قدّمت حركة 65 أو "جماعة الدار البيضاء" ممارسة حداثوية للفن بموازاة تنظير نقدي معمّق يطرح تساؤلات كبرى حول هوية الفن المغربي في مرحلة أعقبت استقلال البلاد بنحو عشر سنوات، في مشهد تشكيلي كانت تغلب عليه التيارات الواقعية في التشخيص. ضمّت الجماعة أسماء بارزة مثل فريد بلكاهية ومحمد شبعة ومحمد أطاع الله ومصطفى حميدي ومحمد المليحي الذين انفتحوا على الفنون الشعبية وإدماج الحِرف والصنائع والمشغولات اليدوية التقليدية في منظومة تعليم الفنون مع استعادة التراث المغربي برافديه الأندلسي والأمازيغي.
"موجات جديدة: محمد المليحي ومدرسة الدار البيضاء للفنون" عنوان المعرض الذي افتتح في فضاء "موزاييك رومز" اللندني في 12 من الشهر الماضي ويتواصل حتى الثاني والعشرين من الشهر المقبل.
يتناول المعرض تجربة الفنان (1936) الذي عاد إلى المغرب بعد دراسته في إيطاليا وإسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة، وفي الأخيرة بدأ نزوعه نحو التجريد الذي قاده إلى توظيف العلامات والرموز المستمدّة من الوشم والتطريز والعمارة في التراث، من خلال التقاط التوريقات والتموجات في الزخرفة الإسلامية التي تعتمد معايير هندسية.
يضمّ المعرض الذي تُقدّم فيه أعمال المليحي لأول مرة في بريطانيا، أعمالاً تنتمي إلى الفترة الممتدّة من أوائل الخمسينيات وحتى نهاية الثمانينيات، إلى جانب مختارات من أرشيفه تعكس تصوّراً شاملاً عنه كرسام ومصور فوتوغرافي ومصمّم حضري ومدرّس وناشط ثقافي واجتماعي.
يذهب المنظّمون إلى استعراض التنويعات المتعدّدة والمتداخلة حول مفهوم "الموجة" الذي قدّمه منذ بداياته ويرتبط بإمكانيات جديدة للحداثة من خلال محاكاته للجسد وانحناءاته ضمن حركة تعتمد حسابات رياضية وتدرّجات في اللون تعكس المعمار والأزياء في المغرب، وتحيل إلى المطلق كقيمة فلسفية متصلة بالزمن.
ترافق هذا التوجه مع كتابات قدّمها الفنان في مجلة "أنفاس" (1964 – 1969) التي شارك في تحريرها، ثم "أنتغرال" التي أسّسها عام 1970، واعتمد الدائرة كحركة كعنصر أساسي مولّد لتدوير لا ينتهي في سياق تعبيري يرمز إلى جسد المرأة وانحناءاته التي لم تفارق لوحته حتى اليوم، وهو بذلك ينزاح من المعنى الذي تذهب إليه تلك التكوينات ببعدها الصوفي إلى مناخات أرضية واقعية.
مع مرور السنوات، أنتج التراكم في هذه الأعمال التي تنهل من مصادر معينة إحساساً ملتبساً ومختلطاً لدى المتلقي الذي ينظر إلى الموجة باعتبارها مطلق الحركة ومطلق السكون في آن، وهي كحركة متتالية تبدو متشابهة في معظم اللوحات لكنها تعطي في كلّ مرة انطباعاً مختلفاً.
يجسّد المعرض سردية متكاملة حول المليحي كمبدع اشتبك مع الشأن العام طوال تجربته وكيف تركت أثرها في رؤيته وإبداعاته، وكيف تعامل مع تلك المحطّات المؤسسة في حياته الفنية، في إطار التركيز على جدلية الفن والواقع.