، وخصوصا بعدما انسد الأفق تماماً، حتى كرة القدم بلا جماهير، ومرتضى يشتم الجميع، ويحبس حتى فريقه (الزمالك)، ويصير الملعب خالياً، فأحياناً تحتاج الدراما الماسخة إلى "ضحك ماسخ أيضا لابتلاعها"، حتى جلسات البرلمان، هو الآخر، لا تذاع، على الأقل كانت النخبة صنعت نكاتها، وتطهّروا بعدها من زوال الكرب والكآبة، كما قال أرسطو، حتى توفيق عكاشة هو الآخر عاد، بكامل أدبه، إلى بطه وخيوله، ونصف مقاهي وسط البلد تغلق بالتناوب، والكاميرات في جيوب الجرسونات وخلف الطاولات وفي الحمامات، ولم يبق من برسيم في الأسواق يصلح للعلف، إلا أمام كاميرات عزمي مجاهد وأحمد موسى، ومحمد موسى (من أشبال توفيق عكاشة)، أليس ذلك كله كفيلاً بتلك الموجات من الكآبة في صفوف النخبة المصرية؟.
حتى النقابات الفنية والتشكيلية والأدبية والموسيقية تم تدميرها بهدوء (ومعلمة ما تخرش الميه) من الداخل، ما بين عصابات متناحرة، وكله ينتظر أمر القضاء (اتحاد الكتاب.. نقابة التشكيليين.. الموسيقيين.. إلخ)، والجميع ينتظر فرج الله، وحدها تعمل برامج نفسنة وسينما السبكي ومسلسلات الشهر الكريم، وكله في انتظار ما سوف تفعله الدرّة المكنونة والجوهرة المصونة، سما المصري، وكيف سوف تجدّد الخطاب الديني في رمضان للمسلمين. وعلى الجانب الآخر أعدّوا لها، منذ أوائل شهر رجب بالطبع، المحامي نبيه الوحش بالبلاغات، والله لا يغيّب المحامي سمير صبري أبداً عن تلك المهام النبيلة، فكيف بعد هذا كله لا تكتئب النخبة المصرية، نخبة 30/6؟
ولذا، وجدت النخبة المصرية نفسها بلا عمل، بعدما كادت السلطة تقتصر على الاستراتيجيين من لواءات الشرطة والجيش، بعدما خرجت النخبة من مولد الـ 33 مليون ثائر، وعاد كمال أبو عيطة إلى بيته، وكمال خليل أيضا، وانقطعت أخبار حمدين صباحي، أو أوشكت، بعدما وصل كيلو سمك (بلطيم) إلى أربعين جنيها. فلماذا لا تكتئب نخبة 30/6؟
حاول بعضهم، مثل الأخ محمد حلمي لجان، جاهداً أن يتغلب على موجة الكآبة بالعمل في اللجان الإلكترونية، وهي فكرة بالطبع نافعةٌ لدفع الكآبة أوّلاً، ولتحسين الدخل أيضا، وخصوصا أن صنّاع السينما أنفسهم، مثل داود عبدالسيد وخيري بشارة، من غير عمل، وصمت تماما الرجل الحر علي بدرخان في بيته، ويكتب كتبا في صناعة السينما، وتوقفت كل ورش الإخراج والسيناريو تماما. حتى المضحكون الجدد أصبحوا بلا ضحك تماما، ولا أفلام، بعدما صار غرام الضحك بالشيء الفلاني، فصمت محمد هنيدي وطباخ الرئيس، وفيلم محمد سعد صار يقلد عدد أيام العرض للمخرج الطليعي يسري نصرالله، بعد ثلاثة أيام ترفع من دور العرض، فلماذا لا تكتئب نخبة 30/6، ويتحول الأخ محمد حلمي لجان إلى موظف صغير في اللجان الإلكترونية، كي يدفع عن نفسه بلاء الاكتئاب؟.
وفي النهاية، الأخ محمد حلمي لجان، كوضع وظيفي (بالعقد) أو حتى موسمي، أراه وضعا جائرا، لكاتب طليعي كتب السيناريوهات لممثلةٍ تمنت أن تكون دبابة، وأنصحه بتقديم أوراقه للصحافي إبراهيم الجارحي رأساً، وإن احتاج وصيّة، فالوصية عند لميس، والله هو الشافي والمعافي.
720CD981-79E7-4B4F-BF12-57B05DEFBBB6
عبد الحكيم حيدر

كاتب وروائي مصري