محمد إدريس.. نهايات البيات الشتوي

23 ديسمبر 2015
إدريس في بورتريه لـ أنس عوض (العربي الجديد)
+ الخط -

ارتبطت إدارة الشأن المسرحي في تونس طوال سنوات حكم بن علي باسم محمد إدريس (1944)، الذي ينتمي إلى فئة مزدوجة الثقافة، من الدارسين في فرنسا، وأبناء شريحة "البلدية"، أي الأسر قديمة التوطن في تونس العاصمة. كثيراً ما تُنمّي هذه الانتماءات حالة من الاستعلاء الطبقي التي سنجد أثراً لها في سنوات إدارة إدريس لمؤسسة "المسرح الوطني".

في الحقيقة، تكاد المسيرة الإدارية للمسرحي التونسي تهيمن على مسيرته الفنية، والتي لم تخلُ من أعمال لافتة مثل "إسماعيل باشا" (1986) و"يعيّشو شكسبير" (1988) و"المتشعبطون" (2005).

كان إدريس، عند عودته من دراسة المسرح في فرنسا، أحد مؤسسي "المسرح الجديد" مع الفاضل الجزيري وفاضل الجعايبي وغيرهما. وحين تفرّقت السبل بينهم، كان نصيبه المسؤوليات الثقافية حين وقع تعيينه مديراً على "المسرح الوطني" في 1988، كما ترأس أيام قرطاج المسرحية من 1997 إلى 2009، أي أنه استمر في مناصبه حتى نهاية حكم بن علي.

لم يكن وصول إدريس لإدارة "المسرح الوطني" في أوائل سنوات حكم بن علي صدفة، فقد كان الخطاب الذي قدّمه جيل "المسرح الجديد" مضاداً للعقليات المهيمنة في المرحلة البورقيبية، لذلك كان على النظام الجديد البحث في قائمة أسماء المهللين بإزاحة بورقيبة، إضافة إلى حد معقول من الشعبية والمستوى الفني.

أثبت إدريس أنه قادر على فكّ شيفرة الاحتياجات الثقافيّة للنظام، فأشرف على إنتاجات تخدم مصالح الحزب الحاكم والتيارات المسيطرة فيه، مخاصماً في الأثناء قطاعات من المشهد المسرحي حتى انفصلت هذه المؤسسّة عن دورها الثقافي.

كان اعتناء إدريس بالمسرح مظهرياً بالأساس، إذ تسجّل له أشغال توسعة وصيانة لقاعات العروض، وهو في ذلك شبيه بالصورة التي كان يظهر بها، صورة جمعت بين الفنان والمسؤول، فهو يرتدي عادة ربطة العنق في شكل فراشة ويمسك في يده صولجاناً، ويقدّم تصريحات باللغة الفرنسية لا تخلو من سخرية ممن يخالفه الرأي.

كان كل ذلك سبباً في عزلة إدريس وعزلة مؤسسة "المسرح الوطني" التي باتت عنواناً للتسلط الإداري على الفنانين، حتى إن الوسط الفني استغلّ سقوط بن علي في 2011 لإسقاط إدريس من إدارة المسرح.

في الفترة الأخيرة، بدأ الظهور التدريجي لإدريس في الساحة الفنية من خلال محاولات اكتراء إحدى أهم قاعات العرض في وسط العاصمة، أو بالعودة للظهور ضمن المسلسلات التلفزيونية في رهان للعودة للساحة بوجه الممثل.

ويبدو أن المشهد التونسي العام بات جاهزاً لعودته إلى الأضواء، فالمنظومة التي ارتبطت بسنوات سطوته، من إعلاميين وسياسيين، بات عدد من عناصرها في مواقع قرار داخل أجهزة الدولة وخارجها.

ولعل المشهد الثقافي في تونس، لا يشذ عما يحدث في مختلف القطاعات من عودة وجوه زمن ما قبل الثورة ممن ساهموا في هيمنة النظام، حتى إن مسافة الخمس سنوات التي تفصلنا عن أحداث 2011 باتت تبدو مثل بيات شتوي يجري التخلص منها شيئاً فشيئاً.

المساهمون