محمد الضيف.. "حماس" الغد

02 اغسطس 2014

مقاتلون من كتائب عز الدين القسام وسط غزّة (يونيو/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -


بات على إسرائيل الشعور بالقلق حقاً. فحملة الإبادة التي تشنّها على قطاع غزة، لن تؤدي سوى إلى معطيين، إحداهما سلبي، يبرز في سقوط مزيد من الشهداء المدنيين الفلسطينيين، في عادة متأصّلة في "الثقافة" الهمجية الإسرائيلية، والآخر إيجابي، يتجلّى في تزايد قوة المقاومة الفلسطينية، بمختلف فصائلها.

رفعت المقاومة سقف معنوياتها عالياً، على الرغم من شراسة العدوان الإسرائيلي. كان كل شيء مختلفاً هذه المرة. فجيش الاحتلال يواجه عدواً أضحى أكثر تمرّساً من ذي قبل. لا يعرف "التساحال"، فعلاً، كيف يواجهه، سوى بالقصف الموجّه والبعيد المدى، وبسلاح الجوّ. وحتى في التهدئة التي انهارت بعد ساعات قليلة على بدئها، كان واضحاً مدى حاجة إسرائيل إلى هجمات كاسحة ضدّ المدنيين، لتبرير "قوتها".

وعلى الرغم من الحصار المُحكم على قطاع غزة، فقد نجح عناصر المقاومة في تحقيق مفاجآت حقيقية، بدءاً من "تحديد ساعة قصف تل أبيب"، السبت 12 يوليو/ تموز الماضي، واختراق تحصيناتٍ عسكريةٍ إسرائيلية متاخمة للقطاع، وانتهاءً بإجبار الإسرائيليين على ملازمة بيوتهم، من بئر السبع إلى حيفا. ما كانت تخشاه إسرائيل تحقّق، وهو قدرة صواريخ غزة على الوصول إلى أبعد مدى ممكن، إلى ما بعد تل أبيب، وعدم قدرتها على منعهم.

وعدا عن نجاح "الأنفاق" في لعب الدور الأهمّ لمصلحة المقاومة، فقد سعت "حماس"، عبر جناحها العسكري "كتائب القسّام"، إلى تكريس سطوة نفسية، تُتيح لها ترسيخ الخوف في اللاوعي الشعبي الإسرائيلي. وإذا كان المتحدث باسم الكتائب، أبو عبيدة، قد نجح في إخافة الإسرائيليين، بإطلالاته، فإن القائد العام لـ"كتائب القسام"، محمد الضيف (أبو خالد)، لعب الدور الأبرز.

شكّل خروج الضيف إلى العلن، بالصوت، وللمرة الأولى منذ بدء العدوان، معياراً لقوة "حماس". تلقّفت إسرائيل، في خطاب الدقائق الخمس للضيف، رسائل عدة، أبرزها أن "حماس" لم تعد مجرّد حركة عفوية وُلدت في انتفاضة شعبية، ذات ثمانينات باردة، بل باتت على قدرٍ عالٍ من الاحترافية التي ستسمح لها برسم الخريطة المستقبلية.

ثاني تلك الرسائل أن "المُلهم" الذي بحثت عنه "حماس"، والشعب الفلسطيني، وُجد، والذي يتمحور دوره حول منح الثقة للمقاتلين، وحسم الرؤى السياسية المتناقضة، وتوجيه القرارات. ثالثها، وأدّقها على الإطلاق، قدرة "حماس" على تحقيق التوازن، بين الفعل وردّ الفعل، ما قد يُلزم الإسرائيلي، لاحقاً، بعد انتهاء العدوان، بالتفكير مليّاً قبل شنّ أي عدوان مستقبلي.

كان الفلسطينيون يحتاجون إلى هذا، إلى رجل يُمكّنهم من الشعور بـ"سلطة القوة"، التي تتسيّدها "كتائب القسام" في قطاع غزة. رغبوا في "الحصول" على القائد الميداني الذي يعدهم بالنصر كل حين، على الرغم من حجم الدمار والموت والقتل، وحصلوا عليه.

وغداً، حين يُصبح مستقبل رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، بفعل فشل العدوان الإسرائيلي في تحقيق أهدافه في غزة، على طاولة لجنة تحقيق إسرائيلية يرأسها قاضٍ، سيحكم على حملة "بيبي" بالإعدام السياسي، سيكون اثنان على المفترق، أحدهما وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، والآخر.. أبو خالد.

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".