محجوب بن ميلاد: استعادة "تحريك السواكن"

25 ديسمبر 2016
محجوب بن ميلاد (1916 – 2000)
+ الخط -

في العقدين الأخيرين، تزايدت الدراسات الفلسفية في تونس سواء على مستوى البحث الأكاديمي أو النشر والترجمة. قبل ذلك، ثمة أسماء متناثرة ساهمت في بناء هذه الأرضية من بينها محجوب بن ميلاد (1916 – 2000) الذي جرى إحياء مئوية ولادته أمس في "دار الثقافة ابن رشيق" في تونس العاصمة.

إضافة إلى تدريسه الفلسفة في الجامعة التونسية، عُرف بن ميلاد أساساً من خلال سلسلة "تحريك السواكن" التي أنجز ضمنها مجموعة مؤلّفات تهتمّ بشؤون التربية والفلسفة والتاريخ والسياسة.

في الكلمة الافتتاحية، تحدّث أستاذ الفلسفة طاهر بن قيزة عن أثر بن ميلاد في الأجيال التي درّسها، مبيّناً كيف وقف ضد التقسيم الذي ضرب الحضارة العربية بين فلسفة وعلم الكلام حيث عمل على إبراز ما في علم الكلام من مكوّنات فلسفية، كما أظهر ما في الفلسفة من نزعات كلامية. وأشار بن قيزة أيضاً إلى اجتهادات مثل قوله بأن مفردة الحق تطابق كلمة اللوغوس اليونانية ذات المعنى المزدوج (الأخلاقي والعلمي) ضمن دعوته الى وهب المفاهيم معاني حيّة.

في المحاضرة الثانية، تحدّث عبد الرحمن التليلي عن تناول بن ميلاد لحرية الفكر في الإسلام، حيث أنه نفى حصر الحقيقة في فرقة أو عصر ما يعتبره المحاضر وقوفاً مبكّراً ضد النزعة السلفية التي تعرف مدى انتشارها الأكبر في أيامنا. وكان بن ميلاد – بحسب التليلي - ضد "كسل العقل المتهافت إلى أن يرتاح من مأساة الفكر في طلبه وسعيه ومعاناته، هذا الكسل الذي أدى إلى حبس الاجتهاد لدى الفقهاء وهو تضييق على الناس بما وسّع الله فيه".

من جهتها، تحدّثت الباحثة رشيدة السمين عن كتابات بن ميلاد التربوية مظهرة دعوته إلى الاستناد إلى ما يسمّيه بـ "صحيح التجارب التربوية". ينتقد بن ميلاد عدم لمس الأجهزة النفسية الغضّة وأن عقول أهل التعليم مصروفة عن علوم التربية.

من جانب آخر، تنتقد السمين أن بن ميلاد ظلّ يراوح مكانه في النقد النظري بينما عايش مجموعة سياسات تربوية في تونس أهمّها تلك التي وضعها محمود المسعدي بعد الاستقلال، لكنه في دراساته التربوية لم يشر إليها ولم يقيّمها.

ضمن نفس الأفق تحدّث الباحث نبيل بن عبد اللطيف عن محاولة صاحب "تحريك السواكن" تسريب الحس الفلسفي في منظومة التربية حيث اعتبر أنه لا أمل في التقليد وبأنه ضرب من ضروب العبودية.

في المحاضرة الأخيرة، يتّخذ أستاذ الفلسفة في "جامعة 9 أفريل" صالح مصباح مدخلاً مغايراً حيث يضيء من خلال كتابات وأنشطة بن ميلاد ما يسمّيه ببدايات ممارسة الفلسفة بالعربية في تونس، وهو تاريخ يوازي الممارسة (الرسمية) والتي ترتبط بتقاليد خارجية (فرنسية).

يشير مصباح إلى أنه ينبغي أن ننتبه إلى أن معظم النشاط الفلسفي في تلك المراحل المبكرة كان يمارس مشافهة، أي على الطريقة السقراطية، وأن تجربة بن ميلاد لم تخرج عن ذلك ببعديها؛ التدريس والإذاعة، أما كتابة المؤلفات فكان مقلاً فيها.

يرى مصباح أن هذا الخيار اقتضاه فهم للنسيج الاجتماعي وقتها، خصوصاً أن جيله كان عليه مهمتان: تبيئة الفكر العالمي وتنشيط التراث العربي القديم.

دلالات
المساهمون