أراد محمد أبو عيسى، الذي عاش حياته في مخيم اليرموك في سورية، الهرب من جحيم الموت هناك. وهذا ما حصل. يقول: "أنا فلسطيني من مدينة حيفا. بعد النكبة، جاء أهلنا إلى سورية. في ذلك الوقت، عانوا كثيراً قبل أن يحققوا الاستقرار الذي كانوا يتمتعون به في أرضهم. وجدوا منازل وعملاً. لكن الحرب غيّرت كل شيء في سورية".
يضيف أبو عيسى: "عندما بدأ القصف على مخيّم اليرموك، سقطت قذائف على منزلي. لحسن حظنا، لم أكن وزوجتي وابني في البيت. بعدها، حاولنا العودة لأنه لا يوجد أي مكان آخر نذهب إليه. لكن الدمار كان كبيراً. أكثر من ذلك، فقد سرقت جميع محتوياته. وكان أناس قد سكنوا المنزل، واستخدموا خشب غرفة النوم للتدفئة". يتابع: "في نهاية المطاف، نزحت من مخيم إلى مخيم".
مع اشتداد القصف، لم يخرج وعائلته (طفلان ووالداه وشقيقته وزوجته) من المخيم. بقوا على هذه الحال نحو ثلاثة أشهر. لم تتوقف المعاناة هنا. فقد اشتد القصف أيضاً على المناطق المجاورة للمخيم، فلجأ أهل تلك المناطق إلى الاحتماء في مخيم اليرموك. لكن عاد القصف ليشتد على المخيم، "ما اضطرنا إلى تركه نهائياً".
يتابع أبو عيسى: "بدأت رحلة النزوح مجدداً. قصف الطائرات جعلنا مجبرين على النزوح. خفت أن أفقد ابني الوحيد. قلت في نفسي فلسطين راحت عشو بدي أخاف بعد. عندها، خرجت من المخيم حالي من حال باقي الجيران". يضيف: "عندما جئت إلى لبنان سكنت في مخيم البص في صور (جنوب لبنان) لمدة عام ونصف العام تقريباً. بعدها جئت إلى مخيم الرشيدية في المنطقة نفسها، واستأجرت منزلاً بمائتي دولار. والله لم يتركنا".
يوضح أبو عيسى أنه لا يعمل في الوقت الحالي لأنه لم يجد عملاً يناسب عمره. فكل صاحب مؤسسة قصدها بحثاً عن عمل، كان يرفض توظيفه بسبب تقدمه في السن. في الوقت الحالي، يرسل إليه شقيقه الموجود في الشام المال حتى يستطيع العيش. مع ذلك، يرى أن "الفقر أهون من العيش تحت القصف. فقد كنا عرضة للموت في كل لحظة. كثيراً ما كنا نسير في أرجاء المخيم بحثاً عن مكان آمن للاختباء من الشظايا، حالنا من حال باقي السكان". يضيف أن "بعض سكان المخيم ماتوا جوعاً، علماً أنهم كانوا من ميسوري الحال. لكن الحرب غيرت كل شيء وكان لها تأثيرها على الجميع. منهم من قضى تحت القصف، ومنهم من قضى جوعاً، أو غرق في البحر خلال هربه بحثاً عن حياة كريمة".