محسن مرزوق... من "النداء" إلى قيادة "حركة مشروع تونس"

26 يوليو 2016
يُعتبر مرزوق أحد تلاميذ السبسي (ياسين قائدي/الأناضول)
+ الخط -


انتهت، أمس الإثنين، أعمال المؤتمر التأسيسي لحزب "حركة مشروع تونس" بانتخاب محسن مرزوق أميناً عاماً له. ومرزوق هو أحد تلاميذ الرئيس التونسي الحالي، مؤسس حزب نداء تونس، الباجي قائد السبسي، إذ عمل مرزوق إلى جانبه كمدير لحملته الرئاسية ثم مدير لديوانه، قبل أن تدبّ الخلافات داخل حزب نداء تونس وتنتهي بانقسام الحزب إلى حزبين، والكتلة البرلمانية إلى كتلتين. وقادت هذه التحولات إلى تأسيس حزب جديد هو حزب مشروع تونس وكتلة الحرّة في البرلمان.

غير أن قيادات "المشروع" تصرّ في أغلب تصريحاتها على تسمية "النداء" بشكل مقصود بالحزب القديم مقابل اعتبار "مشروع تونس" الحزب الجديد، وكأنها إشارة مبطنة لموت "النداء" وانتهائه سياسياً، بسبب الخلافات التي واجهها، والتي تعصف به إلى اليوم، على الرغم من أن كتلة "النداء" بدأت تستعيد عافيتها وتحاول تدريجياً أن تعود إلى مكانها الأول في البرلمان (67 نائباً إلى حد الآن مقابل 69 نائباً للنهضة) بمن فيهم نواب غادروا حزب مرزوق وعادوا لـ"نداء تونس".
وخلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر التأسيسي للحركة، مساء السبت، قال مرزوق، في إشارة معبّرة، إن "البلاد محتاجة لمفاتح باش نحلو بيبان وباش نسكرو مجموعة من البيبان"؛ أي فتح أبواب جديدة وغلق أخرى قديمة، مشدداً على انتماء حزبه للخط الوطني العصري، والذي أسسه الحبيب بورقيبة.
ويلفت هذا التمايز السياسي للمشروع إلى نيات التموقع في المشهد التونسي، ويؤكده إصرار منظمي المؤتمر على عدم دعوة حركة النهضة ونداء تونس. فالحزب الجديد يريد أن يكون بديلاً لحزب نداء تونس، لكن بخطابه الأول المنافس وربما المعادي، للنهضة والرافض حالياً للتحالف بينهما.

ولا يخفي مرزوق هذا الموقف، إذ يؤكد أن الأسباب التي تقف وراء عدم دعوة منافسه السياسي المباشر، هي احترام الديمقراطية وقواعد المنافسة، لأن المؤتمرات السياسية ليست أعراساً أو مناسبات خاصة للمجاملة، وهو ما يحدث تماماً في الخارج، بحسب تعبيره.
وتشكل خطابات قيادات المشروع استعادة كليّة لخطاب "النداء" قبل الانتخابات الأخيرة، وإن لم يكن ذلك غريباً بسبب انتمائهم جميعاً تقريباً للحزب الأم.
والواضح أن "المشروع" يحاول استعادة مكان الحزب القديم في الوسط، وحشد قواعده التي تجمّعت حول ذلك الخطاب في تلك المرحلة. لكن يبقى التساؤل حول جدوى ذاك الخطاب اليوم، بعد أن قطع الائتلاف بين الدستوريين والإسلاميين أشواطاً كبيرة، وأصبح واقعاً ملموساً في المشهد التونسي، وإن كان بالإمكان فعلياً استعادة خطاب ما بعد الثورة مباشرة، عندما كان الاستقطاب السياسي على أشدّه بين المعسكرين.
لكن مرزوق يؤكد "اختلافه" جذرياً وجوهرياً مع كل من يخلط بين الدين والسياسة، داعياً إلى تطهير الحياة السياسية، على الرغم من أن منافسيه يؤكدون أنه لم يكن معارضاً للتقارب بين "النداء" والنهضة عندما كان في الحكم إلى جانب الرئيس السبسي.


غير أن خطاب مرزوق وحزبه الجديد يحاول في الوقت نفسه استقطاب عدد من مكونات الساحة السياسية التونسية الأخرى، ومن بينها البورقيبيون والدستوريون القدامى، والذين لم يلتحقوا بـ"النداء" وبقوا مشتتين بين محاولات مترددة لتكوين أحزاب جديدة، وكذلك التجمعيّون (نسبة لحزب التجمع المنحل) الذين التحقت بعض قياداتهم المهمة بالحزب الجديد، لكن عين مرزوق وحزبه تظل مشدودة إلى أجيال من الحداثيين، والذين يحتفظون بالريبة من الإسلاميين، وهم في الغالب من اليساريين المعتدلين، أو من غير المتحزبين المنتمين في الغالب إلى منطقة الوسط التونسي التقليدي. ويدعو مرزوق بوضوح لوضع حد لتقسيم البلاد وإرساء مصالحة شاملة، داعياً النخب السياسية التي حكمت تونس في الماضي إلى مد أيديهم إلى بلدهم؛ لأنه بحاجة إليهم.

كما جدد مرزوق في خطابه دعوته إلى تشكيل جبهة ديمقراطية واسعة تجمع عدداً واسعاً من الطيف السياسي لقيادة البلاد مستقبلا، قائلاً خلال إعلانه عن الافتتاح الرسمي للمؤتمر التأسيسي لحركة مشروع تونس إنه "مزروب جداً وكل مناضلي الحزب مزروبين لأن تونس مزروبة"؛ أي أن تونس ليس لديها الوقت للانتظار.
لكن صفة التسرّع بالذات هي ما يطلقها منتقدوه عليه، إذ يعتبر بعضهم أن طموحات مرزوق الشخصية عجّلت بأزمة نداء تونس، وقادت إلى تكوين الحزب الجديد، معتبرين أن حزب المشروع يحمل في طياته نفس تناقضات حزب نداء تونس.
وقد دفع هذا الأمر مصطفى بن أحمد، أحد أبرز قياديّي الحزب الجديد، النائب في كتلته البرلمانية الحرة، إلى التنبيه مما يراه خطراً على "حركة مشروع تونس" ويعيدهم إلى إنتاج ممارسات الحزب القديم، حسب تعبيره. وقال بن أحمد، في تدوينة على صفحته الرسمية في فيسبوك، إنه لا يدري لماذا انزعج البعض بسبب أول خلاف في المضمون يطرح بمناسبة المؤتمر التأسيسي لحركة مشروع تونس. وذكّر بأن مغادرته لـ"نداء تونس" تمت إثر "ما آلت إليه الأمور من انعدام للحوار وتعتيم ومصادرة للآراء"، على حد قوله. وحذّر بن أحمد مما وصفه بـ"طغيان الصورة على الخطاب، لأن تأثير الاستعراضات مهما كانت قوتها عابرة، فإن الذي يبقي في الأذهان هي الأجوبة الصادقة والواضحة". ودعا بن أحمد إلى "توازي الشرعيات وتوازن السلطة بين الهياكل القيادية للحزب، بمعنى أن تنبثق القيادات الوطنية من المؤتمر الوطني لمنع تضخم السلطة الفردية وترسيخ مبدأ القيادة الجماعية".
وبغض النظر عن مآلات أزمة "النداء" التي قادت إلى تكوين الحزب الجديد، فإن حزب مرزوق أصبح رقماً واضحاً في الساحة التونسية، سياسياً وبرلمانياً، يؤثر في مشهدها العام على أن تكشف الاختبارات والاستحقاقات المقبلة متانة خطابه، وصحة تموقعه، ونوايا أعضائه، وقدرتهم بالخصوص على تجاوز الأسباب التي أدت إلى أزمة "الحزب القديم"، وأهمها الخلافات الشخصية والطموحات الجارفة لقيادييه.